أسباب التخلف وسبل النهوض

د: محمد عمارة 


عندما يتم تشخيص حال الأمة، فتقول:

إنها تعيش «محنة كبرى»… ثم تطلب منا «تقديم رؤية عملية، لمنهجية متسمة بالواقعية للخروج بالأمة من هذا المأزق الحاد والمزمن… وذلك لإيقاظ الإنسان العربي والمسلم الغارق في «نوم اليقظة»! فكأنها تطلب صياغة «دليل عمل» للنهضة العربية الإسلامية المنشودة، يرشد الذين انخرطوا في ساحة العمل لهذا المقصد النبيل، ويجتذب من في خارجها إلى هذه الساحة. لكن «المعرفة» تريد منا تكثيف هذا التصور في صفحات قليلة… لذلك، سأقف عند «رؤوس أقلام»، هي أشبه ما تكون بعناوين فصول في هذا «الدليل».

حتى نجيب عن سؤال: كيف نخرج أمتنا من هذا المأزق الحضاري، الذي يأخذ منها بالخناق؟ لابد من معرفة الأسباب التي دفعت الأمة إلى هذا المأزق… لأن علاج أسباب التراجع الحضاري، هو السبيل إلى الإقلاع الحضاري من هذا المأزق الذي تردينا فيه. لقد بدأت أمتنا طورها الحضاري العربي الإسلامي بنهوض وازدهار، تعلمت منه الدنيا، ولانزال نباهي به حتى الآن… فلماذا حدث استبدال التخلف بالتقدم؟ والجمود بالتجديد؟ والأزمة بالانطلاق؟ والقيد بالانعتاق؟

إن الوعي بأسباب التراجع الحضاري، وسمات استبدال أسباب التراجع بأسباب التقدم، هو الذي يضع عقولنا وأيدينا على المفهوم الصحي والحقيقي لمقولة: «لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها…».

فليس المراد الهجرة من الزمن الحاضر إلى الزمن الخالي… وإنما المراد الوعي بأسباب النهوض الأول، ومناهجه، لنسلكها سبلاً للنهوض الجديد المنشود.

لقد بدأ الإسلام بتحديد منهاجه في التغيير الكافل إخراج الناس من الظلمات إلى النور… والذي يبدأ بتغيير النفس الإنسانية، وإعادة صياغة الإنسان بالإسلام «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم». «ذلك بأن الله لم يكُ مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم «. (الأنفال: 53) فالتغيير – سواء في اتجاه التقدم والنهوض، أو في اتجاه التخلف والجمود – إنما يبدأ بالصياغة الإيجابية أو السلبية للإنسان. وعندما بدأ رسول الله (ص) فأقام أولى الصناعات الإسلامية الثقيلة: صناعة الجيل الفريد، المؤسس للدين، نهض هذا الجيل بتغيير الواقع، وبناء الدولة، وتطبيق الشريعة… ثم توالى التراكم المعرفي في علوم الدين والدنيا – الشرعية والمدنية – تلك التي كونت الحضارة العربية الإسلامية، التي غيرت وجه الدنيا ومجرى التاريخ. وكان طبيعياً أن تأتي دولة الخلافة الشورية الكاملة والراشدة على النحو الذي جاءت عليه، لأنها كانت صورة للجماعة التي أعيدت صياغتها بالإسلام. لكن…لأن النموذج الإسلامي – في الدين والدولة والحضارة – قد قام في مواجهة تحديات شرسة، مثلتها في ذلك التاريخ – بعد الشرك العربي – قوى الهيمنة الكبرى: الفرس والروم… فلقد كانت الفتوحات الإسلامية لإزاحة الهيمنة الكسروية والقيصرية عن المحيط الإسلامي، ضرورة حياة لهذا النموذج الإسلامي الوليد… وبسبب من عقيدة وروح الجهاد الإسلامي، كانت السرعة القياسية التي تمت فيها هذه الفتوحات، التي حررت الشرق من الفرس والروم… ففي ثمانين عاماً فتح المسلمون أوسع مما فتح الرومان في ثمانية قرون!

