بقلم البروفيسور الدكتور/عبد الفتاح العويسي المقدسي (*)
المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية المتسارعة خلال الأربعة عشر شهراً الماضية، ولاسيما طوفان الأقصى (7/10/2023)، وتحرير دمشق (8/12/2024) في ذكرى مرور 1430 عاماً على الفتح العمري لبيت المقدس ومسجده الأقصى المبارك[1]، والمحاولات الجادة للإعداد في الخارج لإشراك الأمة المسلمة، من خلال العمل الاستراتيجي الجاد والممنهج والمتواصل، في ثغر الأولوية المنسية: الإعداد المعرفي للتحرير القادم لبيت المقدس ومسجده الأقصى المبارك، كل هذا زاد من يقيني بل عين اليقين أننا سندخل المسجد الأقصى كما دخله أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. “وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّة” (سورة الإسراء: 7).
فتحرير حلب، وما تبعه من تحرير حماة – بعدها بأيام قليلة – في 4 جمادى الثانية 1446 هجرية/5-12-2024، في ذكرى مرور 1430 عاماً على الفتح العمري لسيدنا عمر بن الخطاب لبيت المقدس ومسجده الأقصى المبارك. وما تبعها من تحرير حمص ودرعا وغيرها من المدن السورية، توجت بالحدث الأكبر: تحرير دمشق يوم السبت: 7 جمادى الثانية 1446 هجرية/8-12-2024، في يوم من أيام الله المباركة. ولاشك أن كل هذه الإنجازات المباركة في 11 يوماً ليس مصادفة بل قدر مكتوب، ونتيجة للإعداد واغتنام لفرصة متاحة، وبشارة مباركة بقرب تحرير بيت المقدس ومسجده الأقصى المبارك.
كما أن هذا التحرير لسورية وسقوط نظام آل الأسد، نظام الاستبداد والاستعباد والفساد والتبعية في سورية، يعني – بعبارة مختصرة موجزة – نهاية النفوذ الإيراني في سورية، وبداية النهاية والإنهيار للمشروع الفارسي الاستراتيجي الإيراني الإقليمي التوسعي في المنطقة العربية. فسورية – لأسباب متعددة ومتنوعة، وفي مقدمتها موقعها الجيوبولتيكي المميز – كانت ركيزة أساسية في هذا المشروع الإيراني الإقليمي التوسعي، وفي استراتيجيتها الإقليمية بالمنطقة العربية. وهذا ما عبر عنه العديد من صناع القرار والمقربين من صناع القرار في إيران. فعلى سبيل المثال، مهدي طائب الذي ترأس مقر “عمّار الاستراتيجي” لمكافحة الحرب الناعمة الموجهة ضد إيران – الذي أنشيء في عام 2009، ومؤسسيه من الموالين للمرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي – قال قبل أكثر من عقد من الزمان (14/2/2013): “سورية هي المحافظة الـ 35 (لإيران) وتعد محافظة استراتيجية بالنسبة لنا. فإذا هاجمَنا العدو بغية احتلال سورية أو خوزستان (إقليم الأحواز: بما فيه من مساحة جغرافية وموارد وثروات)، الأولى بنا أن نحتفظ بسورية”. وأضاف: “لو خسرنا سورية لا يمكن أن نحتفظ بطهران، ولكن لو خسرنا إقليم خوزستان (الأحواز) سنستعيده ما دمنا نحتفظ بسورية”. وخلص إلى أنه: “لو احتفظنا بسورية حينها سنتمكن من استعادة خوزستان (الأحواز) ولكن لو خسرنا سورية حينها لن نتمكن من الاحتفاظ بطهران”. هذا الفهم والإدراك، يتطلب من القوى المسلمة الحية في المنطقة العربية – ولاسيما حركات المقاومة الإسلامية الفلسطينية – إلى مراجعة موقفها من إيران.
فلا يوجد عندي أدنى شك، في أن تحرير سورية (أكبر بلاد الشام)، يسبق تحرير بيت المقدس ومسجده الأقصى المبارك. هذا يقين، بل عين اليقين، وفهمي وإدراكي العلمي والمعرفي، في ضوء النظرية الجديدة للجيوبولتكس، “نظرية دوائر البركة لبيت المقدس”، ودراسة حركة التاريخ. وهذا ما فصلته في كتاب: التخطيط الاستراتيجي للتحرير القادم للمسجد الأقصى المبارك، وألخصه في هذا المقال.
