بقلم أ.د صالح حسين الرقب(*)
موقف الشرع الإسلامي من اتفاقية سيداو”CEDAW”ومن الدعاة والمروجين لها:
لكي يكون بيان موقف الشرع الإسلامي صائبًا فلابدَّ من الحديث عن أمرين:
أولاً: بيان المعائب والويلات التي تتضمنها اتفاقية “سيداو”.
ثانيًا: يأتي بيان حكم الشرع الإسلامي في “اتفاقية سيداو”، والدعاة والمروِّجين لها في العالم الإسلامي.
إنَّ اتفاقية “سيداو “CEDAW تُسمَّى “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة”، وقد صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1979م، وتحتوي على (30) مادة، وهذه الاتفاقية بشكلٍ إجمالي تنضحُ بالأفكار الغربية التغريبية، “واتفاقية “سيداو” تريد أن تفرض نظرةً واحدةً للإنسان والكون والحياة، وهي النظرة الغربية التي لا تعترف بالقيم الدينية أو الخصوصيات الحضارية، فما طرحته الاتفاقية من حقوق وواجبات يغلبُ عليها سيادةُ النَّظرةِ الغربيَّةِ، والتي تنظرُ للإنسان باعتبارِه كائنًا مَاديًا يستمِدُّ معيارَه من القوانين الطبيعية المادية”. (اتفاقية “سيداو” في منظور الشريعة الإسلامية. د. تيسير الفتياني.(
أولاً: الويلات والمعائب التي تتضمنها اتفاقية “سيداو”
1- أنْ تُصبِحَ اتفاقيَّةُ “سيداو” هي المرجعية القانونية والتشريعية لحماية حقوق المرأة، حيث أنَّه بموجب هذه الاتفاقية تصبح الدُّول الأطراف الموقعة عليها ملتزمة باتخاذ كافة التدابير لتطبيقها، وضمن دساتيرها. فتصبحُ اتفاقية “سيداو” مرجعيةُ المواثيق والاتفاقيات الدولية فوق مرجعية الإسلام في أحكام الأحوال الشخصية. تنص المادة الثانية من الاتفاقية على: (أنه يجب على الدول الموقعة إبطال كافة الأحكام واللوائح والأعراف التي تميز بين الرجل والمرأة من قوانينها ، حتى تلك التي تقوم على أساس ديني).
وهذه مخالفة واضحة للشريعة الإسلامية، وبمقتضى هذه القوانين تصبح جميع الأحكام الشرعية، المتعلقة بالنساء باطلةً، ولا يَصحُّ الرجوع إليها، أو التعويل عليها. فالاتفاقية المشؤومة تنسخ الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع في قضايا المرأة المسلمة، يقول الله تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) النساء:65.
2- معارضتها الصريحة للدين الإسلامي وتشريعاته، وللأخلاق والقيم، عبر التقليل من أهمية الزواج، والدعوة إلى الإباحية والانحلال.
3- احتوائها على مواد تؤدي إلى تغيير جذري في المجتمع، كإلغاء دور الأم، وتحديد صلاحيات الأب والزوج.
4- دعوتها إلى إبطال القوانين والأعراف والتشريعات الدينية، واستبدالها بالاتفاقات الدولية.
هذا يعني أن تكون اتفاقية “سيداو” ملغية لأحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة بالأحوال الشخصية، وهذه يؤكد على دور قوى الكفر في صد المسلمين عن دينهم كما جاء في قوله تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) البقرة:120. قال تعالى: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا، وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة:217. إنَّ الآية الكريمة تبين مطاوعة الكفار في أمور الدين يؤدي إلى الفساد والخسران في الدنيا والآخرة، وقد حذَّرنا رينا جل وعلا من طاعة الكافرين فهم يريدون ردَّتنا عن دين الله، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ. ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ) النور:25-26.
5- ومن ويلات اتفاقية “سيداو” إلغاؤها لثقافات الشعوب وحضاراتهم، ومعتقداتهم الدينية، ودعوتها إلى آحادية ثقافية في ظل العولمة.
6- ومن مصائب “اتفاقية “سيداو” إباحة الزنا بين الجنسين بالتراضي، وإباحة اللواط والسحاق تحت مسمى (العلاقات غير الطبيعية)، والحقوق الجنسية للمثلين والمثليات. فهذ العلاقات الجنسية المحرمة التي تروج لها الاتفاقية، وما يتعلق بها كالسماح بحرية الجنس -خاصة بين المراهقين والمراهقات-، ونشر وسائل منع الحمل؛ للقضاء على الثمرة المحرمة لهذه العلاقة الآثمة -أو ما يسمى الحمل غير المرغوب فيه محاولة لنشر الفحشاء والرذيلة بين المجتمعات البشرية.