لكن هذه السرعة في الفتح التي تمثل إيجابية – فضلاً عن كونها ضرورة سياسية نفخر بها ونعتز – قد أثمرت واقعاً سلبياً خطيراً… وذلك عندما أدخلت في إطار الدولة الإسلامية، وفي رعيتها أمماً وشعوباً وقبائل لم تتم صياغتها وتغييرها وتربيتها بمناهج الإسلام… فدخلت في باطن الجسد الإسلامي أشياء غريبة عن طبيعته ومزاجه وهويته الإسلامية… وزاد من فعل وتأثير هذا «الجسم الغريب» الذي أدخل في باطن الجسد الإسلامي، أن الإسلام قد قرر لهذه الأمم والشعوب حرية الاعتقاد، وفقاً للمبدأ القرآني والقاعدة الشرعية «لا إكراه في الدين». «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر».

فبدأ الجسد الإسلامي، ونموذجه في الدولة يعاني تأثيرات هذا الجسم الغريب، الذي أدخلته سرعة الفتوحات في أحشاء النموذج الإسلامي قبل أن تتم إعادة صياغته وفق مناهج الإسلام. وإذا تذكرنا دور الفرس في مقتل عمر بن الخطاب…

ودور ثوار الإقليم والأطراف في مقتل عثمان بن عفان، ندرك دور هذا «الجسم الغريب»في أحداث الفتنة الكبرى، تلك التي انتهت بحلول الخلافة الناقصة محل الخلافة الشورية الراشدة، فكان النموذج الجديد صورة الواقع الجديد. كما كان النموذج الراشد صورة للجيل الفريد!

وتلك كانت بداية التراجع في تاريخ حضارة الإسلام. لكن… لأن علماء الأمة وفقهاءها – في جملتهم – لم يستنفذوا طاقاتهم في مصارعة «الدولة»، وإنما شغلوا أنفسهم بتربية الأمة، ونشر الإسلام ولغته، وصناعة الحضارة، فلقد امتدت الأمة… وقامت التربية… وازدهرت الحضارة، على النحو الذي جعل الأمة أعظم من الدولة… فكان البناء الذي تعلمت منه الدنيا، والذي نباهي به حتى الآن – بل ونعيش عليه – رغم الفتنة… والفرقة… والانحراف. وإذا كان من سنن الظواهر الدينية والثقافية والحضارية – دائماً وأبداً – وجود مسافات وفوارق بين «المثال – النموذجي»، وبين «الواقع – والممكن»، فإن غيبة الجيل الفريد – المؤسس – الذي تربى في مدرسة النبوة، والذي صنعه الرسول ص على عينه، قد أعقبها تراجع – تدريجي – في نوعية ومثالية التربية والصياغة.

وزامل هذا التراجع زيادة حجم النوعية التي لم تتربّ تربية ذلك الجيل الفريد… فأخذت شوائب البدع، وثقافات وتصورات الديانات والفلسفات التي أدخلتها الفتوحات إلى داخل الساحة الإسلامية تثمر تشققات فكرية، وصراعات مذهبية، ونزاعات سياسية، وعصبيات عرقية وإقليمية، أخذت تغالب بغلوّها الشعوبي أو الباطني أو النصوصي الحرفي وسطية الإسلام وأمته.

ولقد بلغت هذه التناقضات – أحياناً – درجة النزاعات المسلحة، وأثمرت – في بعض الأحيان – تمزقات في وحدة الدولة من قبل الشعوب الواقعة في الأطراف… فانضم الانشقاق على الخلافة المركزية إلى الشقاق على الوسطية الإسلامية، الأمر الذي هدد روابط وحدة الكيان الإسلامي ونموذجه الفكري تهديداً جدياً. وصاحب تصاعد مخاطر تلك التهديدات خطران آخران: أولهما: انغماس كثير من العرب في الترف الذي وجدوا أسبابه في غنى الأقاليم التي فتحوها… فتحولوا من قوة جهادية خشنة وضاربة دون الدول وفكرتها إلى مواطنين شغلتهم شواغل الدنيا عن حياة الجهاد.

