رسالة من د. وصفي أبو زيد إلى إخوانه في غزة بعد نزول وباء كورونا في القطاع
إخواني وأخواتي في الله تعالى، في قطاع غزة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،
أخرج الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن صهيب بن سنان الرومي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له”.
لقد حاصركم العالم على مدى 14 عاما، فما لانت لكم قناة، ولا هانت فيكم القضية، رغم العوز والحاجة والمعاناة، بل ظللتم ثابتين مقاومين شامخين، ولم تعطوا الدنية في ديننا ولا مقدساتنا، وها هو البلاء ينزل بكم بعدما نزل بالعالم كله، وفي هذا من لطف الله ما فيه من تأخير للبلاء كي تأخذوا حصاد الخبرات والتجارب قبلكم، وفي الوقت نفسه يزيد الله لكم في الابتلاء، فمع الحصار ها هو الله تعالى يريد أن يرى صدق إيمانكم به، ورضاكم بما يجريه عليكم من قدره بحكمته.
وفي ظل هذا الوباء الذي يتضاعف أثره بشكل ملحوظ على أهلنا في القطاع، فإنني أتوجه إليكم بعدد من النصائح الشخصية – والدين النصيحة – من واقع التجربة التي مر بها العالم قبلكم، فأقول وبالله التوفيق:
أولا: التسليم القلبي الصادق لله تعالى، وإظهار الرضا بقضائه، وحمده عليه.
ثانيا: الدعاء والتضرع لله تعالى، فإن الله إذا أحب عبدا ابتلاه ليسمع تضرعه.
ثالثا: الإيمان الصادق أن الله تعالى إذا أنزل قضاءه فإنه يكون محفوفا باللطف والرحمة، قال ابن عطاء الله: “من ظن انفكاك لطفه عن قدره فذلك لقصور نظره”.
رابعا: الإحساس بالألم للغياب عن صلوات الجمع والجماعات محمود حسن، لكن نستحضر معه ما أخرجه البخاري بسنده عن أبي موسى الأشعري أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قال: ” إذا مَرِضَ العَبْدُ، أوْ سافَرَ، كُتِبَ له مِثْلُ ما كانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا”.
خامسا: أخذ الاحتياطات اللازمة والتدابير الصحية الواجبة بصرامة وحرص وجد، فإن الأمر جد لا هزل فيه، لك ولأهلك وأولدك وأحبابك وجيرانك ومن حولك.
سادسا: توطين النفس على أشد الاحتمالين وهو أن يطول البلاء، ويطول العزل الصحي في البيوت، وعدم إبراز الضجر والملل، وأملنا في الله أن يرفعه في أقرب الآجال.
سابعا: من وسائل دفع السآمة والملل الاشتغال بالعلم الشرعي وتحصيله، ومنصاتُه اليوم – بفضل الله تعالى – لا تعد ولا تحصى على الوسائل المختلفة، وكلها مجانية، وفيها علم وبرامج قيمة يستطيع المتعلم أن يُحَصِّل منها في مدة قصيرة ما يوازي الليسانس أو البكالوريوس.
ثامنا: استثمروا وقتكم جيدا من البداية في: تعلم علم جديد عليك، تعلم لغة غير العربية مع العربية بالطبع، حفظ القرآن وشيء من السنة لمن لم يحفظ، مراجعة ما حُفظ؛ فإن استثمار هذا الوقت ستشعرون بقيمته وأثره بشكل ملموس في وقت قصير.
تاسعا: عاملوا الوباء أو الأزمة على أنها من الله لكم، هديته وفضله، وأنها فرصة لا أزمة تُستثمر لتطوير الذات، ومراجعة النفس، وتقويم السيرة والمسيرة.
عاشرا: إبراء الذمة من كل حقوق الناس، فالإنسان بين لحظة وأخرى لا يدري هل يغادر الدنيا أم لا، فهذا إنذار وأحرى بالمسلم أن يرد المظالم لأهلها، ويستحل الناس من حقوقهم؛ فإن التحلل منها الآن يسير، ومقابلة الله بها عسير وثقيل، نسأل الله العافية.
حادي عشر: كتابة الوصية الشرعية التي يكتبها المسلم أصلا بطبيعة الحال عند رأسه كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم:”ما حقُّ امرئٍ مُسلِمٍ عندَه شيءٌ يوصي فيه أنْ يبيتَ ليلتَيْنِ إلّا ووصيَّتُه مكتوبةٌ عندَ رأسِه” أخرجه مسلم عن ابن عمر.
ثاني عشر: الترفق بالأزواج والأولاد، فأكثر من تعب ويتعب في هذه الأزمة هم الزوجات: جهدا وتعبا وعطاء ووفاء، فخففوا عنهن، وأعينوهن، واستوصوا بهن خيرا.
ثالث عشر: احتضنوا أولادكم، وأعيدوا اكتشافهم معكم، واكتشافكم معهم، وتقربوا إليهم، ولا تشقوا عليهم، لاعبوهم وداعبوهم ومازحوهم، وبين هذا وذاك تكون المعارف والعلوم والمعلومات بشكل مشوق، والدروس الإيمانية والتربوية، ولا داعي للترهيب والتكليف وكل ما ينفرهم.
رابع عشر: اسألوا عن إخوانكم وأقاربكم وأرحامكم، تفقدوا أحوالهم وحاجاتهم، فهذه الأزمة تُخلِّف البطالة والعطالة وانقطاع بعض الناس عن أعمالهم، وهذا يقتضي التعاون والتكافل كما علمنا الإسلام.
خامس عشر: أدعو الله تعالى أن يرفع عنا وعنكم البلاء والوباء، وأن يجعلنا من الصابرين الراضين، مع قوة الأخذ بالأسباب اللازمة وعدم التهاون فيها، وكل أمر المؤمن له خير، “قُل لَّن یُصِیبَنَاۤ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَىٰنَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ” [التوبة: 51]، لاحظوا أنه قال: “كتب الله لنا”، ولم يقل “علينا”، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخوكم/ وصفي عاشور أبو زيد
ليلة الجمعة 8 محرم الحرام 1442هـ الموافق 27 أغسطس 2020م.