استشهاد هنية .. على درب القادة الشهداء

بقلم د. وصفي عاشور أبو زيد(*)

استيقظت الأمة العربية والإسلامية والعالم كله فجر يوم الأربعاء 25 محرم الحرام 1446هـ الموافق 31 يوليو 2024م على خبر أذهل الجميع، وهو استشهاد القائد إسماعيل عبد السلام هنية (1962-2024م)، رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق، ورئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس؛ إثر غارة صهيونية بصاروخ خارجي على مقر إقامته في طهران في مقر خاص لقدامى المحاربين، الساعة الثانية فجرًا، في أثناء حضوره حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزيكشان.

أسئلة كثيرة ومعانٍ أكثر تتداعى إلى العقل وهو يستقبل هذا الحدث الجلل، ويتابع أصداءه وتداعياته على مستوى العالم، حول الحركة نفسها، وحول أميركا، وحول الكيان الإسرائيلي، وحول السلطة الفلسطينية، وحول إيران، وحول العالم العربي والإسلامي.

مسيرة جهاد

توجت مسير القائد هنية المشرفة بهذه الشهادة، وبعد مرور 299 يو على مغركة طوفان الأقصى، تلك المسيرة الطويلة التي بدأت بمولده في مخيم الشاطئ بمدينة غزة إبان فترة الإدارة المصرية لقطاع غزة عام 1962، ودرس في الجامعة الإسلامية في غزة، وكانت هُناك بداية انخراطه مع حركة حماس، وتخرج بدرجة البكالوريوس في الأدب العربي عام 1987. عُيّن لرئاسة مكتب الشيخ أحمد ياسين في عام 1997، ومن ثم تقدم في المناصب القيادية داخل الحركة.

تزوج إسماعيل هنية من ابنة عمه آمال هنية عندما كانت تبلغ من العمر ما يقارب ستة عشر عاماً، وأنجب منها 13 من الأبناء، ثمانية ذكور وخمس إناث.

البنات هن سناء، ولدت عام 1986، وبثينة، ولدت عام 1987، وخولة، ولدت عام 1992، ولطيفة، ولدت عام 1998، وسارة، ولدت عام 2004م.

أما أولاده الذكور فهم عبد السلام، ولد عام 1981، وهمام، ولد عام 1983، ووسام، ولد عام 1984، ومعاذ، ولد عام 1985، وعائد، ولد عام 1994، وحازم، ولد عام 1994، وقتل في غارة إسرائيلية، وأمير، ولد عام 1995، وقتل في غارة إسرائيلية، ومحمد، ولد عام 1996م

سجنته السلطات الإسرائيلية عام 1989 لمدة ثلاث سنوات، ثم نفي بعدها إلى مرج الزهور على الحدود اللبنانية الفلسطينية مع ثلة من قادة حماس، حيث قضى عاماً كاملاً في الإبعاد عام 1992.

كان هنية رئيس قائمة حماس التي فازت في الانتخابات التشريعية الفلسطينية 2006، وبالتالي أصبح رئيس وزراء دولة فلسطين. ومع ذلك، قام رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس بإقالة هنية من منصبه في 14 يونيو 2007 نظرًا للصراع القائم آنذاك بين فتح وحماس، لم يعترف هنية بمرسوم عباس واستمر في ممارسة سلطاته كرئيس وزراء في قطاع غزة، وكان رئيس حماس في قطاع غزة من عام 2006 حتى فبراير م2017، عندما خلفه يحيى السنوار، وفي 6 مايو 2017، اُنتخب هنية رئيسًا للمكتب السياسي لحماس، خلفًا لـخالد مشعل.

قاد إسماعيل هنية حركة حماس في أصعب ظروفها وأوقاتها، وهي معركة سيف القدس، ثم الحدث الأبرز عالميا وهو معركة طوفان الأقصى، وكان مع إخوانه نموذجًا لممارسة السياسة المسئولة والأخلاقية التي أبدت مرونة كبيرة مع كل المبادرات وفي الوقت نفسه التمسك الواضح بالثوابت الفلسطينية العامة، والثوابت الخاصة التي أعلنت منذ بداية المعركة، ولم يفرط في حقوق الشعب الفلسطيني، وكان دائم الحركة والنشاط وقليل النوم من مواصلة الليل بالنهار، حتى بدت علامات الشحوب على وجهه.

من مقولاته الخالدة

في كلماته التي كان يلقيها وخطبه التي كان يصدح بها، حُفظت عنه مقولات، من المهم أن نسجلها هنا للتاريخ؛ حتى تظل نبراسًا للعاملين، ووميضا يبرق للمجاهدين، ومنها:

القائد الشهيد إسماعيل هنية

القائد الشهيد إسماعيل هنية

“لن نعترف، لن نعترف، لن نعترف بإسرائيل”.