7- إلغاء التحفظات أو الممارسات التي يكون أساسها ديني أو حضاري، بل تستبعد الدين، وتدعو إلى فصله عن شؤون حياة البشر، كما تهمل هذه الوثيقة الدور الذي يمكن للدين أن يقوم به في مجال مقاومة العنف الموجّه ضد النساء، والاغتصاب، والاتجار القسري، بالنساء والدعارة.
إعطاء المرأة حق التصرف في جسدها: بالتحكم في الإنجاب عبر الحق في تحديد النسل والإجهاض والله تعالى يقول: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ (الأنعام:151.
8- تقييد حق الزوج في معاشرة زوجته: إذا لم يكن بتمام رضا الزوجة، حيث تعده الاتفاقيات «اغتصابًا زوجيًّا”، وتنادي بتوقيع عقوبة ينص عليها القانون تتراوح بين السجن والغرامة، والله تعالى يقول: (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) البقرة:223، وجاء في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ). رواه البخاري ومسلم.
9 – مطالبتها بسن تشريعات وإصدار قوانين جديدة مغايرة للأحكام الشريعة الإسلامية، على النحو التالي:-
أ- استبدال القوامة للرجل “الزوج” بالشراكة، والاقتسام التام للأدوار داخل الأسرة بين الرجل والمرأة مثل: الإنفاق، رعاية الأطفال، الشئون المنزلية. باعتبار قوامة الرجل في الأسرة عنفاً ضد المرأة. وهذا من شأنه: زعزعة الاستقرار الأسري لدى المسلمين بعد أن تضطرب الأدوار التي يلعبها كل من الرجل والمرأة في إدارة الأسرة. وهذا يُخالف صريح القرآن الكريم، قال الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) سورة النساء:34. وقال الله تعالى: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) سورة البقرة:228. والقوامة مصطلح خاصٌّ يبيِّن موقع الرَّجل في الأسرة، ويتحدَّد من خلاله واجبات الرَّجل والتزاماته تجاه أسرته، فهو المبادر لإقامة الحياة الزَّوجيَّة، كما أنَّه القائم عليها بتوفير المسكن والنَّفقة والحماية. ولا يُفهم من قوامة الرَّجل تسلُّطه على المرأة أو وجوب إذعانها له كما يروج له أعداء الإسلام، وإنما هي وظيفة أوكلها الله تعالى للرجل بسبب طبيعته التي تسمح له بالقيام بهذا الدور، وهو إذ يقوم به يوفر الجو اللازم للسَّكن والمودَّة والرَّحمة. إن تطبيق المادة التي تلغي قوامة الرجل، يعني إلغاء ما قرره الله تعالى في القرآن الكريم بشأن التفاوت بين خصائص الرجل والمرأة، ويجعل من المرأة شريكا مُلزمًا بتحمل نفقات البيت في الوقت الذي يشقُّ عليها ذلك، نظرا لضعف بنيتها مقارنة بالرجل، وانشغالها بأعمالٍ ووظائفَ لا يمكن أن يُكلَّفُ بها الرجل بحكم اختلاف الطبيعة، كالحمل والولادة والإرضاع، والعناية الحثيثة بالأطفال، وهذا لا شك ظلمٌ للمرأةِ لا إنصافًا لها – كما يروج عبيد الغرب- لأنه تحميل لها فوق طاقتها.
ب- التساوي التام في تشريعات الزواج مثل: إلغاء كل من: التعدد، والعدة، والولاية، والمهر، وإنفاق الرجل على الأسرة، والسماح للمسلمة بالزواج بغير المسلم وغيرها. أي إلغاء الفوارق التي تقرُّها الشريعة الإسلامية بين الرجل والمرأة، من باب تكامل الأدوار، وإقرار ما يسمى بالنوع الاجتماعي، مثل: تشريعات الزواج والولاية، والطلاق، والتعدد، العِدة، المهر، الميراث، وغيرها.
إنّ النص القرآني واضحٌ في التفريق بين الرجل والمرأة؛ ليس من قبيل التمييز الذي يُراد به هضم المرأة حقّها؛ بل لأنّ كل جنسٍ له طبيعته ووظيفته في الحياة؛ ولهذا قال تعالى: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) سورة النساء:32. وقال سبحانه: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ) سورة آل عمران:36. ففي الآيتين وضوحٌ في كون الأنثى مغايرة للذكر، وأنّ للرجال نصيب مِّمَّا اكْتَسَبُوا وللنساء نصيب مِّمَّا اكْتَسَبْنَ، وأنّ بينهما فروقات ومفاضلات؛ ولا يصحُّ شرعا وعقلاً أن نعتبرهما سواءً في المساواة، لاختلاف أحوالهما الخلقية والعاطفية فضلاً عن الصفات الأخرى.
