بقلم الأستاذ/ جمال أبو حسان
قال الشيخ محمد الغزالي:
” المسلمون اليوم مصابون بتدين الشكل لا تدين الموضوع، والدين عندما يتحول إلى طقوس ومراسم يفقد قيمته، لأن الدين قبل كل شيء قلب حي، وضمير يقظ، وسريرة نظيفة”
وهذا القول صائب جدا، ويمثل ورقة تحمل في طياتها وصف الداء ولمن يتأملها أيضا فيها وصف الدواء لمن أراد العلاج.
والناظر في مجتمعنا يتحقق له أن غالبية المجتمع يحتاج لوصفة يتبين فيها المرض وأسبابه ويحتاج إلى وصفة للعلاج من هذا الداء الذي هو فيه.
ونحن مبتلون بهذا التدين الشكلي منذ زمن ليس بالقريب، ونتكلم اليوم عن بعض أوزار هذا التدين فيما يخص صلاة التراويح:
1- كثير من الناس لا يحافظ على صلاة الفريضة لا في بيته ولا في المساجد، وطائفة كبيرة تحافظ على صلاة الفرائض خارج المساجد، بل وطائفة ليست قليلة من الناس لا تحافظ على الصلاة أصلا، وعندما يقدم رمضان تجدهم يتسارعون إلى المساجد لملئها في الأسبوع الأول ويبقى العدد يتناقص حتى ينتهي رمضان فتعود الدنيا كما كانت، وليت هؤلاء يأتون المساجد للصلاة، ولكنهم يأتون المساجد ليفرضوا على أئمة المساجد أن يصلوا بهم الصلاة التي يريدونها، وإذا لم يستطيعوا يحولوا المسجد إلى مناكفات وارتفاع أصوات، وتصبح بعض المساجد كأنها أسواق عياذا بالله تعالى، هذا صنف غالب لكن من بين هؤلاء من يتوب فيتوب الله عليه ويتصحح مسار حياته، ونسأل الله أن يزيد عدد هذه الطائفة وييسر لها أمرها في المحافظة على الصلاة وسائر العبادات والأحكام.
2- قول النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الصلاة:
” من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” فإن هذا الحديث ينادي علينا بأن هذه القضية تحتاج صبرا ومعاناه، وليس أمرها بهذه السهولة التي يتصورها كثيرون من الناس أو يريدونها أن تكون.
3- إن إفقاد التراويح من روحها وكذا سائر العبادات يؤدي إلى قسوة في القلب بحيث تصبح هذه العبادات سلوكيا وسائل لأغراض لم يردها الشارع الحكيم.
4- بعض أئمة المساجد يظن أن امتلاء المساجد في صلاة التراويح التي يصليها لهم بسرعة وتزاحمهم على المسجد الذي هو فيه يعني هذا نجاحه في الدعوة ونجاحه في العمل، وهذا جانب من الوهم فهؤلاء ربما لا يعودون إلى المساجد إلا في عام قادم والمحافظة على العبادة بأدائها بالصورة التي أرادها الشارع الحكيم من الفرائض التي تكاد تنسى عند طائفة عظيمة من الناس.
5- صلاة التراويح سنة مؤكدة عن نبينا صلى الله عليه وسلم، صلاها أياما في المسجد وتبعه الناس ثم خشي أن تفرض عليهم فصلاها في بيته، ثم صار الصحابة كل يصليها منفردا حتى جمعهم أمير المؤمنين عمر، على عشرين ركعة يصلونها فيطيلون القيام فيها امتثالا للسنة المباركة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك تحقيقا للقيام الذي إذا كان محفوفا بالإيمان والاحتساب فإن هذا من الطرق القصيرة المؤدية إلى غفران الذنوب، وهناك طرق كثيرة بينها القران الكريم وبينتها السنة الشريفة لمغفرة الذنوب وتحقيق القبول عند الله تعالى، وهذا من روعة هذا الدين إذ لم يجعل أمر المغفرة مرتبطا بعمل واحد، وهذا يجب أن يحفز المسلمين أن من شق عليه عمل ما فليبادر إلى عمل آخر لا يجد فيه مشقة ولا عنتا، وليس عليه أن يطوع العبادات والأعمال الشرعية لرغبته وهواه، فالله هو المشرع والمسلم عليه التنفيذ، وليس عليه تحويل الطاعة إلى ما يريده هو.
6- إن مبني الشرائع على الالتزام وليس حشد الناس للعبادة ثم التطاير عنها، ولهذا على الدعاة وبخاصة أئمة المساجد أن يتوجهوا إلى العمل الجاد من أجل تفهيم الناس حقائق الدين وتعليمهم الصبر عليها فإن الدنيا كلها تحارب الإسلام الصحيح مع المسلمين، وليعلموا أن الصحابة عانوا ما عانوا في مكة قبل الهجرة ولم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قام بالترخيص لهم في شيء ذي بال إلا ما يحفزهم على الصبر على الدين، فتتبع الرخص وتفعيلها بحجة يسر الدين ليس من الفقه في هذا الجانب لا سيما إذا كان إتيان العزام في حالة من الهشاشة والضعف.
7- نحن في بلدنا هذا كما في كثير من البلدان الإسلامية صرنا نشتهي القيام بصلاة التراويح على وجهها الصحيح لأن جائحة كرونا فعلت بنا الأفاعيل وتعطلت المساجد عن كثير من مهماتها بحجة هذه الجائحة، واليوم تمر بلداننا كما هو في كثير من بلدان العالم بضائقات متنوعة منها الاقتصادية والسياسية والأخلاقية فنحن بأمس الحاجة إلى أن نصحح صلتنا بالله ونقويها لعل الله تعالى يعيننا على أن نتخطى هذه الضائقات.
فاللهم اجعل هذا الشهر-شهر رمضان- علينا من خير الشهور، وأخرجنا به من الورطات التي نحن فيها، وحبب قلوبنا إلى طاعتك، وألف بين قلوب المسلمين واجمعهم على الخير يا رب العالمين.
إنما كتبت ما كتبت من حبي للمسلمين ورغبتي في تآلف قلوبهم على الشرع واجتماعها على محبة الله وطاعته فأسال الله أن يكون حالفني التوفيق فيما كتبت
كلام طيب وواقعي جدا