 “لن تسقط القلاع، ولن تُخترق الحصون، ولن يَخطفوا منا المواقف بإذن الله الواحد القهار”

وفي خطابه في الذكرى الـ21 لانطلاقة حركة حماس، قال: “سقطت يا بوش ولم تسقط قلاعنا، سقطت يا بوش ولم تسقط حركتنا، سقطت يا بوش ولم تسقط مسيرتنا”

“نحن قوم نعشق الموت كما يعشق أعداؤنا الحياة. نعشق الشهادة على ما مات عليه القادة”

“لا وألف لا.. الموت ولا الذلة.. الموت ولا المساومة على حرية هؤلاء الأبطال – يقصد الأسرى المحررين في صفقة وفاء الأحرار”

 “أنا شخصياً بصفتي رئيس للوزراء أتشرف بالانتماء إلى حركة المقاومة الإسلاميـة حماس”

“بصفتي رئيس للوزراء أتشرف بالعيش في مخيم الشاطئ للاجئين”

“إن حركة تقدم قادتها ومؤسسيها شهداء من أجل كرامة شعبنا وأمتنا لن تهزم أبدًا وتزيدها هذه الاستهدافات قوة وصلابة وعزيمة لا تلين، هذا هو تاريخ المقاومة والحركة بعد اغتيال قادتها أنها تكون أشد قوة وإصرارًا”.

إنسانية هنية

كان الشهيد القائد إسماعيل هنية حاضرًا في المناسبات المختلفة، سواء المناسبات التي تخص الشعب الفلسطيني: في الأفراح والأتراح، الشخصية والعامة، أو في المناسبات التي تخص العالمين العربي والإسلامي، وكان له كذلك حضوره وقيامه بالواجب نحو إخوانه من العلماء والدعاة في الوطن العربي والإسلامي، كما كانوا يبادلونه نفس الإنسانيات .. قدمتُ له واجب العزاء في أولاده وأحفاده، وقدم لي واجب العزاء في وفاة أمي رحمها الله تعالى، وكان دائم السؤال والاتصال في الأعياد والمناسبات العامة، وهذه سمة القادة وصفة الكبار.

معاني استشهاد القائد هنية

لم يمت هنية إلا وقد استكمل أجله ورزقه، وتوج مسيرته العظيمة بالشهادة التي تعلن عن الاصطفاء الرباني والرضا الإلهي إن شاء الله، وتؤذن بالتقائه بإخوانه السابقين له على درب الشهادة من القادة العظماء الذين سيجدهم في استقباله في موكب الشهداء: الياسين والرنتيسي وصلاح شحادة وإبراهيم المقادمة والعاروري ويحيى عياش وأحمد الجعبري وجمال منصور ، وجمع كبير من الشهداء.

رحل إسماعيل هنية وفاز بالشهادة، فلم يبدل ولم يغير، بعدما قدم أكثر من ستين شهيدا في معركة طوفان الأقصى وحدها من أبنائه وأحفاده، فها هو يلحق بهم ماضيًا على الدرب، الذي يشق طريقا جديدا باستشهاده في الكفاح الدامي، والتضحيات النبيلة؛ ليكون دمه نورا ونارا: نورا يضيء الطريق للمجاهدين، ويستفتح مرحلة جديدة لها ما بعدها من الجهاد حتى التحرير، ونارًا ستكون حارقة على العدو الصهيوني والكيان الإسرائيلي، ومن حالفه وشايعه.

ومن المعاني أن الكيان الإسرائيلي لا يظن أنه قد انتصر، أو حقق ما يريد، أو أصبح في مأمن؛ لقد اغتال هذا الكيان الغاصب قادة عظماء على مرا لتاريخ، ولم يفت ذلك في عضد المقاومة، وما زادهم ذلك إلا ترلاحما وإصرارا، ومضاء وجهادا، وإيمانا وتسليما.

ويبقى الدور على الشعوب العربية والإسلامية أن تقوم بدورها في إسناد المقاومة، وفي القيام بالواجب الإسلامي نحو الشعب المظلوم في فلسطين، كل في مكانه ومن موقعه.

وفي الختام نردد مع الشهيد القائد إسماعيل هنية الآيات القرآنية التي كان يقرؤها في إمامته بالناس في الصلاة:  [لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِی رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةࣱ لِّمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلۡیَوۡمَ ٱلۡـَٔاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِیرࣰا ﴿ 21 ﴾ وَلَمَّا رَءَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ قَالُوا۟ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۚ وَمَا زَادَهُمۡ إِلَّاۤ إِیمَـٰنࣰا وَتَسۡلِیمࣰا ﴿ 22 ﴾ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ رِجَالࣱ صَدَقُوا۟ مَا عَـٰهَدُوا۟ ٱللَّهَ عَلَیۡهِۖ فَمِنۡهُم مَّن قَضَىٰ نَحۡبَهُۥ وَمِنۡهُم مَّن یَنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُوا۟ تَبۡدِیلࣰا ﴿ 23 ﴾ لِّیَجۡزِیَ ٱللَّهُ ٱلصَّـٰدِقِینَ بِصِدۡقِهِمۡ وَیُعَذِّبَ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ إِن شَاۤءَ أَوۡ یَتُوبَ عَلَیۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا ﴿ 24 ﴾]. سورة الأحزاب.


(*) أستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة الإسلامية، ورئيس مركز الشهود الحضاري للدراسات الشرعية والمستقبلية.

اترك تعليق

  1. يقول webmaster:

    I’ve been following your blog for quite some time now, and I’m continually impressed by the quality of your content. Your ability to blend information with entertainment is truly commendable.