وامَّا والسماح للمسلمة بالزواج بغير المسلم فقد دلت النصوص الصريحة على حرمة زواج المسلمة بغير المسلم، ومن ذلك قول الله جل وعلا: (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه) البقرة:221. وقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) الممتحنة:10. وقوله تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) سورة النساء:141. فلو جاز نكاح المؤمنة من الكافر لثبت له عليها سبيل، وهذا لا يجوز.
وعلى هذا انعقد إجماع الأمة، ومن استحلت زواجها بغير مسلم فقد خرجت عن الملة، وأما ما ينشأ عن هذه العلاقة المحرمة من أولاد فإن مثلهم مثل أولاد الزنا لا يثبت لهم نسب، ولا يتقرر لهم ميراث من الزاني.
ج- رفع سن الزواج إلى الثامنة عشر: أي منع زواج الفتاة تحت سن الثامنة عشرة، ولو كانت ذات هيئة جسمية ونفسية تمكنها من تحمل كافة أعباء الزوجية.
د- التساوي التام في الإرث بين الرجال والنساء.
ه- إلغاء الولاية على الفتاة في الزواج إلغاء الولاية، فكما أن الرجل لا ولي له، إذن – بموجب اتفاقية سيداو- يتم إلغاء أي نوع من الولاية أو الوصاية على المرأة، وذلك من باب التساوي المطلق بينها وبين الرجل، فللبنت الزواج بمن شاءت، ولو كان كافرا بدون إذن الولي.
هذا مخالفٌ لما قرره القرآن من اشتراط الولي في النكاح الوارد في قوله تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة، 232. وقوله تعالى: (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ) النساء:26. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل) رواه الترمذي، وصححه الألباني.
و- ومن طامات اتفاقية “سيداو” إلغاء استئذان الزوجة للزوج في السفر، أو العمل، أو الخروج، أو استخدام وسائل منع الحمل. وسحب سلطة التطليق من الزوج وإعطائها للمرأة كذلك.
ز- إعطاء الزوجة الحق في أن تشتكي زوجها بتهمة: الاغتصاب أو التحرش الجنسي أو غيره، وعلى الجهات المختصة توقيع عقوبة على ذلك الزوج مماثلةً لعقوبة من يغتصب أو يتحرش بأجنبية، حيث تَعُدُّ الأمم المتحدة العلاقة الشرعية بين الرجل والمرأة والمبنية على رغبة الرجل، مع انعدام الرضا الكامل من المرأة، أو في أوقات لا تحلو لها، اغتصاباً زوجياً، وإذا لمسها من دون رضاها يُعَدُّ ذلك تحرشاً جنسياً بها، وتدخل جميعها ضمن نطاق العنف الجنسي من اتفاقية من منظور اتفاقية “سيداو” ومن منظور الأمم المتحدة.
ح- منح الفتاة كل الحريات الجنسية، بالإضافة إلى حرية اختيار جنسها، وحرية اختيار جنس الشريك، أي تختار أن تكون علاقاتها الجنسية طبيعيةً أو شاذةً. وتحكُّمُ المرأة الكامل في جسدها كما تشاء، ومنح الفتاة حرية تغيير جنسها متى شاءت.
ط- توفير وسائل منع الحمل للمراهقات، وتدريبهن على استخدامها، مع إباحة الإجهاض للتخلص من الحمل غير المرغوب فيه، تحت مسمى الحقوق الجنسية والإنجابية.
ي- أن يحمل الأبناء اسم الأم كما يحملون اسم الأب، وهذا مخالف لقول الله تعالى الخبير العليم الحكيم: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ) الأحزاب:5.
وما سبق عرضه من موبقات اتفاقية سيداو” يذكرنا بقوله تعالى: (إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) البقرة: (169. وقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) سورة النحل: (90.
ثانيًا: حكم الشرع الإسلامي في دعاة اتفاقية “سيداو”:
بداية نقول: إنّ الله تعالى هو الذي شرع لنا الدين فقال عزّ وجل: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه) الشورى:13. وقال تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) الجاثية:19.
