الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد،
فإن الظروف الدقيقة التي تمر بها الأمة المسلمة والعالم، والتحول الذي تعيشه، والأحداث الكبيرة التي تحياها، والظواهر الكبرى التي تظهر، والنوازل التي تنزل، والمستجدات التي تستجد، والتخطيط الهائل الذي يخطط لكيد الإسلام وأهله.. كل هذا يفرض على علماء الأمة أن يكونوا على علم راسخ، ووعي كبير، وإحاطة شاملة بما يجري في الواقع، وما يراد بالأمة ودينها، وأن يكونوا على مستوى الحدث: متابعة، ورؤية، وتحليلاً، وإدراكًا، ووعيًا، واستشرافًا؛ سعيًا للفهم العميق، والتحليل الدقيق، والحلول المناسبة!
ذلك؛ أن العلماء هم قادة الرأي، ورواد الفكر، وموضع القدوة، ورايات الاتباع، وهم الأقدر على تشكيل الرأي، وتكوين الفكر، وتهيئة الأجواء، بما هم حاملو نور النبوة، ووارثو الوحي الشريف، وموضع ثقة الناس ومرجعهم فيما أهمهم من أمر دينهم ودنياهم.
ومن الملحوظ أن الساحة الفكرية والشرعية تشهد فراغًا كبيرا من هذه الناحية لعدة أسباب، منها: حجم الأحداث الهائل والنوازل الضخمة التي تحتاج جيوشا من العلماء الربانيين لبيان الرأي الفقهي وتشكيل الرؤية الشرعية، ومنها: غياب العلماء عن الساحة أو تغييبهم؛ بالقتل والاعتقال والمطاردة، ومنها: أن الموجود على الساحة من هذه النوعية من العلماء قليلون بل نادرون مما يجعل الواقع مفتقرا بشدة للرأي الشرعي في الأحداث، ويجعل الخطاب الشرعي متأخرا عن حاجة الواقع؛ فضلا عن استيعابه وترشيده واستشراف مستقبله!
كما أن هناك مساحاتٍ وقضايا ومفاهيم في الفكر والفقه وقع فيها انحرافٌ؛ غلوًّا أو تقصيرًا، تحتاج لاجتهاد وتجديد، وكذلك الفقه الإسلامي عامةً يحتاج إلى تجديد يناسب عصرنا وواقعنا، ويُطرح في ضوء مقاصده وقيمه الاجتماعية والجماعية والحضارية والتربوية، ويستوعب نوازله ومستجداته، ويرشد حركته واتجاهاته.
وفي سير الأمة في هذا الخضم الكبير تحتاج للعودة إلى القرآن الكريم واستهدائه للواقع والمستقبل من خلال البحث في السنن الربانية التي يُقِيم عليها القرآنُ الكريم الحياةَ والأحياء، وسنن الاجتماع والتداول الحضاري، وكذلك القيام بتأصيل للجوانب الشرعية للمشروع الإسلامي الذي تحتاجه الأمة في هذا العصر وفي أحداثها الجارية ولحظتها الراهنة..
كل هذا تحتاجه الأمة في مسيرتها الحالية كي تدرك ما تحت قدميها، وتدرك المجريات أمامها، وتلبي حاجات اللحظة الفارقة، وذلك من خلال دراسات في التأصيل والتجديد، وفي استشراف المستقبل من خلال رؤية القرآن الكريم والسنة والسيرة النبوية.
من أجل هذا– وغيره – كانت الحاجة ملحة والضرورة ماسة لتأسيس مؤسسة شرعية تضطلع بالإسهام في القيام بهذه المهام ما استطاعت؛ سعيًا لفهم الواقع ومحاولة استيعابه والإسهام في تلبية احتياجاته، واستشراف مستقبله.
ا.د وصفي عاشور أبو زيد
رئيس مركز الشهود الحضاري