أولاً: النظرية الجديدة للجيوبولتكس:
تكشف النظرية الجديدة للجيوبولتكس “نظرية دوائر البركة لبيت المقدس” (التي نشرتها أول مرة باللغة الإنجليزية في 2005) أن هنالك أربع دول مركزية ومحورية في المنطقة سيكون لها دور فعال في التحرير القادم لبيت المقدس ومسجده الأقصى المبارك وللنهضة القادمة: مصر وسورية (وباقي بلاد الشام) والعراق وتركيا بالإضافة إلى قبرص والحجاز.
ولإطالة أمد عمر “الدولة العازل/إسرائيل” في المنطقة، وتأجيل تحرير الأرض المقدسة وانطلاق قطار النهضة القادمة، كان التخطيط لتدمير هذه الدول المحورية الأربع. فنكبت سورية بحكم عائلة الأسد 53 سنة. وخلال حكمها، تعرض الإنسان السوري إلى القتل (بل المذابح الجماعية) والاعتقال والإغتصاب والقمع والكبت والتدجين والإقصاء والاستبعاد والتهميش. فشخصية الأسد الأب والإبن، وارتباطاتهما المحلية والإقليمية والدولية، جعلتهما يختارا اللعب على وتر المقاومة والممانعة. وفي المقابل، تفننا في إذلال أهلنا في سورية. وهذه المعادلة (بشقها الداخلي والخارجي) كانت تسعد “الدولة العازل/إسرائيل”، ولاسيما بعد التفاهمات التي تمت مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتوجت بزيارة أول رئيس أمريكي ريتشار نيكسون ووزير خارجيته الصهيوني هنري كيسنجر لدمشق في حزيران (يونيو) 1974، والتي سمحت لهما ولعائلتهم بالبقاء على رأس السلطة في سورية هذه المدة الطويلة، مقابل التعايش مع “الدولة العازل/إسرائيل” (بطريقة تظهر العكس)، وحمايتها من الجانب السوري. وأضحى هذا النظام يمثل طرفاً من “الحبل العربي” الذي هو جزء من “حبل الناس”، الذي يحمي دولة العدو الصهيوني ويمدها بمقومات الحياة ويطيل من عمره في أرضنا المباركة.
هذه المعادلة توضح سبب طول فترة “الثورة السورية”، والذي يتمثل في عدم رغبة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية في الحل لتخوفها من تضرر دولتها العازل “إسرائيل” من سقوط نظام الأسد (الإبن) في سورية، الذي حمى في حقيقة الأمر هذا المشروع الاستعماري منذ أن وصل إلى السلطة في سورية. وبالتالي لم تسعى عملياً إلى إسقاط نظام الأسد، ولكن عملت في السنوات ال 13 الماضية على إطالة أمده وإعادة إنتاجه. فما تهدف إليه القوى الدولية والإقليمية والمحلية من إدارة وتوجيه ما يحدث في منطقتنا العربية، هو تأمين المصالح الاستعمارية الغربية الاستراتيجية في منطقتنا، وفي مقدمتها حماية “الدولة العازل/إسرائيل” والعمل على إطالة عمرها في أرضنا المباركة والمقدسة. بكلمة ونصف، كل ما يحدث هو من أجل عيون مدللتهم “الدولة العازل/إسرائيل”.
كما أن سورية في السنوات ال 13 الماضية، كانت محتلة عسكرياً من كل من: أمريكا وإيران وروسيا. فالنظام الإيراني اقترف جريمة بحق قضية أرضنا المقدسة والمباركة، عندما وقف وراء نظام السفاح المجرم بشار الأسد في سورية، وأمده بمقومات الحياة. فهذا الدعم الإيراني غير المحدود لنظام آل الأسد هو ما أطال من عمر هذا النظام المجرم، وهذا أدى بالتالي إلى إطالة عمر “الدولة العازل” (دولة العدو الصهيوني) التي أنشأتها الدول الاستعمارية الغربية في قلب منطقتنا العربية بأرضنا المقدسة والمباركة من ناحية، وتحول دون أن تلعب سورية دورها المركزي في التحرير الحقيقي القادم لبيت المقدس ومسجده الأقصى من ناحية أخرى.
