بقلم الأستاذ أحمد الحاجي(*)
منذ أيام تيقّظت الثورة من رُقادها الطويل، وأخذت تنضح جفنها الوسنان بأنداء الربيع، وتأهّب كلُّ حرٍّ ليحتفل بأمله العائد ونصره المحتوم. فالحياة الهامدة تنتعش في المدن المحرّرة، والعائلات المشرّدة تفيء إلى بيوتاتها المهدّمة (المعفّشة)، والمدن المكفهرّة المدمّرة تعود لتكتسي حللها الخضراء بعد سنين عجاف من النار والدمار والقهر والألم.
والأمل الباسم يروض أجنحته ليحمل للناس رسالة الربيع، وقد رأينا أزهاره تتفتق ناضرة عاطرة في إدلب وحلب وحماة وحمص ودرعا والسويداء والشام ودير الزور… والبلد كلّه راح يسبح في فيض سماويّ من الجمال والغبطة والنشوة والمرح!
خمسون عامًا والبلاد كانت ترزحُ في قيود الذلة والهوان، تسام الخسف والحرمان، والشعب كلّه ما بين مفتقر ومهمّش ومعتقل ومهجّر، لقد تمزّق السوريون قُطعانًا في فدافدِ الأرض، فلا مرعَى يجود، ولا راعٍ يذود، ولا حظيرةٍ تؤوي، حتى لفظتهم الأرض كل الأرض.
إلاّ أبناء الطائفة العلوية (النصيرية) الذين استبدّوا بالحكم ينعمون بكافّة الامتيازات، يهدرون الأموال العامة ويعتدون على الممتلكات الخاصّة ثم قاموا (بشرعنة) النهب والسلب والاختلاس تحت زمرة من القوانين والتشريعات كـ (تأميم المصانع، والأرض لمن يعمل بها…) حتى استحال النعيم شقاءً، والملاء خلاءً والأمل يأسًا، والعيش بؤسًا، وأصبحت هذه الطائفة المجرمة تتحكّم في مقدّرات الناس ورقابهم ومصائرهم. تلك هي (الحِقبة الأسدية المظلمة) التي لم تعرف البشرية شرًا منها خلال تاريخها الطويل!
لقد ولّت الأسدية إلى غير رجعة غير مأسوف عليها، رحلت إلى مزابل التاريخ تلعنها الأجيال المتعاقبة، والكلّ متخوّف من القادم. من عودة الأسدية مرّة أخرى بأثواب جديدة وأسماء مختلفة. الخوف من الالتفاف على الثورة، كما حدث مع غيرها من ثورات الربيع العربي!
والسؤال الكبير عن أيّ خوف نتحدث وقد سقط الخوف نفسه في نفوس الثائرين؟! الكلّ يتطلّع إلى البديل بحذر ووجل رغم أنّ البديل مهما كان جنسه وأيّا كان شخصه ومهما كانت أيديولوجيته حتمًا سيكون أفضل بكثير مما كان عليه سابقه. كلّ الخيارات أفضل من الأسد، وكلّ البدلاء خير منه، كل نظام غيره سيكون رحمة بالنسبة إليه! فلا بد من التفاؤل العميق بمستقبل زاهر ومشرق طالما أنّه خالٍ من الأسديّة، كيف لا نتفاءل والتاريخ يقرّر بأنّ الظلم لن يدوم طويلًا في بلادنا؟!
لكن هذا الأمل الكبير لن يمنعنا من استشعار قوّة التحدّي الذي تفرضه علينا طبيعة هذه المرحلة الانتقالية الحرجة. نعم تنتابنا المخاوف الكبيرة في قُدرتنا على فهم طبيعتها وأعماقها وأبعادها…
إنّ نقطة الانطلاق نحو الحلّ تكمن في تحديد حجم الأزمات المزمنة والمتعاقبة ومن ثم تحليلها تفكيكها وإرجاعها إلى أسبابها ومكوناتها ووضع خطط متكاملة للتغلب عليها، مع استلهام تجارب التحوّل للحرية والعدالة في العالم، والوقوف على أسباب نجاح بعضها وفشل الآخر، والتحرّك في ضوء هذه الخبرات الحضارية للبناء المنشود.
إنّ دارسة مقاربات التنمية السياسية في تاريخنا القريب وتوظيفها في الحركة الإنمائية والعمرانية يعتبر واجب الوقت. والكلّ مسؤول! فالأزمات بالذات خير ما يعرّفك بالذات إمّا أن تكون جزءًا من الحلّ وإلا فأنت جزء من المشكلة.
إن الانتقال من مرحلة مظلمة إلى مرحلة مستنيرة هو تمامًا كالخروج من الظلمات إلى النور يحتاج برهة من الزمن، لأنه يمرّ بمنحنيات كثيرة، هي:
المنحنى الأول: هو التحرّر المعرفي:
وهو التخلّص من كافة أشكال الاستعمار المعرفي كاستعمار العقول أو اغتيالها أو تجميدها أو تقييدها أو تسميمها، فضلًا عن التخلّص من الموروث الثقافي السلبي (مخلفات بيئة الاستبداد). ومن ثمّ إعادة تشكيل الشخصية الثورية وحفظها فكريًا ومعرفيُا بما يحفظ للربيع ازدهاره وانتشاره وبما يحفظ للثورة شوكتها المعرفية. ثم الانفتاح الواع على كافة أطياف المجتمع السوري فضلًا عن المجتمعات الأخرى فالحوار الوطني أصل أصيل لا يجوز المساس به، بل يجب اعتباره قيمة تأسيسية حضارية كبرى، وبالتالي تفعيل المشترك الثقافي بين فئات المجتمع كافّة.