وأمَّا الكفار والمشركون فهم كما قال اللهُ تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) الشورى:21. يخبِرُ الله تعالى أنَّ المُشْرِكين اتَّخَذوا شُرَكاءَ يُوالونَهم ويَشترِكون هُمْ وإيَّاهم في الكُفْرِ وأعمالِه من شياطينِ الإنسِ، إنَّ “اتفاقية سيداو “تهدفُ إلى هدم وطمس وإلغاء الأحكام الشرعية المتعلقة بالأسرة، وتفرض على الأسرة المسلمة نمط الحياة الغربي، المتحرر من القيم والمبادئ الأخلاقية، وتدعو إلى المساواة المطلقة بين الرجال والنساء. وتهدف إلى إشاعة الفاحشة والمنكر، وإلى نشر الثقافة الجنسية لمسخ البقية الباقية من قيمنا الأخلاقية. وفيها مخالفاتٌ صريحةٌ لنصوص الكتاب والسنة، ومخالفةٌ لِمَا قرَّرَه علماءُ الأُمَّة على مدى القرون الماضية.
إنَّ الدُّعاة لاتفاقية “سيداو” اتبعوا أهل الكُفْرِ الذين شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ مِنَ الشِّركِ والبِدَعِ، وتحريمِ ما أحَلَّ اللهُ، وتحليلِ ما حَرَّم اللهُ، ونحو ذلك مِمَّا اقتضَتْه أهواء الكافرين، مع أنَّ الدِّين لا يكونُ إلَّا ما شرَعَه اللهُ تعالى؛ لِيَدينَ به العبادُ ويتقَرَّبوا به إليه، فالأصلُ الحَجْرُ على كُلِّ أحدٍ أن يَشرَعَ شيئًا ما جاء عن اللهِ وعن رَسولِه، فكيف بهؤلاء الذين يحلون الحرام ويدافعون عن ذلك، ويقومون بدورات تدريبية على المحرمات على أنَّها حق طبيعي للمرأة.
ومن المعلوم ضرورة لكل مسلم أنَّ التحليلُ والتحريمُ: مِن خصائِصِ اللهِ تعالى، فهو حَقٌّ خالِصٌ لله وَحْدَه لا شريكَ له؛ فالحلالُ ما أحَلَّه اللهُ ورَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والحرامُ ما حَرَّمه اللهُ ورَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والدِّينُ ما شَرَعه اللهُ ورَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فمن شرع من دونِ اللهِ، أو ألزم النَّاسَ بغيرِ شَرْعِ اللهِ، فقد نازع اللهَ فيما اختَصَّ به سُبحانَه وتعالى، وتعدَّى على حَقٍّ مِن حقوقِه، ورفَضَ شريعةَ اللهِ؛ فتحليل اتفاقية “سيداو” ما حرَّمهُ الله تعالى هو شِرْكٌ بالله تعالى، وصاحِبُه مُشْرِكٌ ضالٌّ ضلالًا بعيدًا. قال اللهُ تعالى حكايةً عن قولِ يوسفَ عليه السَّلام لصاحبيْه في السِّجن:) إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) يوسف: 40.
وقد انعقد الإجماع على أنه لا شرع إلا ما شرعه الله، ولا حلال إلا ما أحله الله، ولا حرام إلا ما حرمه الله، وأن تشريع الأحكام هو حقّ لله وحده، فمن أعطى غيره هذا الحق أو أعرض عن شرع الله وسَخِطَه ولم يرض به فهو كافر بإجماع المسلمين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “والإنسان متى حلّل الحرام المجمع عليه، أو حرّم الحلال المجمع عليه، أو بدّل الشرع المجمع عليه، كان كافرًا مرتدًا باتفاق الفقهاء، وفي مثل هذا أنزل قوله على أحد القولين: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) المائدة:44. أي هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله-“. [مجموع الفتاوى 3/267268].
وقال أيضًا: “إن الحاكم إذا كان ديِّنًا لكنه حكم بغير علم كان من أهل النار، وإن كان عالمًا لكنه حكم بخلاف الحق الذي يعلمه كان من أهل النار، وإذا حكم بلا عدل ولا علم كان أولى أن يكون من أهل النار، وهذا إذا حكم في قضية معينة لشخص، وأما إذا حكم حكمًا عامًا في دين المسلمين، فجعل الحق باطلاً، والباطل حقًا، والسنة بدعة، والبدعة سنة، والمعروف منكرًا، والمنكر معروفًا، ونهى عما أمر الله به ورسوله، وأمر بما نهى الله عنه ورسوله، فهذا لون آخر، يحكم فيه رب العالمين وإله المرسلين، مالك يوم الدين الذي (له الْحَمْدُ فِي الْأُولَىٰ وَالْآخِرَةِ ۖ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) القصص:70. [مجموع الفتاوى 35/388].