في المقابل، هذه “الدولة العازل/إسرائيل” – في الوقت الراهن – اكتملت دورتها ووصلت إلى ذروتها، وستصل إلى نهاية صلاحيتها، ونهايتها/زوالها في بضع سنين، التي سيسبقها ويتزامن معها نهاية/زوال العديد من الأنظمة العربية المرتبطة عضوياً بهذا المشروع، وفي مقدمتها نظام آل الأسد في سورية.
فعلى الرغم من هزائم العرب والمسلمين في القرن العشرين، يمكن للأمة المسلمة أن تعيد مجدها وأن يكون لها قوة فاعلة على الصعيد الدولي بإعادة سيطرتها على بيت المقدس وحكمها له. فالفهم والإدراك الجيد لهذا النظرية الجديدة للجيوبولتكس “نظرية دوائر البركة لبيت المقدس”، سيؤثر بلا شك في طريقة التعامل مع “الدولة العازل/إسرائيل” المزروعة في قلب منطقتنا العربية ومشرقنا الإسلامي، وفي صعود قوة جديدة لمنع التمدد الصهيوني وتوسعه في المنطقة. فهذه النظرية تضع استراتيجية لاستشراف المستقبل وبنائه والإعداد للفتح/التحرير القادم (الثالث) لبيت المقدس، وتقرر بداية أنه ما دام المسجد الأقصى محتلاً ومغتصباً، فالأمة وجميع ديار المسلمين محتلة ومغتصبة بشكل عام والمنطقة العربية كلها محتلة بشكل خاص، ويجب العمل على تحريرها أولاً. كما تؤصل لدور دول المركز مصر وسورية والعراق وتركيا والحجاز الإقليمي في الفتح/التحرير، وتوضح أن تحرير بيت المقدس ومسجده الأقصى المبارك مرهون بزوال أنظمة الاستبداد والاستعباد والفساد والتبعية، ولاسيما المحيطة بالأرض المقدسة (بيت المقدس)، في مصر وسورية. بعبارة أخرى، لابد من تحرير مصر والحجاز والأردن من الاحتلال الأمريكي وأدواته، وتحرير سورية والعراق من الاحتلال الإيراني وأدواته. فلا يمكن أن يتم تحرير بيت المقدس ومسجده الأقصى المبارك، حتى يتم تحرير سورية من القوات الأجنبية وأدواتها التي تحتله وتحرير مصر من الاحتلال الغربي وأدواته.
كما أن النظرية الجديدة للجيوبولتكس “نظرية دوائر البركة لبيت المقدس”، ودراسة حركة التاريخ، تكشف لنا عن حقيقة جيوبوليتيكية جوهرية، وعلاقة استراتيجية عضوية وثيقة بين مصر وبلاد الشام، والتي تشكلت ولازالت بموجبها حركة التاريخ في المنطقة. فمقتضيات الأمن المصري والشامي واحدة دائماً، ومصير أي منهما مرتبط بمصير الآخر، خصوصاً إذا ما علمنا أن الخطر على أحدهما إنما يأتي في الغالب من الآخر. فمعارك مصر الفاصلة كانت تجري دائما في أرض الشام، والعكس بالعكس صحيح. وبالتالي فإن الدفاع عن أحدهما إنما يبدأ في الثاني، لأن كل سيطرة على أحدهما كان يدفع الطرف المسيطر للهيمنة على الآخر. وهذا، يتطلب من القوي المسلمة الحية في المنطقة العربية – ولاسيما القوى الحية في سورية (وبقية بلاد الشام) ومصر – إلى مراجعة مواقفها في ضوء فهم وإدراك هذه الحقيقة المعرفية.
فالدائرة الثانية للنظرية الجديدة للجيوبولتكس “نظرية دوائر البركة لبيت المقدس” توضح المعادلة الرياضية التالية: لتأمين وجوده وقوته واستقراره كقوة محتلة لبيت المقدس، تسعى تلك القوة الغريبة التي تحتل بيت المقدس، إلى إحدى الخيارات الثلاثة المتاحة لها:
1. الاحتلال: إحتلال مصر وبلاد الشام.
2.أو السيطرة: مد نفوذها إلى مصر وبلاد الشام ومحاولة السيطرة عليهما.
3.أو التدمير: تدميرهما.
وهذا يعني بعبارة أخرى، أن كلاً من مصر وبلاد الشام مهمتان لتثبيت الحكم في بيت المقدس واستقراره، وبدونهما تبقى القوة المسيطرة على بيت المقدس ضعيفة وعرضة للانهيار. بل قد تمتد هذه الخيارات من الدائرة الثانية إلى الدائرة الثالثة، كما كان الحال زمن الاحتلال البيزنطي والاحتلال الصليبي والاحتلال الصهيوني الحالي لبيت المقدس.
