الباحثة/ أنيسة بنعيم سحتان
لا شك أن الإصلاح الاجتماعي:
” أصل شرعي من أصول الإسلام ، يقوم على قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويقتضي ذلك أن يكون في المجتمع أناس يقومون على إصلاح أموره في شؤون الدنيا والدين، بحيث تكفل قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التقدم الدائم والمستمر للمجتمع الإنساني، مع تغير الظروف والبيئات، وتجدد المصالح والعادات، فيكون القصد من ذلك تحقيق الإصلاح الديني والخلقي والاجتماعي “[1].
”فالإصلاح الاجتماعي يقوم على إصلاح شؤون الحياة للإفراد والمجتمعات، بما يحقق لهم خير الدنيا والآخرة، فينعم الناس جميعاً بالأمن والأمان، في ظل تحقيق المسلمين لمقاصد الشريعة بإصلاح أحوالهم الدينية والدنيوية.
إن المقصد الأسمى من الإصلاح الاجتماعي في منظور مقاصد الشريعة الإسلامية يهدف إلى مقصد جليل به ينتظم شأن حياة الناس واستقرار شؤونهم والسعي إلى إصلاح أحوالهم جميعا، ما يتعلق بسائر سلوك الانسان وأنشطته في الحياة على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع تجسيدا لقيم العدالة وتمتينا لخلق الخير والفضيلة.
وتظهر أهمية الإصلاح الاجتماعي في توفير السلام، والأمن، والطمأنينة، والعدل والمساواة بين أفراد المجتمع الواحد، ووجود الرحمة والبر والتلاحم والأخوة والتسامح الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد “[2].
وتتجلى أهمية الاصلاح الاجتماعي كذلك في كونه سببا لدفع البلاء والهلاك والضنك عن المجتمعات؛ لقوله تعالى:( وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ اَ۬لْقُر۪يٰ بِظُلْمٖ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَۖ ) [سورة هود آية 117]. ، يقول سيد قطب:” وهذه الإشارة تكشف عن سنة من سنن الله في الأمم.
فالأمة التي يقع فيها الفساد بتعبيد الناس لغير الله، في صورة من صوره، فيجد من ينهض لدفعه هي أمم ناجية، لا يأخذها الله بالعذاب والتدمير، فأما الأمم التي يَظلِم فيها الظالمون، ويفسد فيها المفسدون، فلا ينهض من يدفع الظلم والفساد، أو يكون فيها من يستنكر، ولكنه لا يبلغ أن يؤثر في الواقع الفاسد، فإن سنة الله تَحقُّ عليها، إما بهلاك الاستئصال.
وإما بهلاك الانحلال، والاختلال، فأصحاب الدعوة إلى ربوبية الله وحدَه، وتطهير الأرض من الفساد الذي يصيبها بالدينونة لغيره، هم صمام الأمان للأمم والشعوب، وهذا يبرز قيمة كفاح المكافحين لإقرار ربوبية الله وحدَه، الواقفين للظلم والفساد بكل صوره، إنهم لا يؤدون واجبهم لربهم ولدينهم فحسب، إنما هم يحولون بهذا دون أممهم وغضب الله، واستحقاق النكال والضياع..”[3].
فدعوة الإصلاح الاجتماعي يجب أن تتأصل في نفوس أفراد المجتمع، حتى يحافظوا على وجودهم وأوطانهم، ويحموا أنفسهم وأموالهم وأعراضهم من الهلاك.
وتجدر الإشارة أيضا إلى أن الإصلاح الاجتماعي يكون على مستويين:
على مستوى الفرد، وعلى مستوى المجتمع.
فالإصلاح الاجتماعي على مستوى الأفراد: يقوم على إصلاح الفرد عقله الذي هو الأساس لإصلاح جميع خصاله، وبعدها يأتي إصلاح أعماله؛ أي صلاح اعتقاده وعمله، وهما ركنا الإصلاح.
” فمن المعلوم أنه من صلحت عقائده وأفكاره، صلحت أعماله وأقواله، وإلا جاء مفلساً كما جاء في حديث أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ” قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: “إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ”[4] “[5].
” من هذا المنطلق إصلاح الفرد ينطلق من إصلاح الاعتقاد، وهو من إصلاح العقول والفكر. وإصلاح الأعمال والتصرفات في العالم بأن لا يفسدوا في الأرض. وبينهما ووسط ثاني بينهما وهو شيء من صلاح العمل خص بالنهي؛ لإن إقدامهم عليه كان فاشياً فيهم حتى نسوا ما فيه من قبح وفساد، وهذا هو الكف عن نقص المكيال والميزان، فابتدأ بالأمر بالتوحيد؛ لأنه أصل الصلاح، ثم أعقبه بالنهي عن مظلمة كانت متفشية فيهم وهي خيانة المكيال والميزان وهي مفسدة عظيمة؛ لأنها تجمع خصلتي السرقة والغدر، ونهاهم عن الإفساد في الأرض وعن نقص المكيال والميزان “[6].
وأما الاصلاح الاجتماعي على مستوى المجتمع: فهو الذي يشمل الإصلاح السياسي والاقتصادي والسلوكي.
والإصلاح السياسي من مقاصد القرآن؛ لأن الإسلام دين هداية وسيادة وسياسة وحكم، فما جاء به القرآن من إصلاح البشر في جميع شؤونهم، يتوقف على السيادة وإقامة الحق، والحكم بالعدل، وحماية الدين والدولة [7].
كما أن مقصد الاصلاح الاجتماعي في منظور القرآن الكريم والسنة النبوية الشريعة يدور في فلك تربية الانسان وإصلاح حاله وأحوال من حوله، فإذا صلح الانسان صلح المجتمع، وكانت للحياة معنى، ولا تتحقق إلا بالإصلاح البشري الذي دعا إليه الله عز وجل وحث عليه نبيه عليه أفضل الصلاة والتسليم، فلا كرامة للإنسان ولا عزة له إلا به، فالإصلاح شيء عظيم ولنا في قصص الأمم السابقة عبرة لأولي الألباب. لذلك جرت السنن الالهية في هذا الفلك لتربية الإنسان وتزكيته من خلال إصلاح حاله ولم تتركه من تلقاء نفسه بل بينت له ووضحت له سبل الاصلاح من خلال إنزال الكتب وإرسال الرسل والأنبياء، تكريما لهذا الانسان، فكفى بها نعمة [8].
ومن هنا يمكن القول بأن الإصلاح الاجتماعي سواء على مستوى الفرد أو على مستوى المجتمع ككل يعتبر مقصدا مهما من مقاصد السنن الاجتماعية؛ إذ قيام المجتمع بمختلف مكوناته رهين بصلاح أفراده حكّاما ومحكومين، ولن تتحقق نهضة هذا المجتمع أو ذاك إلا بهذا الأمر.
[1] أصول المجتمع الإسلامي ، محمود جمال الدين محمد، دار الكتاب المصري، ط:1 ،1992م، ص193.
[2] تفسير المنار، رشيد رضا، ( 11/210 ).
[3] في ظلال القرآن، سيد قطب، ( 04/139 ).
[4] صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، حديث: 2581، )4/1997(.
[5] أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، محمد الطاهر بن عاشور، دار النفائس، الأردن،ط:1، 2001 م، ص:79.
[6] محمد الطاهر ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، دار سحنون للنشر والتوزيع، تونس، ( 06 / 136 – 137 ).
[7] تفسير المنار، محمد رشيد رضا، ( 06/176 ).
[8] أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، محمد الطاهر بن عاشور، ص:81 -82 / تفسير المنار، محمد رشيد رضا، ( 06/177 ).