بعدما قام به المتحدث باسم حزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم في الهند من إساءاتٍ لنبي الإسلام -صلى الله عليه وسلم-، وتعريضٍ بأم المؤمنين السيدة عائشة -رضي الله عنها-، رأينا انتفاضة الأمة من أقصاها لأقصاها، وتابعنا ردود الفعل العلمائية والشعبية، وردود فعل بعض الدول العربية المسلمة، والتي جاءت مشرّفة ومواكبة للحدث، وعلى إثر هذا كله ما زالت ردودُ الفعل تتوالى مطالِبةً بالاعتذار الرسمي من الحكومة الهندية عن هذه الإساءة، وفي المقابل هناك تصعيد من الحكومة الهندية ووعيد بمزيد من الاضطهاد ومقاطعة المسلمين في الهند!
عدد من المبادئ
وأمام هذا الحدث الذي يتكرر كثيرًا بشأن رسولنا -صلى الله عليه وسلم- من الشرق والغرب، وبشأن أنبياء آخرين، نود أن نثير عددًا من الأسئلة والمبادئ من شأنها أن تجعل غضبتنا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر منهجية وأقرب للرشد، وأدعى للتأثير، وأدنى لتحقيق المقاصد وتعزيز الثمرات، ومنها:
أولًا: إن انتفاضة الأمة بعلمائها وشعوبها وبعض حكامها دليلُ حيوية هذه الأمة، وآيةُ قوتها، وعلامةُ حرصها على عقيدتها، ودلالةُ قيمةِ نَبيِّها في قلوبها، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- ينتفضُ له الأبرارُ والفجار من أمة محمد، والطائعون والعصاة على السواء.
ثانيًا: إننا قبل القيام بأي فعل من الأفعال الواجبة شرعًا على الأمة نحو نبيها -صلى الله عليه وسلم- ينبغي الرجوعُ لأهل البلدة التي وقعت فيها الإساءة، ومشاورتهم في الأمر، وما يقام به وما لا يقام، وما يحقق المصلحة وما يجلب الضرر، فالضرر مرفوع ومدفوع وممنوع في شريعة الإسلام، ولا يجوز للمسلمين أن يقوموا بأفعال أو تصرفات تكون أضرارها أكثر من منافعها.
ثالثًا: يجب تقدير أن بعض الجهات والأفراد عندهم الرغبة العارمة والشبق الكامل في الظهور الإعلامي، فصحيفة (شارلي إيبدو Charlie Hebdo) الفرنسية كانت على وشك الإفلاس والإغلاق ففكرت في هذه الحيلة، وهي الإساءة لمقام النبي الكريم محمد، كي تشهر وتنمو وتنتشر وتغالب خيار الإغلاق، وكذلك هناك أشخاص مرضى نفسيون مسكونون بحب الشهرة وشبقها، فينبغي تقدير ذلك، والتفكير فيما إذا كان التجاهلُ خيارًا مفيدًا، ومدى القدرة على التوازن بين هذا وبين القيام بالواجب الشرعي نحو النبي -صلى الله عليه وسلم- والدفاع عنه.
رابعًا: يجب وجوبًا شرعيًّا دراسةُ ردودِ الأفعال السابقة في التعامل مع الإساءات للنبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- ما بين مضار ومنافع، وماذا حققت من غايات؟ وفق إحصاء ودراسة ينبني عليها الفعلُ المناسب والاختيار الناجع المحققُ لمقصد ردود الأفعال على هذه التصرفات، والمسلمون بحاجة إلى استخدام المنهج العلمي الإحصائي، حتى تكون اختياراتُهم واعدةً، وتصرفاتُهم راشدةً مؤثرة، محققةً للمقصود منها.
خامسًا: من المهم كذلك أن تتم دراسة الشبهات التي يثيرها المسيئون، والحديث عنها والرد عليها، مثل سن زواج عائشة -رضي الله عنها- عند الزواج، وتكييف هذه المسألة شرعًا وتاريخًا واجتماعًا، والشبهات التي تثار حول شخص رسول الله، وما أكثرها منذ بعثته حتى اليوم، ورغم أن الردود عليها موجودة لكنها تحتاج إلى إبراز وتكرار، ويتم تصديرها إعلاميًا على ألسنة المبرزين من العلماء والدعاة والنوافذ الإعلامية الكبرى.
سادسًا: البحث عن عمل استراتيجي خادم للنبي -صلى الله عليه وسلم- وسيرته الشريفة وشمائله وخصاله الكريمة، يتواكب ويتقدم على ردود الأفعال، فإن أمتنا قبل غيرها تحتاج لدراسة شمائل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخلاقه وسيرته ومسيرته، فضلًا عن الإنسانية التي ترسف تحت نير الضنك والقلق والاضطراب، وهي بحاجة إلى هذا الأفق النبوي الهادي والنور الوضيء.
سابعًا: الخطباء والعلماء والدعاة عليهم دور كبير في تنوير الأمة بسيرة رسولها، والكشف عن أن فيها أسباب النجاة والفلاح والنجاح في ميادين الحياة كلها، فالسيرة النبوية هي التطبيق العملي للإسلام، فمن أراد معرفة الإسلام عقيدة وأخلاقًا وشريعة، فعليه قراءة السيرة المشرفة.
ثامنًا: المناهج التعليمية في مدارسنا وجامعاتنا يجب –ضمن العمل الاستراتيجي البنّاء- أن يكون فيها ما يناسب تربية النشء: ترسيخًا للعقيدة، وتهذيبًا للأخلاق، وتعزيزًا لمحبة النبي في قلوب الأمة، ونصبًا لهذه القدوة الكاملة والأسوة التامة التي تجسدت في شخصية النبي المكرم، وهذا له ما بعده في مستقبل الأمم والمجتمعات من خلال تربية الأجيال على هذه السيرة الشريفة والمسيرة المباركة.
تاسعًا: إن التواصل الشخصي المباشر مع المسيئين: جهاتٍ وأفرادًا، من الأهمية بمكان، فهذا واجب دعوي أولًا بالتعريف بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وإعلاء سيرته الشريفة، فلعل المسيء لا يعرف إلى من يسيء، فالتعريف به واجب العلماء والدعاة، والتواصل الإنساني أمر مطلوب ومحمود حسن، وفيه إقامة الحجة على من يسيء، ولعل هذا يصادف إعلامًا حصيفًا ينشر هذه الخطوة، فتتسع مساحات وساحات التعريف بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.
عاشرًا: من واجب العلماء أن يظلوا مرابطين على ثغور الحفاظ على الجناب النبوي الشريف، فحراكهم وبيانهم الشرعي هو الضمانة الأولى لاستبقاء حيوية الأمة، ورفع راية الحق والعدل، ومن خلفهم وأمامهم وجانبهم الشعوب بحركتها اللاهبة بمحبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والحاملة للحكومات والدول على اتخاذ مواقف مهمة تحت ضغط الشعوب والعلماء.
ختامًا
تلك عشرة كاملة.. أرى أنه من المهم دراستُها والنظر فيها، كي تكون ردودُ أفعالنا ضد الإساءات ردودًا راشدةً ومنضبطة وفاعلة، محققة لغاياتها، ومؤثرة ومعبرة ومغيّرة، ولا تكون مفاسدها أكبر من مصالحها، وصلِّ اللهم وسلم وزد وبارك على رسولنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.