أ.د.فؤاد البنا
كعادة القرآن الكريم في توضيح القضايا التي تهم البشر في العاجل والآجل، فقد عمد إلى إبانة الأصناف التي لا تستحق الهداية، ممن يسيرون في طرق الغواية ويتلفعون بأردية الضلال ويتردون في قفار التيه، وهو بذلك يحذر من مقاربة هذه القبائح الخطيرة.
ولقد ذكر الله بصورة لا تقبل الشك أنه عزّ وجلّ لا يمكن أن يهدي هذه الأصناف ما دامت متلبسة بتلك الصفات ومقيمة على تلك الأحوال، وهي:
١- الظلم:
قال تعالى: {إن الله لا يهدي القوم الظالمين}، وقد تكررت في عشرة مواضع من القرآن، مستخدمة حرف التوكيد {إن} في بعضها، ومع ذلك تجد من المسلمين من يقارفون كل أنواع الظلم للضعفاء وقهر الأبرياء، ومن يسارعون إلى اضطهاد المساكين واستغلال المحتاجين، ولا يتورعون عن الاعتداء على حرمات الآخرين واستلاب حقوقهم، ثم إنهم بكل بلاهة يرفعون أيديهم إلى السماء داعين الله تعالى بأن يهديهم إلى طريق جنته، ولا ينسون أن يدعو في كل ركعة من ركعات الصلوات الخمس قائلين: {اهدنا الصراط المستقيم}، إن أفعال هؤلاء تناقض أقوالهم، وسلوكياتهم تبطل دعاءهم ودعاويهم، فهل يمكن للدعوات أن تنتصر على الأفعال في الواقع؟!
٢- الفسق:
قال تعالى: {إن الله لا يهدي القوم الفاسقين}: تكررت في القرآن الكريم خمس مرات، والمعنى العام للفسق هو الخروج على أمر من أوامر الله المعلومة بالضرورة، سواء تعلق الأمر بحق من حقوق الله أو بحق من حقوق الناس. وكم نرى من فاسق لا ينتهي من فسقه وكم شاهدنا من باغ لا ينتهي عن بغيه، ثم هو لا يتردد عن رفع صوته بالدعاء طالبا من الله الجنة، وكم رأينا من جائر يجأر إلى الله بالرجاء أن يمنحه الهداية التي أكد كلام الله بأنه لا يمكن أن ينالها ما دام منغمساً في فسقه!
٣- الكفر:
قال تعالى: {إن الله لا يهدي القوم الكافرين}: وتكررت في القرآن الكريم في أربعة مواضع، وتحت وطأة الجهل والعلم المنقوص وتحت تأثير عقدة النقص ومركب الدونية أمام الغرب، كم رأينا من محسوبين على الإسلام ينكرون بعض ما هو معلوم من الدين بالضرورة، تحت دعاوى متعددة وبمبررات شتى، ثم إنهم لا يكتفون بمناجاة الله بأن يهبهم الهداية فقط، بل يزعمون أنهم قد اهتدوا إلى صراط الحميد، ومن هؤلاء من يذهبون إلى أبعد من ذلك حينما يحتكرون الهداية لأنفسهم معتقدين أنهم يهدون إلى الحق وبه يعدلون، وقد يندفع بعض هؤلاء إلى تضليل المهتدين وتسفيه المستقيمين وشيطنة المصلحين، موقنين أنهم ليسوا على شيء بينما هم قد تبوأوا الحق والإيمان !
٤- الإسراف والكذب:
قال تعالى: {إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب}، حيث تصبح الجريمة معقدة بهذا الجمع القبيح بين الإسراف والكذب؛ إذ يصبح المرء حينها جائحة على الناس ومصيبة لا تكف عن إنزال أفدح الضرر بهم!
٥- الخيانة:
قال تعالى:{إن الله لا يهدي كيد الخائنين}، فالخائنون ينزعون ربقة الإسلام من أعناقهم، فأنى لهم أن يهتدوا وقد فعلوا ذلك الجرم الشنيع؟!
٦- الكفر والكذب:
قال تعالى: {إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار}، ومن الواضح أن هاتين الصفتين تناقضان الإيمان والهداية بصورة تامة!