لقد انشغلوا بالطيبات المباحة عن مكاره فريضة القتال! وثانيهما:استمرار التحديات وتصاعدها الخارجية. فالقسطنطينية – عاصمة الروم – ظلت تجيش الجيوش ضد الدولة الإسلامية. ثم جاءت حقبة الحملات والغزوات الصليبية التي امتدت – باستعمارها الاستيطاني – قرنين من الزمان (489 – 690هـ/ 1096-1291م). وزاد من مخاطر هذه التحديات الخارجية ذلك الحلف الذي استعانت فيه الصليبية بالوثنية المغولية، التي دمرت بغداد (656هـ – 1258م)، واجتاحت المشرق الإسلامي، وهددت حتى الوجود الإسلامي، لولا أن شاء الله هزيمتها في «عين جالوت» (658هـ / 1260م). لقد ألجأت حدة المخاطر – تمزقات الأقاليم واستقلال الأطراف… وصراعات «الشعوبية» و «العصبية العربية».

وحدة الانقسامات الفكرية في العقل المسلم. وانقضاض الغزوات الخارجية على الأطراف، بل واجتياحها قلب دار الإسلام ومركز الخلافة – ألجأت هذه المخاطر دولة الخلافة العباسية – منذ خلافة المعتصم العباسي (179 -227هـ 795-841م) – إلى اتخاذ الترك المماليك قوة ضاربة للدولة، بحسبانهم الأكثر طواعية للخلافة من العرب ومن الفرس… فلما تضخمت مؤسستهم العسكرية، أصبحت الخلافة لعبة في أيديهم، «فتعسكرت الدولة»… وامتدت «العسكرة» إلى «الفكر» وبدلاً من الوسطية التي كانت تجمع ما بين العقل والقلب، وتؤلف بين «الرأي» و «الأثر» أثمر الصراع والفصام النكد بين الفقهاء والصوفية ثقافة «إسلامية» قاصرة أو مغشوشة، عرفنا فيها: فقهاء لا قلوب لهم… وصوفية لا عقول لهم… وفقهاً وقف عند شكل الشعائر والعبادات، وتصوفاً باطنياً منفلتاً من ضوابط الشريعة وحدودها.

وإذا كانت دول العسكر الزنكية والأيوبية والمملوكية قد حفظت الوحدة لأغلب دار الإسلام، ونجحت في كسر شوكة الغزوة المغولية، واقتلاع الاستعمار الاستيطاني الصليبي، فإن فقرها الفكري والحضاري – بسبب غربتها عن لسان الإسلام وعقلانية فكريته – قد وقف بانتصاراتها عند ميادين القتال. على حين نهض «الفرنجة» – بعد هزيمتهم العسكرية – حضارياً فأعادوا كرة الغزو لديار الإسلام بعد أن ضموا إلى قوتهم المقاتلة عافية الثورة الصناعية والنهضة الأوروبية الحديثة… فكانت دورة غزوة الخمسمائة عام التي ما زلنا نعاني آثارها حتى الآن… فبعد اجتياح غرناطة (1492م) واقتلاع الإسلام من غربي أوروبا، بدأ الفرنجة الالتفاف حول عالم الإسلام العربي بغزوة بونابرت لمصر والشام (1213هـ / 1798م). ولقد أضافت هذه الغزوة الغربية الحديثة إلى المأزق الحضاري الذي تعانيه الأمة العربية والإسلامية تحدياً جديداً، هو تحدي «التغريب والاستلاب الحضاري… ومسخ ونسخ وتشويه الهوية الإسلامية». فأصبحنا نواجه مأزقاً حضارياً انضم فيه «التغريب الوافد» إلى «التخلف الموروث».

وعبر الصراع الفكري بين أنصار جناحي هذا التحدي – المقلدين لماضينا، الجامدين على تجارب الأسلاف. والمقلدين للغرب، العاملين على صب نهضتنا في قوالب الآخر الحضاري – تخلق في واقعنا الفكري والثقافي والتربوي استقطاباً حاداً، أخذت صراعاته تستنزف جل طاقات الفريقين، الأمر الذي أعجزهما – كليهما – عن تحقيق المشروع النهضوي الذي يبشر به، لأن نزيف الصراع الحاد بينها جعلها كلاعبي لعبة «شد الحبل» – التي لا غالب فيها ولا مغلوب – انتهت طاقات الفريقين فيها عند درجة الصفر!