المنحنى الثاني: المنحنى النفسي:
فنحن مطالبون أولا: بالتخلّص من مخلفات بيئة الاستبداد ومن لوثة الحقبة الأسدية، ولا بدّ من الاستشفاء نفسيًا وروحيا بالتخلص من القابلية للاستخفاف وكل أشكال القابليات السلبية، كالقابلية للاستعمار أو للاستحمار أو للاستغفال أو للركون أو للتهميش.
ثانيًا: امتلاك النفسية الحرّة الأبيّة الإيجابية العصية على الخنوع والتطويع والتركيع. نفسية كنفسية صاحب هذه الأبيات:
أَنا إِن عِشتُ لَستُ أَعدَمُ قوتاً _وَإِذا مُتُّ لَستُ أَعدَمُ قَبرا
هِمَّتي هِمَّةُ المُلوكِ وَنَفسي _نَفسُ حُرٍّ تَرى المَذَلَّةَ كُفرا
المنحى الثالث: التخلص من فلول نظام الإجرام:
خشية عودتهم بأشكال مختلفة وأسمال جديدة، وذلك بتفعيل سياسة العدالة الانتقالية (سيف القانون) حتى ينتصف لملايين المظلومين من ظالميهم وخاصّة رؤوس الإجرام، ثمّ تفتح أبواب العفو (للمكوعين) -الوصوليين، والرماديين ولمن خفّ جرمه وظهر ندمه وقرّر اندماجه في المنظومة الإعمارية الجديدة. ذلك أنّ عقلية الانتقام لا تبني بلدًا ولا تقيم حضارة!
إنّ السوريين شعبٌ عظيمٌ، قد تدول دولتهم وتزول صولتهم ويُعمِل السفاح الغشوم في رقابهم السيف، وفي آثارهم النار، وفي حواضرهم الدمار حتى إذا ظنّ أنّه ملك، وأنّ الشعب قد هلك، فإذا بهم يقومون له في كل مكان ويزحفون نحوه في كل ميدان وإذا به يلوذ بالفرار!
فهل رأى التاريخ مثيلًا لهذا الشعب الذي حكم العالم وهو محكوم؟ وهل رأى التاريخ ضريبًا لهذا الشعب الذي طبع قسمًا كبيرًا من الدنيا بطابعه الثقافي وهو مظلوم؟ ثم لا يزال هذا الطابع على رغم العوادي جليّ السمات واضح الدلالات مبارك الخطوات.
لقد عاش هذا الشعب سنين طويلة كما يعيشُ النهرُ الناضبُ في ارتقابِ الفيضان، والروضُ الذابلُ في انتظارِ الربيع! منذ سنين يحاول الظالمون أن يربوه تربية الدجاج: ينقنق دائرًا بين الحَب والماء، ويبحث في الأرض ليذهل عن السماء، ويأبى الشعب الجبار العنيد إلا أن يحطّم القفص ليرفّرف حرًا شامخًا كالعقاب يقتحم السماء، ويعتلي القمم ويسمو إلى العلياء!
(*) باحث في السياسة الشرعية، وداعية وكاتب سوري.
ما شاء الله من أعمق وأفصح الكلمات التي قرأتها عن ثورتنا العظيمة بوركت جهودكم أ.أحمد أبدعت
AMAZING POSTT..!! CANT WAIT YOU NEXT POST.! Its goooddddddd
بارك الله فيكم كلام طيب وجميل ، ولكن احببت ان انبه على أمر ،
أرى الان عند البعض(العوام) عنجهية النصر كما اسميها ، فبعضهم يتوعد الحكومة الجديدة من الآن يقول: سنرى عملك ان لم ترضينا سوف نثور عليكِ . وهذا الأمر جد خطير ، فالاسلام أمرنا بالسمع والطاعة الا أن نرى كفرا بواحا ، والأمر الآن يختلف عن سابقته ، فقد كان يحكمنا عصابة كافرة مجرمة ، والان سوف يحكمنا امام مسلم ان شاءالله، فيجب السمع والطاعة بالمعروف ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك وأثَرةٍ عليك))؛ رواه مسلم.
حفظكم الله وبارك فيكم والله أعلى وأعلم .
AMAZING POST BRO.!! WE WAIT YOUR NEW POST AHA AHA EHE EHE…!!!
Escort Kuşadası Kuşadası’nda hem tarih hem de doğayı bir arada bulduk. https://eskisehirbayanlar.com/sinirsiz-kusadasi-esc-dilruba-eskisehirde-dogdu/
Amazing Post, We waiting your next post, we we we we we are still waiting…
jweta8