إنسانية الإنسان أولا .. ثلاثة مشاهد مؤثرة في مونديال قطر

بقلم الأستاذ عماد سعد إبراهيم(*)

لست ممن تستهويهم متابعة مباريات كرة القدم، لكن أمام مونديال كأس العالم في قطر لا يسعني تفويت المتابعة لبعض المباريات؛ خاصة للمنتخبات العربية المشاركة،  ولمونديال هذه العام طبيعة خاصة، وكأنه سباق رياضي مغلف برسائل سياسية واجتماعية تحمل في طياتها صراعًا بين هويات وثقافات عدة، وهنا استوقفتني ثلاثة مشاهد منفصلة ومتصلة في ذات السياق، وددت أن أشاركها معكم بصوت عالٍ:

المشهدالأول:

بكاء مدرب منتخب البرازيل “تيتي” علي الهواء مباشرة أثناء مؤتمر صحفي عقب انتهاء أحد مبارايات منتخب البرازيل، وذلك لتأثره بسلوك أحد المشجعين (الذي اتضح لاحقاً أنه مسلم، عربي، أردني الجنسية) والذي قام بحمل حفيده الصغير النائم  مساعدةً لأم الطفل  أثناء مغادرتها الاستاد عقب انتهاء المباراة؛ فترك هذا السلوك أثراً طيبا في قلب المدرب، ولم يمر مرور الكرام، معبراً عن اندهاشه وتقديره لمثل هذه “المروءة” المستغربة والمفتقدة في وطنه وكثير من المجتمعات الغربية!

آآآهٍ لو عشتَ في بلادنا  يا (تيتي) عندما كان يحكمنا الإسلام برحمته وعدله، لذرفت الدموع أنهارًا!

المشهد الثاني:

تعليق أحد المذيعين الألمان على لقطة اللاعب المغربي يوسف النصيري وهو يعانق والده  في نهاية مقابلة المغرب مع إسبانيا، والتي انتهت بتأهل المغرب إلى دور الربع، وكذلك اللقطات الأخرى لأشرف حكيمي وسفيان بوفال وحكيم زياش… مع أمهاتهم وعائلاتهم، بالقول: “هذه المشاهد الحميمية مع العائلة لم نعد نراها في مجتمعاتنا الغربية التي تسودها الأنانية والمثـ.لية الجنـ.سية، واندثار مفهوم الأسرة، ودفئها وعقوق الوالدين ورميهما في الملاجئ…… العائلة وتحفيزها المعنوي وراء انتصارات الفريق المغربي. أما نحن فجئنا لنساند المثـ.ليين ونضع أكفنا على أفواهنا بشكل مخجل، فخرجنا خاليي الوفاض ومن الباب الضيق، هم تعلموا الكرة منا وأصبحوا يتقنونها وتجاوزونا، ونحن يجب أن نتعلم الأخلاق منهم عل وعسى أن نرى يوما أمهاتنا تعانقننا يوما ما في المدرجات…! يا له من مشهد رائع! يا ليتنا نراه يومًا في بلادنا عندما يعانق لاعبونا أمهاتِهم محتفلين بالفوز في الملاعب… لقد افتقدنا  هذا الشعور كثيرا: “دفء الأسرة!”.

آآآآهٍ لو علمتَ كيف أوصانا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم بأمهاتنا وآبائنا!! لتحسرت أكثر وأكثر.

المشهد الثالث:

تعليق إحدى المشجعات  الأجنبيات التي جاءت لحضور المونديال قائلة: “عجبًا يا إلهي: حقاً لم أتعرض للتحرش إطلاقاً في هذا البلد ( قطر).. كيف هذا؟!! لقد اعتدت على التحرش في بلدي وغيرها في مثل هذه التجمعات الكبيرة.

***

تلك المشاهد الثلاثة ربما تبدوا بسيطة وعفوية، وقد تمر مرور الكرام على الكثير منا .. هذا وأمتنا ومجتمعاتنا ليسوا في أحسن حال، فأمتنا تعاني من الضعف والوهن، لكنها لم ولن تموت، وستتعافي من كبوتها، وهذه بشارة نبينا – صلي االله عليه وسلم – ويقيننا بالله، لكن ردود الأفعال التي تابعناها هنا وهناك على تلك المشاهد البسيطة تخبرنا بأن ثمة حالة “عطش” يسكن جسد أمة الغرب والشرق على السواء، عطش لعدل ورحمة الإسلام وحضارة الإسلام بعد أن بلغ الظلمُ والجَور والانحراف الأخلاقي عن  الفطرة البشرية أبعد حد .

وبالرغم من تقديم الدولة المضيفة – دولة قطر – نموذجاً رائعاً متميزاً لنسخة المونديال الحالية 2022م بشهادة الغرب قبل الشرق ( لوجيستيا وتنظيميا … إلخ)، وهذا أمر جيد فالإتقان سمة من سمات المسلم خاصة لو كان في كل مناحي الحياة؛ فإن الشيء الذي انتزع دموع مدرب منتخب البرازيل، وأثار دهشة الناس و تعجبهم، لم يكن ذلك الإعداد!

ثمة أمر آخر أشد تأثيراً…. شيء تستشعره في كلمات رقراقة بسيطة حروفها عميقة في معانيها ككاتبها – رحمه الله – أنقلها لكم كما هي: (وحين تكون إنسانية الإنسان هي القيمة العليا في مجتمع، وتكون الخصائص الإنسانية فيه هي موضع التكريم والاعتبار، يكون هذا المجتمع متحضراً .. فأما حين تكون “المادة” – في أي صورة – هي القيمة العليا.. سواء في صورة “النظرية”، كما في التفسير الماركسي للتاريخ! أم صورة “الإنتاج المادي”، كما في أمريكا أوروبا وسائر المجتمعات التي تعتبر الإنتاج المادي قيمة عُليا تُهدر في سبيلها القيم والخصائص الإنسانية وحرية الفرد وكرامته، وتهدر فيها  “الأسرة” ومقوماتها، وتهدر فيها أخلاق المجتع وحرماته؛ فإن هذا المجتمع يكون مجتمعاً مختلفاً أو بالمصطلح الإسلاميّ مجتمعاً جاهلياً!!).

ورحم الله صاحب الظلال.


(*) باحث مصري في الشأن السياسي والاجتماعي.

اترك تعليق

  1. يقول Yahya Elghandour:

    أمتنا تمرض لكنها لن تموت وسوف يعود المسلمين إلى دينهم ويشرق نور الاسلام على الدنيا إن شاء الله

  2. يقول أكرم:

    الاسلام هو صمام الامن و الامان للانسانية بجميع اديانها و مللها.
    وكثيرا ما تدخلت دولة الخلافة العثمانية لايقاف الحروب بين طوائف النصارى انفسهم.
    وينبغي على المسلم المتدين ان يفرق بين البراء العقائدى و كراهية اعمال الكفر و بين التعايش السلمي و بر غير المسلمين لتأليف قلوبهم عسى ان يدخلوا في دين الله افواجا. كما ينبغي التفريق بين معاملة الكفار المحاربين المخادعين و بين الكفار السلميين المسالمين.
    والله اعلم