أما التيار الوسطي الذي حاول تجنب غلو التقليد لتجارب ماضينا، وغلو التقليد للنموذج الغربي الوافد فلايزال يعاني – مع عقبات الواقع ومشكلات النهوض – معارك ومناوشات واستنزاف الجامدين والمتغربين كليهما! تلك هي قصة أمتنا وحضارتنا مع النهوض الأول.

ومع الأسباب التي حولت نهوضها وازدهارها الحضاري إلى هذه «المحنة» التي تأخذ منها بالخناق. وإذا كان لهذه الصفحات – كما اجتهدت في تكثيف أسباب النهوض الأول، وأسباب التراجع الحضاري – أن تجتهد في الإشارة – مجرد الإشارة – إلى معالم النهوض الجديد المنشود، وسبل الإقلاع الحضاري المعاصر… فإنها تذكر بما قدمته من المعنى الذي اختارته لمقولة: «لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها».

فسنن التقدم – كسنن التراجع – إلهية لا تبديل لها ولا تحويل «ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به». إن سبيل الإقلاع الحضاري، والخروج من «المحنة الكبرى» التي تشلّ فاعلية الأمة، هو العودة إلى المنهاج الوسطي الذي جاء به الإسلام… وسلوك سبيل التغيير الذي حدده الإسلام. فالوسطية في علاقة حاضرنا بماضينا تعني التمييز بين «الثوابت» وبين «المتغيرات» والالتزام بالدين – الذي هو وضع إلهي ثابت – مع الاستفادة «بالفكر الديني»، دونما جمود مذهبي أو التزام باجتهادات السابقين للوقائع التي تجاوزها التطور وطواها الزمان. وهي وسطية تعني رفض غلو الحداثة الغربية، التي تقيم قطيعة معرفية مع كل الموروث… وأيضاً رفض غلو الجمود والتقليد الذي يجعل كل الموروث ثوابت، يضفي عليها قداسة المعلوم من الدين بالضرورة.

والوسطية في علاقة «ذاتنا» الحضارية والثقافية «الآخر» الحضاري والثقافي، تعني التمييز في الفكر بين علوم المادة، التي تمثل حقائقها وقوانينها مشتركاً إنسانياً عاماً لكل البشرية – فعلينا أن نسعى إلى طلبها – وبين علوم العقائد والفلسفات والعلوم الاجتماعية والإنسانية والآداب والفنون والقيم والأخلاق… ففي هذه المنظومات الثقافية تتمثل الخصوصيات التي تتمايز فيها وبها الأمم والحضارات. فلا الانغلاق مفيد – بل ولا هو ممكن – ولا التبعية والتقليد لكل النموذج الوافد مفيدان، بل إن كليهما – الانغلاق والتبعية – إنما يمثلان التقليد الذي يقتل روح الإبداع. فالانغلاق على تقليد الماضي يستهلك الذات،

والتبعية بالتقليد للآخر تفقد الذات خصوصيتها وتميزها، وتحرمها من ضرورات وحوافز الخلق والتجديد والإبداع، فكلٌّ منهما عدو للنهوض الحضاري. الوسطية في العلاقة بين «العقل» وبين «النقل» تخرج الأمة من المعركة الوهمية التي تشل قدراتها… فالعقل – في ديننا وحضارتنا – لا يقابله النقل، وإنما يقابله الجنون. والعقل هو سبيلنا لفقه النقل، لكنه – ككل ملكات الإنسان – نسبي العلم والإدراك، فلابد له من النقل ليعلم به ما لا يستقل بإدراكه من نبأ السماء من علم الله – سبحانه – الشامل والكلي المحيط… فنحن يجب أن نقرأ النقل بالعقل، ونحكم العقل بالنقل. وهذه الوسطية تخرجنا من غلو النصوصية الحرفية، التي تتنكر لعقلانيتنا المؤمنة. ومن غلو العقلانية الغربية اللادينية التي تزعم تأليه العقل، فترفع شعار: «لا سلطان على العقل إلا للعقل»! والوسطية في العلاقة بين «الجموع» الموحدة لأمتنا وبين «التنوع» في إطار هذه «الجوامع» هي المنهاج الذي يحقق وحدتنا في «العقيدة والشريعة والأمة والحضارة ودار الإسلام…» مع التنوع والاختلاف والتعددية في إطار كل جوامع من هذه الجوامع الخمسة… فمذاهب الفقه – على الفروع – تتنوع في إطار جامع، الشريعة الإلهية الواحدة… والشعوب والقبائل والقوميات الإسلامية تتنوع في إطار وحدة الأمة… والعادات والأعراف تتمايز في إطار وحدة الحضارة الإسلامية… والأقطار والأقاليم تتمايز وتتعدد في إطار وحدة دار الإسلام. وهذه الوسطية تخرجنا من غلو المركزية القاتلة للتنوع. ومن غلو الخلاف والتشرذم المنافي لعوامل الوحدة. وإذا كان جماع رسالة الإسلام هو الإحياء، الذي يحرر طاقات الإنسان وملكاته، عندما يضع عن كاهله الأغلال «يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم لما يحييكم».

