بقلم: أ. محمد الحبيب الدكالي: 4/4
(13/08/2021)
حرب أهلية؟
قد يبدو هذا السيناريو مبالغا فيه، وقد يكون كذلك، لكن الكلام عن مخاطر نشوب حرب أهلية يتردد بالفعل والصراحة على لسان مراقبين وفرقاء إسرائيليين على منصات الفضائية الرسمية (i24) وغيرها وهم يناقشون قضايا الانقسامات العميقة في المجتمع والدولة.
وفي محاولة يائسة للتغطية على هذه المعضلات الداخلية وإيجاد مرجعية جامعة تتعالى على الصراعات الدينية والسياسية والأيديولوجية التي تعصف بالمجتمع الإسرائيلي، لجأت قيادات الدولة الصهيونية للهروب إلى الأمام بتكريس مفهوم موغل في العنصرية (super-racist) وأشد تطرفا لمفهوم “دولة إسرائيل” عبر إصدار تشريع أساس صادق عليه الكنيست في 19/07/2019 بأغلبية 62 صوتا ومعارضة 55 صوتا (وهذا يعكس حدة التناقضات حول قضايا جوهرية حتى كتلك التي تتعلق بمفهوم “الدولة اليهودية”).
ومن بين أهم ما ينص عليه هذا القانون الأساس:
“أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، وفيها قامت دولة إسرائيل” (المقصود بالشعب اليهودي جميع يهود العالم).
“دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وفيها يقوم بممارسة حقه الطبيعي والثقافي والديني والتاريخي لتقرير المصير”.
“ممارسة حق تقرير المصير في دولة إسرائيل حصرية للشعب اليهودي”. (أي أن الفلسطينيين ليس لهم أي حق في تقرير مصيرهم)
…”عاصمة الدولة: القدس الكاملة والموحدة هي عاصمة إسرائيل”
…” اللغة العبرية هي لغة الدولة”. (أي أن اللغة العربية غير معترف بها قانونيا ورسميا وإن كان القانون ينص على أن لها “مكانة خاصة”)
لكن صيغة “دولة يهودية ديموقراطية”، التي هي في جوهرها معادلة مستحيلة بكل المعايير الحقوقية والقانونية والسياسية، التي أكد عليها الرئيس الأسبق رؤوفين ريفلين مرتين في خطابه في 07/07/2021 أمام الكنيست بمناسبة تنصيب خلفه إسحاق هيرزوغ (رئيس أسبق لحزب العمل وللوكالة اليهودية وحفيد أول حاخام لكل “إسرائيل”) فقد قال هو نفسه عن هذه الصيغة، مرتين أيضا في نفس الخطاب، أنها “ليست مفهوما ضمنيا كلاهما معا بل هي (أي إسرائيل) معجزة يجب حمايتها بكل الطرق”. من الواضح تماما عند أي تحليل لهذا الكلام، أنه يعبر عن وجود الدولة والمجتمع الصهيونيين أمام معضلة ومأزق تاريخيين ولا أحد يعرف، حقيقة، كيف يمكن تجاوزها أو حلّها. وما لا يقوله القادة الصهاينة أن وجود 6.80 مليون فلسطيني في فلسطين، يشكل فعلا، وأيضا، معضلة ومأزقا تاريخيا أمام الدولة والمجتمع الصهيونيين. والغريب، فيما يتعلق بالوجود الفلسطيني في فلسطين، أن نسبة كبيرة من اليهود متدينين وعلمانيين، مقتنعون وبكل غباء، أنه سيتم حل هذه المشكلة عن طريق إحداث “نكبة ثانية” باقتلاعهم من بيوتهم ووطنهم وإجلاءهم إلى الخارج كما حدث سنتي 1948 و1967!!
ووفقا لما يعرف في أدبيات الرصد الاستراتيجي بـ”الإشارات الضعيفة”، من المهم العودة إلى مناسبة تنصيب الرئيس الحادي عشر للدولة اليهودية واستكناه عبارات محددة وردت في خطابي الرئيسين السابق واللاحق:
رؤوفين ريفلين :
..” في بداية خطاب الأسباط، خطاب الشراكة والأمل الإسرائيلي، في الواقع الثقافي والديموغرافي المتغير.. أردت أن أقترح أسس الشراكة في الدولة اليهودية الديموقراطية..” (أشار القرآن الكريم إلى الأسباط في سورة الأعراف الآية 160 في قوله تعالي” وقطّعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما”)
“.. بعد سبع سنوات أستطيع أن أجزم بوجود مجتمع إسرائيلي واحد.. وهذا المجتمع يرغب وملتزم برؤية الشراكة وتحويلها إلى واقع..”
