دور الهجرة النبوية في التغيير الاستراتيجي

 بقلم/ أ.د. فؤاد البنا(*)

أولا: الهجرة حدثٌ مفصلي في تأريخ الإسلام:

١- جعل الفاروق الهجرة بداية للتأريخ الإسلامي؛ لأن تأريخ الأمة إنما بدأ بالهجرة وليس بالبعثة، فكم بعث من أنبياء وماتوا دون أن يصنعوا أمما!

٢- ظل صدى الهجرة النبوية يتردد في جنبات التأريخ، حتى إن (محمد علي قطب شاه) وهو أحد ملوك المغول المسلمين في الهند، قد أسس مدينة حيدر أباد بمناسبة مرور ألف سنة على الهجرة النبوية، وهي اليوم سادس كبرى المدن الهندية بعدد يقارب ١١ مليون ونصف المليون نسمة، ويبلغ عدد سكانها الحضريين قرابة ١٩ مليون نسمة!

٣- الهجرة أهم من المولد المحمدي بآلاف المرات، فالبعثة والهجرة ميلاد للفكرة.

أ. سورة الضحى: {ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى}

ب. سورة الشرح: {ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك…}

ج. تأكيدات النبي صلى الله عليه وسلم على أنه بشر في عشرات الآيات والأحاديث.

٤- احتفاء السلاليين الحوثيين وأشباههم بالجثمان على حساب الفكرة (المولد)، وهو المولد الجثماني والبشري لا النبوي، أما المولد النبوي الذي تحقق فيه انبثاق الروح وانبعاث الرسالة فقد حدث يوم البعثة ثم يوم الهجرة.

ثانيا: الهجرة تغيّر استراتيجي كامل وتحوّلٌ من انفعالات الغضب على التخلف إلى الفاعلية في طريق استئناف العروج الحضاري:

١- الهجرة انتقال من اعتناق الأفكار إلى معانقة الأفعال (المدينة أول مَعمل بشري لتطبيق هذا الدين وممارسة العبادة في محراب الحياة).

٢- الهجرة انتقال من العقيدة إلى الشريعة أو من انضباط التصورات إلى ضبط التصرفات وفق موازين الشريعة الإلهية الحاكمة.

وأسهمت الهجرة في نقل العبادة من محراب الصلاة إلى محراب الحياة.

٣- الهجرة انتقال من الدعوة الفردية إلى الدعوة الجماعية، مع ما يجلب ذلك من بركة الجماعة ويستدعي تطور الخطاب الدعوي.

٤- الهجرة انتقال من الدعوة إلى الدولة: (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة …).

٥- الهجرة مغادرة لمربع التمحور حول الدائرة القَبَلية إلى الدوران حول فلك الأمة الواحدة.

٦- الهجرة انتقال من القرية البدوية إلى المدينة الحضارية؛ حيث تحولت يثرب إلى المدينة المنورة؛ بفضل قيم التحضر التي تنزل بها القرآن الكريم وجسدها النبي العظيم وصحابته الكرام.

أ. حزن النبي عليه الصلاة والسلام حينما أصيب بجروح في موقعة أحد ودعا على رؤوس الكفر، فنزل قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}.

ب. انفعال النبي صلى الله عليه وسلم حينما قتل عمه حمزة ومُثّل بجثمانه، حتى يروى أنه قال: “لئن ظفرت لأمثلنّ بسبعين منهم”، فنزل قوله تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ﴾.

ج. ظل الحث على العدل في التعامل مع الأعداء قائما، مثل قوله تعالى: {ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا..}

ثالثا: من دروس الهجرة النبوية في قضية التغيير:

١- تحويل التحدي إلى فرصة والمحنة إلى منحة.

بدلا من قتل القائد التحم القائد بالجسد الذي أعده من قبل.

٢- تكامل التغييرين الأفقي والرأسي (التحتي والفوقي أو الاجتماعي والحكومي).

٣- التعامل مع الأفراد كخلايا في جسد واحد أو كلبنات في جدار المجتمع الواحد، مع وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

-الأذان مثلا.

-عدم تولية أبي ذر رغم أقدميته الإيمانية وتوليته لخالد بعد بضعة أسابيع من إسلامه.

٤- التوسل بالقوة لحماية الحق، وأمامنا دروس معاصرة يتم فيها العبث بالحق لانعدام القوة التي تحميه أو عدم كفايتها!

٥- لم تكن الهجرة هجرا لمكة وإنما مغادرة لعوامل الضعف فيها وسعيا لامتلاك مقاليد القوة، وكانت تركاً للأبواب التي أغلقها في وجهه أبو جهل وأبو لهب والوليد بن المغيرة، ليدخل من الأبواب التي فتحها أمامه سعد بن عبادة وسعد بن معاذ وأسعد بن زرارة في المدينة المنورة!

٦- ضرورة التعانق بين الأسباب والأسرار المتعلقة بعالم الشهادة وعالم الغيب والتي يتجسد فيها التسبب والتوكل كوجهين لعملة واحدة(مثال الاختفاء في غار ثور، وحماية الله الخارقة للأسباب)!

٧- مركزية القيادة العبقرية في قضية التغيير:

   أ- التخطيط النبوي

   ب- الإعداد المبكر

   ت- السرية التامة حتى عن أبي بكر الصديق.

   ث- توظيف الكفايات.

ج- اتخاذ القرارات بناء على معلومات صحيحة.

٨- دور المسجد في إحداث التغيير المنشود.

المسجد جامع وجامعة يتضافران في صناعة الوعي الجمعي.

– ثلاثة مساجد في أول أسبوع من وصوله إلى منطقة المدينة المنورة: مسجد قباء، مسجد الجمعة، المسجد النبوي.

٩- أزمتنا القيادية وحاجتنا إلى قيادة محمدية جديدة (أزمة القيادة في الحركات الإسلامية والربيع العربي).

-خوف الغرب من محمد جديد.


(*) أكاديمي ومفكر إسلامي يمني، والمقال ملخص ورقة ألقيتها في ندوة أقامتها جمعية معاذ بالقاعة الكبرى لجامعة الجند في مدينة تعز.

اترك تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.