إذا كان «الإحياء» هو أكثر المصطلحات تعبيراً عن فعل الإسلام في الإنسان الذي يتدين التدين الصحيح والصحي بهذا الدين… فإن نقطة البداية لهذا الإحياء إنما محلها «نفس» هذا الإنسان وقلبه وعقله ووجدانه… فكل مناهج التغيير ومشاريع التقدم التي تقفز على تغيير النفس، وتربية الضمير، وإعادة صياغة الإنسان بالإسلام، هي حرث في البحر، لا يتجاوز أثرها النخبة التي تبشر بها، لانتفاء القبول لها عند الإنسان، الذي هو المقصد الأول والأعظم لهذا التغيير…وصدق الله العظيم {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».

وأخيراً .. فإذا كان «اليأس»لا يمكن أن يقترن مع «الإيمان»، لأنه «لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون». فإن هذه المحنة الحضارية التي تأخذ بخناق أمتنا – على مرارتها – لا يجب ولا يمكن أن تبعث اليأس من التجدد والنهوض والإصلاح. فنحن أبناء حضارة ارتبطت بالإسلام الدين، بل لقد جاءت هذه الحضارة – كإبداع بشري – ثمرة لهذا الدين – الذي هو وضع إلهي -… ومن هنا، فلقد أنيط «النسبي» بـ «المطلق» في هذه الحضارة الإسلامية، على النحو الذي حدث في ارتباط لغتنا العربية – وهي وضع بشري – بالبلاغ القرآني – الذي هو وحي إلهي – فاكتسبت حضارتنا ولغتنا الخلود، بسبب الارتباط بالدين الذي تعهد الخالق – سبحانه – بحفظه من الزوال ومن التحريف. فحضارتنا الإسلامية – كلغتنا العربية – تمرض… وتتراجع… لكنها لا تموت، لأنها ضرورة من ضرورات الدين الخالد والشريعة الخاتمة، اصطبغ فيها «النسبي» بالخالد، على النحو الذي ميزها عن غيرها من الحضارات… فهي تعرف دورات الازدهار والتراجع ثم الازدهار مرة أخرى… وحقب التقدم والتخلف ثم التقدم من جديد…

فالعدل قادم والنهوض آتٍ لا ريب فيه… يؤكد ذلك ويزكيه – أيضاً – إفلاس وتراجع صيغ وأيديولوجيات وفلسفات النهوض والتقدم غير الإسلامية، التي وإن حققت – أحياناً – قوة «الفرعونية» ووفرة «القارونية»، فلقد عجزت عن تحقيق التوازن، الذي هو سر سعادة الإنسان. لكن… فارق بين الإيمان بعودة أمتنا إلى النهوض… بل وإلى إعادة الدنيا… وبين اعتبار ذلك «حتمية» من الحتميات… فلقد غدت الحتميات – حتى عند الذين قالوا بها – حديث خرافة من الخرافات… فنهوض أمتنا سنة من السنن. لكن إعمال هذه السنن رهن بإقامتنا لأسبابها ومقدماتها… فالقوانين – حتى ولو كانت وضعاً إلهياً – لا تعمل وحدها… وإنما لابد لها من إرادة إنسانية، وفعل خلاق يضعها في الممارسة والتطبيق

اترك تعليق

  1. يقول HarryRog:

    пин ап pinco бонусы пин ап

  2. يقول DerekDaX:

    http://biznes-fabrika.kz/# Пин Ап Казахстан
    pin up casino