“.. الأسباط موجودون في المجتمع الإسرائيلي وسيبقون، يجب أن نضمن في إطار التوتر المستمر بين الأسباط والسلطة، أن تكون الدولة هي العنصر الذي سينتصر على الانغلاق الفئوي..”
“.. التوتر الداخلي الذي يغلي بيننا، التوتر الذي يجري في الأرض كاملة والشعب هو خلاف سينتهي ويجب ألا نتجاهل هذا الخلاف.. سننجح إذا قاومنا الإغراءات أمامنا، سننجح إذا عرفنا كيف ندير هذا التوتر وإيجاد التوازنات والحلول الوسطى..”
إسحاق هيرزوغ :
“.. مهمتي هي عمل كل شيء لإعادة بناء الأمل”.
“.. إن الانتظار الرئيسي لكل الإسرائيليين مني، منا جميعا، هي خفض النبرة، وخفض ألسنة اللهب وتهدئة الأمور”.
وعلق جيل كوهين من وكالة الأنباء الفرنسية أن هيرزوغ “يتولى مهامه في وقت يشهد فيه المجتمع الإسرائيلي انقسامات عميقة”. واللافت للانتباه في هذه التصريحات أنها تركز على مفهوم الأمل وإعادة بناء الأمل لدى “الأسباط” أي الجماعات اليهودية المنقسمة والمتصارعة على النفوذ والسلطة والمصالح، وإنه لذو دلالة فعلا أن يتحدث قادة الدولة الصهيونية عن “الحلم” و”الأمل” بعد أكثر من 70 عاما على تأسيسها الدولة اليهودية
لا يحتاج الملاحظ المتتبع إلى أي عناء لفهم أبعاد مثل هذه التصريحات من طرف أعلى المستويات في الدولة اليهودية والتي تعكسها يوميا وسائل الإعلام الإسرائيلية عبر السجالات والمناقشات بين الفرقاء والمحللين السياسيين من هذا الطرف أو ذاك.
الشروخ الأعمق
في واقع الأمر، لا يقتصر الأمر على الانقسامات العميقة داخل المجتمع الإسرائيلي كما تم توضيح طبيعتها وخلفياتها آنفا، بل امتدت هذه الانقسامات إلى المجتمعات اليهودية في الخارج، و خلافا للمجتمع الإسرائيلي الذي يجمع بشكل كامل تقريبا بكل تلاوينه على الإيديولوجيا الصهيونية كإيديولوجيا عنصرية استعمارية استيطانية إحلالية، اتخذ الانقسام تدريجيا، داخل المجتمعات اليهودية في أوروبا وأمريكا، طابعا جذريا، أي حول الموقف من الصهيونية ومن الدولة اليهودية ذاتهما، والموقف من حقوق الفلسطينيين. لقد تطورت مواقف الكثيرين في أوساط النخب اليهودية الأوروبية والأمريكية بشكل واضح في اتجاه رافض للصهيونية ولوجود الدولة اليهودية أصلا خلال العقود الثلاثة أو الأربعة الأخيرة. ربما كانت جماعة “ناطوري كارطا” (Natory Carta) الدينية هي الأقدم من بين الجماعات اليهودية في معارضتها ورفضها التام للصهيونية ولقيام “دولة إسرائيل” لاعتبارات دينية وسياسية، إذ تعتبر هذه الجماعة “دولة إسرائيل” دولة قامت على أسس تخالف التعاليم الدينية لليهودية الحقيقية وأنها قامت على أسس من الظلم المحض، كما لا تخفي هذه الجماعات تأييدها ودعمها السياسي والمعنوي للمقاومة الفلسطينية بشكل صريح منذ عهد ياسر عرفات وحتى الآن.
لقد برز عديد من الفلاسفة والأدباء والمؤرخين وخبراء كبار في تخصصات مختلفة في أوروبا وأمريكا ممن يرفضون بشكل صريح الصهيونية كإيديولوجيا وكدولة ويناصرون حق العودة للفلسطينيين.. ويمكن ذكر العديد من هذه الأسماء وأكتفي، على سبيل المثال، ببعض الأسماء البارزة كالمؤرخ ألفرد ليلنثال (Alfred Lilenthal) ونعوم تشومسكي (Naum Chomsky) وألبرت آينشتاين الذي رفض منصب رئيس “دولة إسرائيل” عند تأسيسها سنة 1948.. وسبق لقناة الجزرة أن نشرت مؤخرا خبرا حول ظاهرة التحولات في اتجاهات الشباب اليهود في الولايات المتحدة أظهرت أن حوالي ربع الشبان اليهود الأمريكيين يتبنون مواقف مناهضة للصهيونية وللدولة اليهودية.