وبناءً على ذلك، وفي ضوء الدائرة الثانية للنظرية الجديدة للجيوبولتكس “نظرية دوائر البركة لبيت المقدس”، يمكن للمرء أن يؤكد أن تحرير بيت المقدس من الاحتلال الصهيوني الحالي لن يحدث إلاّ بعد أن يعي أهل المنطقة ويفقهوا هذه الحقيقة المعرفية، ويعملوا على تحرير مصر وسورية ويحققوا وحدة شطري الدائرة (سياسياً وعسكرياً).
بعبارة أوضح، فإن الخطوة الاستراتيجية الأساسية والمهمة جداً أو نقطة البداية للقضاء على أية قوة غريبة عن المنطقة وتحتل بيت المقدس تتمثل في:
- فهم وإدراك هذه الحقيقة المعرفية.
- العمل على تحرير مصر وبلاد الشام من الاحتلال أو الاستعباد والاستبداد والفساد والتبعية للقوى الأجنبية الاستعمارية.
- تتبعها وحدة حقيقية بين أقطار الدائرة الثانية: مصر وبلاد الشام، بالإضافة إلى إقامة تعاون استراتيجي مع قبرص.
بالتالي، إذا أردنا فعلاً تحرير بيت المقدس ومسجده الأقصى، وكنا جادين في هذا الأمر، علينا أن نعمل بكل ما في وسعنا، وفي جميع المسارات على إنجاح الثورة في سورية والثورة في مصر بشكل خاص.
ثانيا: فهم وإدراك حركة التاريخ:
- فتح دمشق قبل فتح بيت المقدس على يد أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ضمن الخطة الاستراتيجية النبوية لفتح بيت المقدس – التي قطف ثمرتها وفتحها الله على يدي – أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فتحت دمشق قبل فتح بيت المقدس بعامين، بل في أقل من عامين (بعامين إلا أقل من شهرين). فكان فتح دمشق في 15 رجب 14 هجرية/5-9-635 ميلادية، تبعه فتح بيت المقدس في 4 جمادى الثانية 16 هجرية/4-7-637، وبينهما (بين فتح دمشق وفتح بيت المقدس) كانت المعركة الفاصلة: معركة اليرموك في 5 رجب 15هجرية/12-8-636 ميلادية
- فتح دمشق قبل فتح بيت المقدس على يد الناصر صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنه
سعى صلاح الدين الأيوبي خلال خمس سنوات (1169 – 1174) للقضاء ولدللقعلى الدولة الفاطمية – التي تحالفت مع الصليبيين وتعاونت معهم – ونجح في إفشال الانقلابات عليه والقضاء على الانقلابيين خاصة بعد سقوط الدولة الفاطمية، وقام بترتيب الأوضاع في مصر وثبت حكمه تحت حكم نور الدين زنكي، حتى استقر له الأمر في مصر. وبعد هذا الإنجاز الاستراتيجي، توجه إلى بلاد الشام في 1174م، وركز جهوده خلال 13 عاماً التالية في بلاد الشام، منذ خروجه من مصر (1174م) إلى فتح بيت المقدس 1187م.
هذا يقودنا إلى نقطة غاية في الأهمية، يجب أن يلفت الإنتباه إليها، وهي أن صلاح الدين بعد وفاة نور الدين زنكي في 15/5/1174، وعلى الرغم من اشتباكه مع الصليبين في بعض المعارك التي اقتضتها الظروف ولكنها لم تكن كبيرة، لم يركز قواه في محاربة الفرنجة المحتلين، بل ركز قوته في قتال أمراء المسلمين، ولاسيما من تحالفوا أو تعاونوا مع الفرنجة المحتلين، والحشاشين لمدة 11 سنة ونصف (1174 – 1186)، وبشكل أدق من 29/10/1174 إلى الأسبوع الأول من آذار (مارس) 1186. بينما استغرقت حروبه مع الفرنجة – بعد أن حقق الوحدة بين مكونات الجغرافية الإسلامية – خمس سنوات ونصف، والتي بدأت في نيسان (إبريل) 1187 إلى أيلول (سبتمبر) 1192، أي من قبل التحرير الفعلي لبيت المقس إلى نهاية الحرب الصليبية الثالثة.
