بقلم د. محمد عبد الكريم الشيخ(*)
الحمدُ للهِ؛ ناصرِ المؤمنينَ المقسطين؛والمنتقم من الكافرين والظالمين؛ والصلاة والسلام على نبيِّنا محمدٍ؛ وعلى آله الطيَّبين .
يقول اللهُ المولى؛ جلَّ وعزَّ وتقدَّسَ : ﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [إبراهيم: ٥].
ويقول رسولُ الله ﷺ:(إن عاشوراء يومٌ من أيَّامِ الله) رواهُ مُسلمٌ .
هذا وإنَّ من أولى مواطنِ الاعتبار؛ والإقتداءِ؛في قصَّةِ عاشوراء؛ ما جاء في القرآن الكريمِ من أسبابِ نَصْرِ الله عزَّ وجلَّ ونجاتهِ للأولياءِ :(موسى عليه السلام ومن معه من المسلمين الأتْقياءِ ) .
ثمَّ ما كانَ من موجباتَ انتقامِ اللهِ وبطشهِ بالأعداءِ :(فرْعونَ وأتباعِهِ السفهاءِ) .
أسبابُ النَّجاةِ والنَّصْرِ:
ثَمَّةَ أسبابٌ وأعمالٌ قامَ بها موسى عليه السلام وأتباعُهُ؛ حتى رضي الله عنهم؛ وتحقَّقَ لهم بها النَّجاةُ والنَّصْرُ .
أولها: الاستعانةُ بالله والتوكل عليه.
الثاني: الصبر .
الثالث: تقوى الله بامتثال أوامرهِ .
ودليلُ الأسبابِ الثلاثة؛ في قول الله تعالى : {قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [الأعراف:١٢٨] ، وقوله سبحانه: { وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} [يونس:٨٤] .
الرابع: استصحابُ مَعِيَّةِ اللهِ؛ التي تَهونُ دونها الصعابُ: { قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ*قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ} [طه:٤٥-٤٦] .
ومضى كليمُ الله موسى عليه السلام؛ آخذاً بالوصِيَّةِ؛ مستصحباً معهُ المَعِيَّةَ؛ حتى كان يوم عاشوراء؛ حين التقا الجمعان؛ فكانت تلك المعيَّةُُ الربّانيَّةُ؛ هي سِرُّ النَّصرِ؛و(إكسيرُهُ)العجيب: قال الله تعالى؛ المُجيبُ: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:٦١-٦٢]، وعلى إثْرِ قولهِ: (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي ) جاءَهُ النَّصْرُ والفَرجُ القَريبُ: {فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ } [الشعراء:٦٣]؛ ويستعيدُ التاريخُ ذاك التجلّي الإيماني في استصحابِ مَعِيَّةِ الله؛ مع رسولنا ﷺ وصاحبِهِ الصديقِ؛ أبي بكر رضي الله عنه؛ في قصَّةِ الهجرة : {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ} ليتنزل- دونما إبطاءٍ – نَّصْرُ ربِّ البريَّةِ عقبَ ذكْرِهِ ﷺ لتلك المَعِيَّةَ؛ قالَ اللهُِ سبحانهُ: {فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [التوبة:٤٠] ؛ إنَّ استحضار المؤمنِ معِيَّةَ اللهِ؛ من أهمِّ المرتكزاتِ في التعلقِ باللهِ؛ والتوكُّلِ عليهِ؛ وتفويضِ الأمرِ إليهِ .
الخامسُ: اللُّجوءُ الى الله؛ بالصَّلاةِ لهُ والدعاء.
– أما الصلاة ففي قول الله عز وجل :{وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس:٨٧] .
– وأما الدعاء:
١- دعاءُ موسى وهارون عليهما السلام :{ وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ } [يونس:٨٨] .
٢- دعاء الصالحين من بني اسرائيل : { فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [يونس:٨٥-٨٦] .
السادسُ : الاستقامةُ على الشريعةِ.
السابعُ : ترك أهواء الذين لا يعلمون.
وهذان في اشتراط الله؛ على موسى وأخيه هارون عليهما السلام؛ حين استجاب دُعاءَهما : { قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } [يونس:٨٩]، ونحوُ هذه الآية قولُ الله لنبينا محمد ﷺ { فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ} [الشورى:] .
أسباب الهلاك:
وأما أعداءُ اللهِ: (فرعونُ المخذولُ؛ وجنودُهُ)
فقد جاؤا بموجبات السَّخطِ والغضبِ فأخْزاهم الله .
وأهمُّ موبقاتِ الْخِزْي والإنتقام الإلهي الصادرِ من فرعون ومَلئِهِ :
أولاً: الكفر والتكذيب بآيات الله كما ذكر ربنا الله عز وجل ذلك عنه في سبب هلاكه وغرقه {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [آل عمران: ١١]، {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ ۙ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الأنفال: ٥٢]، وبعدها :{كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ ۚ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ } [الأنفال:٥٤]
الثاني: الإسرافُ في البَغْيِ والظُّلمِ والعُدْوانِ؛ قالَ اللهُ تعالى : { وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ * مِن فِرْعَوْنَ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَالياً مِّنَ الْمُسْرِفِينَ } [الدخان :٣٠-٣١] ، وقال سبحانهُ أيضاً : {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ} [يونس:٩٠] .
الثالث : الكِبْر ُ.
قال الله تعالى – مُجَلِّياً لنا ما اتصفَ به الطاغيةُ من هذا الخلقِ الذميمِ -: {وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} [يونس:٨٣]، وكان من إسرافه في طغيانهِ وكبرهِ؛ ادعاؤُهُ الألوهية:{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:٣٣]، بل نازعَ الله في الربوبيَّةِ: {فَحَشَرَ فَنَادَىٰ* فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ } [النازعات:٢٣-٢٤] .
كذلك من تكبره؛ غَمْطُهُ وامتهانُهُ لموسى عليه السلام بقوله :{ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ } [الزخرف ٥١-٥٢] .
وكذا احتقارُهُ بني اسرائيل بقوله :{إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ } [الشعراء :٥٤] .
وبعد هذا البيان؛
نسأل اللهُ الجوادَ الكريمَ المنّانَ؛ نجاةَ عبادِهِ المستضعفين؛ ونصرَهم؛ في غزة وفلسطين وأفغانستان والعراق وسوريا وتركستان الشرقية وكشمير وبورما وافريقيا الوسطى وسائر بلاد المسلمين، وهزيمةَ أعدائهم من الكافرين والمنافقين ، وصلّى وسلَّمَ على نبيِّنا محمدٍ؛ وعلى آله وصحبه أجمعين؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
(*) الأمين العام لرابطة علماء المسلمين
حفظكم الله