مناهج التغيير والبناء الحضاري من خلال السيرة النبوية (1)

✍️ بقلم أ.د. أحمد محمد زايد(*)

💦 أولا: لماذا دراسة السيرة النبوية؟

سؤال ذو بال: لماذا تدرس السيرة؟ هل استمتاعا بحوادث وقصص تجلت في تضاعيفها عبقريات وبطولات؟ أم وقوفا على أيام وبقاع وشخصيات؟ أم سيرا مع حوادث التاريخ المتاعقبة قبل الحقبة النبوية وبعدها؟ أم ماذا؟

لماذا يدرس المسلمون السيرة النبوية؟

سؤال أختصر جوابه إجمالا ثم أتي على تفاصيله.

أما الجواب إجمالا: فبلغة معلمي الرياضيات “السيرة هي المثال المحلول للقرآن الكريم”، حيث جاء القرآن الكريم منهاج إصلاح وتغيير عالمي، كان في حاجة إلى تطبيق يكون نموذجا للمؤمنين بالقرآن يعلمهم كيف يعيشون به مدى الدهور، فكانت السيرة هي ذلك النموذج التطبيقي.

➖وأما تفصيلا: فنحن ندرس السيرة لأمور عدة منها:

1⃣ فهم الإسلام من خلال مصادره الصحيحة:

معلوم أن القرآن الكريم والسنة المطهرة هما مصدرا معرفة الإسلام، ولا تكتمل معرفة السنة إلا بمعرفة السيرة التي تشكل جزءا كبيرا من سنته صلى الله عليه وسلم القولية والعملية، قال الله تعالى: ﴿وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم﴾ وبهذا البيان العملي الشامل لكل نواحي الحياة يتحقق فهم الإسلام عقيدة وشريعة، عبادة وأخلاقا، وتتدرب الأمة من خلال “المثال المحلول” التطبيقي على كيفيات تحقيق الإسلام في الحياة وفق هذا النموذج الصافي.

2⃣ التعرف على شخصية النبي القدوة صلى الله عليه وسلم لتحقيق المحبة والاقتداء:

فالسيرة تتناول شخصية النبي صلى الله عليه وسلم بتفصيل لا يتوفر لأي زعيم أو كبير قوم، تتناولها من مولده حتى وفاته، داخل بيته ومع أهله وخارجه، وهذا التفصيل تتعرف من خلاله على مواقع الاقتداء الصحيح وموجبات المحبة الكاملة، وهذا مطلب شرعي ومقصد إيماني قال الله تعالى: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا﴾

إن الجهل أو التقصير في دراسة السيرة وضعف تدريسها والوقوف مع حوادثها يبعد الأمة كثيرا عن معنى الاقتداء والمحبة للنبي صلى الله عليه وسلم.

3⃣ الإعانة على فهم القرآن الكريم:

ففهم القرآن مقصود شرعي كلفته الأمة، وقد اشتمل القرآن الكريم على الكثير من حوادث السيرة النبوية، سواء ما يختص بشخصه الشريف صلى الله عليه وسلم أم ما يتعلق بصحابته الكرام، أم بزوجاته وأهل بيته، وما يتعلق بغزواته وجهاده وغير ذلك، فعندما نقرأ السيرة الشريفة ونقف مع ماصح منها نتأمل ونفكر ونفهم القرآن المتعلق بذلك، والعكس صحيح حيث يزداد فهمنا للسيرة بفهمنا القرآن الكريم، ومعرفة أسباب نزوله المتعلقة بحوادث السيرة.

4⃣ ترسيخ اليقين في قلوب المؤمنين:

وذلك لأن السيرة النبوية بما تجلى فيها من دلائل النبوة وآدابها، وبما برز خلالها من معجزات للنبي صلى الله عليه وسلم وكرامات لأصحابه، وبما نستخلصه من حوادثها من سنن إلهية ونواميس ربانية نزداد يقينا بصحة هذا الدين وبصدق هذه النبوة.

وقد رأينا كيف لانت قلوب الكفار فدخلوا في دين الله أفواجا لما وقفوا على هذه الدلائل الربانية على نبوته صلى الله عليه وسلم، ولما عاينوا أخلاقه الرفيعة وآدابه العالية، فكان ذلك تثبيتا لقلوب المؤمنين ودعوة صادقة تفتح قلوب الكفار وعقولهم للدخول في هذا الدين.

5⃣ معرفة منهج بناء الأمة والسير بالإسلام في العالمين:

وهذا هو الهدف الأكبر من رسالته صلى الله عليه وسلم، وهو هدف كبير وشاق لأنه يقتضي بناء جيل التغيير المتفرد في عقيدته وفهمه وعمله وحركته، كما يقتضي إدارة صراع طويل مع المخالفين والأعداء، ومعرفة كيف تقوم الأمة، كيف تتعامل مع غيرها من المسالمين والمحاربين، كيف تدير حركتها في العالم وسط الأمم، كل ذلك قام به محمد صلی الله عليه وسلم بين الأمم فربى الجيل القرآني الفريد وأقام الأمة الوسط، وحرك أنظار أمته نحو العالمية بدينها الحنيف، ولم يكن ذلك بالأمر الميسور وإنما تطلب كفاحا وتضحيات وفق منهجية إيمانية وعلمية وسياسية وتربوية واجتماعية وعسكرية واقتصادية وإعلامية متكاملة، والأمة في أمس الحاجة اليوم لمعرفة طبيعة الحركية الإسلامية الأولى كيف قامت وحافظت على كينونتها من الذوبان أو السقوط.


(*) أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية بجامعتي الأزهر الشريف وقطر.

اترك تعليق