بقلم أ د. عزوز محمد(*)
في قوله تعالى ” وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ” البقرة آية 251 ،
نفهم أنه من بين أهم ما جبلت عليها طبيعة الإنسان، الاختلاف وتعارض المصالح والتوجهات.
فتنطلق الطاقات بآلية التزاحم والتغالب والتدافع، فتستجيش النفوس ما فيها من مكونات كامنة، وتظل أبداً يقظة عاملة مستنبطة لذخائر الأرض مستخدمة قواها وأسرارها الدفينة
وفي النهاية يكون الصلاح والخير والنماء كما فهمنا إياها سيد قطب في ظلاله.
وقد قسمت سنة التدافع إلى ثلاثة محاور :
أولا: التدافع بين أهل الحق وأهل الباطل:
يعني لولا أنَّ الله يدفع أهل الباطل بأهل الحق، وأهل الفساد في الأرض بأهل الإصلاح فيها، لغلب أهل الباطل والإفساد في الأرض، وبغوا على الصالحين، وأوقعوا بهم، حتى يكون لهم السلطان وحدهم، فتفسُد الأرض بفسادهم، فكان من فضل الله على العالمين، وإحسانه إلى الناس أجمعين أن أذن الله لأهل دينه الحق المصلحين في الأرض، بقتال المفسدين فيها من الكافرين والبغاة المعتدين [تفسير المنار: 2/ 395]
ثانياً: صراع أهل الباطل مع أهل الباطل:
لعل الصراع بين أهل الباطل قد يكون نظرة عقائدية فيرى الفريق الأول أنه على الحق ودونه الباطل، ومن هنا تتوقد العاطفة الإيمانية للوقوف قلبياً مع الأقرب للحق وهذا ما لاحظناه من حرب الروم والفرس فتمنى المؤمنون أن ينصر أهل الروم لأنهم أهل كتاب، بل إن الله سماه نصراً من عنده فقال” غلبت الروم وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم “
ومن ثم فإن على أهل الحق أن يحافظوا على توازن القوى بين الباطل ومثيله بحيث لا يحدث قطب واحد فيستغل ثروات البلاد، ويعربد في الأرض دونما يحكمه عقل أو قانون مثل ما يحدث الآن في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن أفرزت أناس على غير مصالحها أو مصالح حلفائها فإنها تتنكر لذلك وليس أدل من ذلك من تنكرها لفوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006م، وكذلك انتهاكها للحقوق .
أما إذا تحول الصراع إلى صراع دم وأشلاء فعلى الأمة أن تنادي بكل الوسائل لوقف نزيف الدم فالدعوة الإسلامية دعوة إنسانية.
ثالثاً : تدافع أهل الحق مع أهل الحق :
لقد قسم العلماء الحق إلى ثلاثة أقسام : الله الحق المطلق، والقرآن والسنة الصحيحة الحق المحكم، الحق النسبي في الفروع أو أمور الحياة فيكون الاختلاف فيه نسبة إلى الفهم أو عدم وصول النص الصحيح. في هذه النقطة الأخيرة فيحدث في الاختلاف تدافع للوصول إلى أحق الحقين.
هذا التدافع أصل في حياة الناس فهو عامل لتحرك الحياة والسباق الخيري فيه نحو الأفضل والأكمل يكون بارتفاع الهمم واتضاح معاني الخير ودرجاتها ومراتبها، قال شيخنا محمد أحمد الراشد في ورقته الموسومة (أنساق النفضات) ” فالتنافس يشكل عاملاً مهماً في تنمية الحياة وترشيد مسارها والتخلص من الأخطاء والانحرافات ولكن هذه الحصيلة من العمران الحضاري بالأفكار والعلوم والآداب لم تمنع من قيام تناقضات بجانبها أصلها ابتداع أو صراع على السلطة فكان العمل الإصلاحي الاستدراكي المتنوع ” وقد قال الشافعي ” رأي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب “.
فهذا التدافع على الحق لا يمنع أن تكون بين الأجيال تنافس نصل به إلى الأفضل فيكون هناك أكثر من جمعية خيرية وشركة اقتصادية ونادياً رياضياً ومعهداً تنموياً وتجمعاً نقابياً وما إلى ذلك، يتولد بينهم التنافس بما يخدم البشرية، وقد زينها سيد قطب بقوله ” إن ساحة الحياة المترامية الأطراف تموج بالناس في تدافع وتسابق وتزاحم نحو الغايات ومن ورائها جميعاً تلك اليد الحكيمة المدبرة تمسك بالخيوط جميعاً وتقود الموكب المتزاحم المتصارع المتسابق إلى الخير والصلاح والنماء في نهاية المطاف ” وبيت القصيد في قوله (وتقود الموكب المتزاحم المتصارع المتسابق إلى الخير والصلاح والنماء في نهاية المطاف ) هذا الأخير الذي قصدناه بقولنا – تدافع الأجيال – التسابق على فعل الخير والتدافع على أبواب الخيرية وطلب مرضاة الله بالعقل والضمير واليد.
(*) أستاذ تاريخ وفلسفة التربية بجامعة الجلفة / الجزائر.
مقال رائع لدكتورنا الحبيب
زاد الله في علمه ونفع به