إنَّه لا إيمان لمن يعتقد أن ما تضمنته اتفاقية “سيداو” خير ممَّا شرعه الله ورسوله من أحكام للمرأة المسلمة وغيرها، ومن ترك شرع الله وأحلّ محلها الأحكام والقوانين التي تنصُّ عليها اتفاقية “سيداو” وأخذ يروج لها إعلاميًا وعمليًا من خلال جمعٍ من الأنشطة كما بيَّنا سابقا، ويظن أنه لا يجوز الإيمان والعمل بما يهوى، وأن يُتركَ ما لا يهواه – وهذا واقع الجمعيات النسائية وغيرها في إتلاف “سيداو” والمنظمات الأهلية العاملة لصالحها- فهو بذلك يكفرُ بالله العظيم وبالقرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء وأمثالهم ينالهم الخزي في الدنيا، والعذاب الشديد في الآخرة، كما قال تعالى: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَـابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْىٌ فِي الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَـامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدّ الّعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَـافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) البقرة: 85، وقال تعالى) :قُلْ كُلٌّ مّنْ عِندِ اللَّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا( النساء: 78، وقال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِينًا (المائدة: 3، وقال عز وجل: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـالاً مُّبِينًا (الأحزاب: 36.
وهؤلاء السيداويون رجالاً ونساءً هم ممَّن ينطبقُ عليهم قولُ تعالى :(وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيـامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبّ لِمَ حَشَرْتَنِى أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آيَـاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى وَكَذلِكَ نَجْزِى مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِـآيَـاتِ رَبّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) طه: 124-127. وقولُه تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) النور:63. وقولُه تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينًا) الأحزاب:36.
إنَّ بيان هذا الحكم الشرعي في اتفاقية “سيداو” هو من الواجب الشرعي على العلماء، وهو توضيح لدورهم الحقيقي دفاعًا عن ثوابت الإسلام وشريعته وهو واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
كما ندعو من بيدهم الأمر وأفراد المجتمع بأن يجتهدوا في الوقوف أمام محاولات فرض اتفاقية “سيداو”، سواء كل موادها أو بعضها على مجتمعاتنا، لأنها كما بينَّا بالتفصيل تتعارض مع معتقداتنا شرائعنا، ولابد أنْ تتكاتف وتتضافر جهودُ الجميع لأجل دفع هذا الخطر الداهم كما ندعوهم للاهتمام بالأبناء والبنات وتعميق قيم ومفاهيم التربية الأسرية الإسلامية التي أصبحت أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، كما ندعو إلى وقفة جادة ومستمرة من كل مسلم؛ للتصدي لهذه الهجمة الممنهجة التخريبية، بكل الوسائل المتاحة.
وهنا نذكر أبناء الإسلام إن الغرب لم يجد معرة في تشريع فاحشة اللواط، ولا عجب في ذلك، فالمادية والوثنية والإباحية يلزم منها بالضرورة تشريع المثلية التي هي فاحشة اللواط، إذ لا مانع عندهم يمنع من ذلك، فتشريعها عندهم هو تحصيل حاصل، وهو زيادة في الانحراف، وتعتبر معظم منظمات حقوق الإنسان في الغرب المثلية الجنسية طبيعية جدا وغير مرضية، ولا غرابة في هذا إذ الشيء من معدنه لا يستغرب، ولكن الإشكال فيمن قٓبِلٓ تشريعهم من المسلمين فلا شك أنه على خطر عظيم، لأن قبول التشريع والتحليل والتحريم من غير الله تعالى هو كفر أكبر، وهو غير الممارسة العملية استجابة للهوى وإشباعا للذة، فإنَّ هذا فسوق لا يكفر به صاحبه، لأنَّ جرمَه إنَّما كان في الممارسة، دون قبول أحكام غير الله تعالى. وأمَّا الطاعة في التشريع والتحليل والتحريم فهو معنى اتخاذ غير الله تعالى مشرعًا وحكما. قال تعالى: (أَفَغَيرَ اللَّهِ أَبتَغي حَكَمًا وَهُوَ الَّذي أَنزَلَ إِلَيكُمُ الكِتابَ مُفَصَّلًا وَالَّذينَ آتَيناهُمُ الكِتابَ يَعلَمونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِن رَبِّكَ بِالحَقِّ فَلا تَكونَنَّ مِنَ المُمتَرينَ) الأنعام:114.
(*) أستاذ العقيدة الإسلامية بالجامعة الإسلامية بغزة، ووزير الأوقاف والشئون الدينية سابقا.
Its like you read my mind! You seem to know so much about this, like you wrote the book in it or something. I think that you could do with some pics to drive the message home a bit, but instead of that, this is magnificent blog. A great read. I will certainly be back.