قلق القيادة الصهيونية:
ولعل أكثر ما يقلق القيادات الصهيونية في الولايات المتحدة وأوروبا والقادة والخبراء في الكيان الصهيوني، بعد الانقسامات الداخلية، ظاهرة توسع مناهضة دولة الاحتلال وفضح جرائمها وعنصريتها بشكل غير مسبوق، وهذه المناهضة الممتدة عبر العالم، باتت تشمل، فضلا عن المنظمات الحقوقية، أساتذة الجامعات والمفكرين والكتاب الصحفيين والفنانين الموسيقيين والممثلين السينمائيين فضلا عن قادة سياسيين ومشرّعين ودبلوماسيين، مع توسّع أنشطة المقاطعة للمنتجات الإسرائيلية والمؤتمرات الأكاديمية بل وصلت إلى النقابات العمالية والاتحادات الطلابية. هذه الظاهرة تعني، من بين ما تعنيه، فشل استراتيجيات الدّجل الإعلامي الصهيوني الهائلة التي سادت لعقود طويلة، وانتشار الوعي بحقيقة دولة الاحتلال وبحقيقة الأوضاع في فلسطين.
هذه التحولات في اتجاهات الرأي العام في الغرب وفي مناطق عديدة أخرى في العالم تجاه القضية الفلسطينية بوجهيها الحقوقي الإنساني الذي تعكسه المقاومة التاريخية للفلسطينيين من جهة، والوجه العنصري الإجرامي الذي تمثله إسرائيل والصهيونية، هي في حقيقة الأمر تحولات جوهرية وعميقة وليست عارضة أو جزئية. هذا الانكشاف الذي لم يسبق له مثيل لحقيقة إسرائيل والصهيونية أمام العالم، أصاب القيادات في دولة الاحتلال برعب حقيقي حيث أدركوا أن الآلة الإعلامية الصهيونية الجهنمية، لم تعد تقنع بكذبها وحجبها وتزييفها للحقائق سوى الرأي العام الإسرائيلي نفسه، وهذا الوضع النفسي الشاذّ الذي يعيش فيه المجتمع والقيادة الإسرائيليين تجاه قضاياه الوجودية، يمكن رؤيته بوضوح تام عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية. ولعل البرنامج الذي يقدمه إيلي شوراكي Elie Chouraky في التلفزيون الإسرائيلي (i24) وهو من عتاة الإعلاميين الصهاينة العنصريين ويستضيف فيه شخصيات بارزة يهودية وغير يهودية، يمثل نموذجا واضحا لحالة الرعب واليأس الذي تعيشه القيادات الصهيونية، ومنذ بدأت إعادة بث هذا البرنامج قبل سنة، أصبح ديدن شوراكي التركيز في حواراته مع ضيوفه على موضوعين رئيسيين يتكرران وبهستيرية وحقد ظاهرين وهما: تصاعد موجات “اللاسامية” في كل مكان، و”التطرف والإرهاب الإسلامي”.
العبر؟… من دائرة العاطفة إلى دائرة الوعي
إلى أين ستنتهي المشكلات العميقة التي تمزق المجتمع الإسرائيلي بالتحديد؟ لا أحد يملك الجواب إلا الله العليم، لكن الدولة الصهيونية ستسقط كثمرة متعفنة بكل تأكيد، وهذه النهاية جاءت على لسان عديد من المفكرين والكتاب والسياسيين اليهود أنفسهم ومنهم د. أبراهام بورغ وهو رئيس أسبق للكنيست ورئيس أسبق للدولة.