وهكذا، عندما استقر له الأمر في بلاد الشام وأعاد تثبيت الوحدة التي قام بها نور الدين زنكي بين مصر وبلاد الشام، كان الانتصار الكبير على الفرنجة في معركة حطين في 4/7/1187، والتي تبعها تحرير المسجد الأقصى المبارك في 2/10/1187.
هذا يوضح أن صلاح الدين ركز جهوده بشكل أساسي على تنظيف وتصفية الجبهة الداخلية وتثبيتها مدة 16 عاماً ونصف: 5 سنوات في مصر (1169 – 1174) و11 عاماً ونصف في بلاد الشام (1174 – 1186)، قبل أن ينتقل إلى قتال الفرنجة الذين لم تستغرق حروبه معهم إلا 5 أعوام ونصف (1187 – 1192).
بمعنى آخر، فإن معاركه ضد الصليبيين شغلت ربع الوقت الذي استغرقته جهوده العسكرية ضد الانقلابيين في مصر والأمراء الزنكيين وغيرهم من المارقين كالحشاشين في بلاد الشام. وهذا يعني أن الوقت الذي قضاه صلاح الدين الأيوبي في قتاله لحراس ووكلاء المشروع الاستعماري الصليبي الغربي في مصر وبلاد الشام والعراق (ثلاثة أرباع) أكثر من الوقت الذي قضاه في قتال الفرنجة (ربع). وهذا يوضح أن صلاح الدين الأيوبي قد أدرك أن استمرار قوات الفرنجه في احتلال الأرض مرتبط ارتباطاً وثيقاً بأدوات الفرنجه من حكام المسلمين، الذين كانوا جزءاً من المشكلة من خلال مهمتهم الوظيفية المتمثلة في حراسة المشروع الاستعماري الصليبي الغربي ومده بمقومات الحياة.
زبدة الزبدة:
من ناحية علمية ومعرفية، ولاسيما من خلال دراسة حركة التاريخ والجيوبوليتكس، تحرير بيت المقدس ومسجده الأقصى، مرهون بسقوط الأنظمة الاستبدادية والاستعبادية الفاسدة والتابعة وزوالها من دول المركز وبالتحديد من الأقطار المحيطة بأرضنا المباركة والمقدسة، وبشكل خاص نظام الانقلاب العسكري في مصر، ونظام آل الأسد في سورية، ونظام حفيد الشريف حسين بن علي في إمارة شرق الأردن، وباسترداد الشعب العربي لحريته التي سلبت منه منذ عقود طويلة في تلك الأقطار.
هذا يعني أن تحرير بيت المقدس ومسجده الأقصى المبارك لن يتم حتى يسترد أهلنا في الأقطار المحيطة بأرضنا المباركة والمقدسة حريتهم التي سلبتها منهم الأنظمة الاستبدادية والاستعبادية الفاسدة والتابعة التي تحكم في هذه الأقطار منذ عقود طويلة. بكلمة ونصف، لابد من زوال تلك الأنظمة. فالعمل على تحرير الأقطار المجاورة من أنظمة الاستبداد والاستعباد والفساد والتبعية للأجنبي (الدائرة الثانية والثالثة)، كخطوات لابد منها للتحرير القادم لبيت المقدس ومسجده الأقصى المبارك، مع التركيز بشكل خاص على: تحرير سورية من الاحتلال الإيراني والروسي والأمريكي وأدواتهم، وإسقاط المجرم السفاح بشار الأسد ونظامه.
وموعدنا إن شاء الله تعالى في صلاة الفتح والتحرير في المسجد الأقصى المحرر إن شاء الله تعالى: “لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ. وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (الروم: 4-7).
(*) أستاذ العلاقات الدولية بعدد من الجامعات العالمية، ومؤسس المشروع الحضاري المعرفي العالمي لبيت المقدس.
المرجع:
مقتبس عن: عبد الفتاح العويسي (2022)، التخطيط الاستراتيجي للتحرير القادم للمسجد الأقصى المبارك (اسطنبول: دار الأصول العلمية).
[1] 4 جمادى الثانية 1446 هجرية الموافق 5/12/2024، هو ذكرى مرور 1430 عاماً على الفتح الإسلامي الأول لبيت المقدس ومسجده الأقصى المبارك على يد أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه في 4 جمادى الثانية 16 هجرية الموافق 4/7/637 ميلادية.
ممتاز