لكن هذه الحقيقة التي لا يعرف أحد كيف ستقع ولا متى، تدغدغ بشكل غامض مخيّلة الكثيرين ومن الإسلاميين بشكل خاص بمختلف اتجاهاتهم، وتزيدها دغدغة “التفسيرات” والتكهنات الشائعة حول نهاية “دولة إسرائيل” في سنة كذا أو كذا من طرف بعض المشايخ طيبي النوايا. لكن كل هؤلاء وأولئك لا ينتبهون إلى أنهم يوجدون في منصة المتفرجين ولا ينتبهون إلى أنهم يمارسون عملية إشباع ذاتي وهمية تخدّر الوعي بهذه “التفسيرات” والتكهنات التي لا تعكس، في الواقع على الأرض، سوى حالة مخيفة من الوهن تجاه القضية الكبرى، قضية فلسطين، لأنه لا يوجد تفسير لحالة عجز الشعوب عن النصرة الحقيقية الممكنة للشعب الفلسطيني إلا حالة الوهن العام. فمن غير المنطقي ولا المقبول أن تكون إسرائيل محاطة بأربعمائة مليون عربي وهم يقفون متفرجين عاجزين أمام القتل اليومي للفلسطينيين وهدم بيوتهم والتدنيس شبه اليومي للمسجد الأقصى ومصادرة الأراضي وزرع المستوطنات وشنّ خمسة حروب على قطاع غزة وقتل الآلاف من أهلها وحصارها وخنقها بشكل محكم. ويتعلق الأمر هنا بظاهرة الانفعال العاطفي الوقتي لدى المواطن العربي بشكل عام، الذي لا شك فيه، أمام الدراما الدموية اليومية التي تجري في فلسطين، ثم سرعان ما يتبخر الانفعال مع مباراة كرة قدم أو مسلسل تلفزيوني ما.
إن جوهر المشكلة في حالتنا هذه في الوطن العربي كشعوب، فيما يتعلق بقضية فلسطين، يكمن بالضبط في ظاهرة الانفعال العاطفي الفوّار سريع التبخّر. وإذا تركنا جانبا الأنظمة السياسية العربية التي لعبت، دائما ومنذ قرن، أدوارا مخزية في الخذلان والتآمر على الشعب الفلسطيني، تتحمل النخب المثقفة في الوطن العربي باتجاهاتها المختلفة، و الحركات والأحزاب والتيارات الإسلامية بشكل خاص وهي التي بشّرت دائما بانتظار بطل تاريخي كعمر بن الخطاب أو صلاح الدين الأيوبي لقيادة الأمة الإسلامية، تحت راية “الخلافة”، في معركة فاصلة لتحرير فلسطين! هذا التصور هو وهم محض وغيبوبة عن الواقع إذ لم تعد دمشق أو بغداد أو إسطنبول عواصم للخلافة ومن غير المتصور أن يتمكن نظام سياسي ما من حكم العالم العربي، ومن باب أولى أن تكون هناك دولة واحدة من طنجة إلى جاكارتا كما يحلم السذّج الطيبون. إن تحرير فلسطين، القادم لا محالة، له شروط موضوعية معقدة وهي غير متوفرة حتى الآن ولا تبدو لا في الأفق ولا في المستقبل المنظور.
لكن ما يجب التركيز عليه الآن وفي مرحلة مقبلة أمران:
مناصرة الشعب الفلسطيني ومواجهة اختراقات التطبيع التي تلعب في كل الاتجاهات والمجالات. إن بيانات الشجب والاستنكار لا تهز شعرة لدى العدو الصهيوني، والوقفات الاحتجاجية مردودها ضعيف ولا تساهم في تطوير مواقف ومساهمات الرأي العام في مجتمعاتنا، ولهذا يجب إعادة النظر في أساليب وأدوات العمل بشكل جذري. لا يقولنّ أحد أنه يجب إلقاء اللوم على الأنظمة العربية التي تحول بين الشعوب ودعم قضيتنا الكبرى، فهذا وإن كان صحيحا، لكنه لا يوصّف الأسباب الحقيقية للضعف الشديد، شعبيا، في دعم الشعب الفلسطيني الذي لم يتوقف عن المقاومة طيلة قرن كامل. الأسباب الحقيقية تكمن في انحطاط الروح المعنوية والشعور بالإحباط وحتى اليأس في أوساط الكتلة الحرجة أمام إجرام العدو الصهيوني ودعم الدول الكبرى والأنظمة العربية له، وهذه الكتلة هي التي يقع على عاتقها مهام التوعية والاستنهاض. هذه، مع الأسف، حقيقة بسيطة يجب الاعتراف بها، كما أن الأساليب العتيقة التي تنتهجها المنظمات اليسارية والإسلامية في دعم القضية ومواجهة الاختراق بالتطبيع، أصبحت مهترئة وفقدت فاعليتها النسبية منذ سنين طوال.
لا بد من تطوير أدوات وأساليب المناصرة والضغط& lobbying Advocacy وهي طرق فعّالة ومؤثرة ومخرجاتها تتجاوز إلى حد بعيد الأساليب العتيقة، وهذا يقتضي استيعاب ثقافة ومنهجيات وتقنيات المناصرة والضغط. وتتوقف القدرة على الاستجابة للتحديات والمخاطر التي تشكلها برامج الدعاية والحرب النفسية وتزييف الحقائق التي برعت فيها الدعاية الصهيونية، على مستوى وعي وحيوية الكتلة الحرجة (الباحثون الأكاديميون في الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، علماء الدين المتنورون والمثقفون والكتاب الصحفيون والأطر المتخصصة والمجموعات الشبابية والمنظمات الحقوقية وأمثالهم..)، وفي قدرتها على دعم وتطوير قدرات الحراك الوطني المناهض للاختراق الصهيوني التطبيعي.
هؤلاء جميعا هم الذين تقع عليهم مسئولية التصدي لبرامج الاختراق الصهيوني وتطوير حراك المناهضة والتصدي.
ولأن المواجهة مع التطبيع وأهدافه وسياساته وبرامجه، هي مواجهة لا يجوز بأية حال أن تتراجع أو تتوقف، طالما العدو الصهيوني بقي موجودا ويتحرك في الساحة المغربية، فلا بد من تطوير المواجهة والمقاومة برؤية عقلانية وعلمية هادئة، تعتمد الرصد والتخطيط وضخّ المعلومات الصحيحة ورفع مناسيب الوعي لدى المغاربة بشكل دائم لإبطال مفاعيل السياسة والدعاية الصهيونية الموجهة للشعب المغربي.
هذه مهمّة وطنية على أعلى درجات الأهمية، وتتطلب بالضرورة توسيع دوائر مجموعات العمل غير المركزية، لكنها لابد وأن تعمل بأفضل درجات التنسيق الممكنة، والتخطيط لحملات منسقة جماعية حسب الحاجة.
كما أن هناك مجالا آخر كبير الأهمية في الحراك لمواجهة برامج غسل الأدمغة التي يقوم بها العدو الصهيوني الفاشي العنصري، وهي الشراكات والتحالفات مع المنظمات المناهضة للعدو الصهيوني عبر العالم، وفي البلدان العربية، وتوجد تجارب وبرامج ناجحة ونشطة لمقاطعة العدو في الأردن ولبنان ومصر يتعين التنسيق والتعاون معها، كما يجب التعاون مع المنظمات المتخصصة والاستفادة من تجاربها الغنية كمنظمة BDS التي حققت نجاحات كبيرة في الولايات المتحدة وفي أوروبا في فضح ومحاصرة صورة الكيان الصهيوني على نطاقات مهمة ومؤثرة جدا خاصة على مستوى الجامعات والمثقفين وعلى المستويات الشعبية أيضا.. كما توجد في أوروبا وآسيا منظمات عديدة نشطة جدا في مجال التصدي للدعاية الصهيونية وفضح جرائم الكيان العنصري.. هذا مجال واسع للعمل ولتطوير الخبرات.
ماذا يجب علي المناضلين العمل به:
يبقى هناك فراغ كبير يجب على النشطين والمناضلين العمل على ملئه لكونه يشكل أحد أهم نقاط الضعف التي تستغلها برامج الدعاية الصهيونية، ويتمثل في النقص الكبير في الاطلاع على التاريخ والحقايق المتعلقة بقضية فلسطين عامة. هناك ضرورة قصوى لإعادة بناء الذاكرة والصورة الذهنية للقضية في الأذهان والعقول.
وإلى جانب التصدي لبرامج غسل الأدمغة والحرب النفسية والتزييف المنهجي، حسب الأحداث والمجالات والسياقات، مطلوب إنتاج سلسلة من برامج تطوير وتعزيز الوعي وإعادة تشكيل صورة قضية فلسطين في عقول المغاربة بشكل صحيح، والانتقال بها من دوائر الانفعال والعاطفة، التي تخبو بمجرد انتهاء الذبح أو الحرب والعدوان، إلى دوائر الوعي واليقظة والإدراك السليم لجوهرها وأبعادها. يجب إعطاء هذه البرامج اهتماما كبيرا ومستمرا، عبر المحاضرات وإنتاج المواد السمعية البصرية وإعادة ضخّها عبر كل وسائل تكنولوجيا التواصل الإخباري والاجتماعي