بقلم الشيخ محمد الغزالي
شهدت نزاعًا محتدمًا بين فريقين من الناس ، أحدهما يرى الإسرار بالتأمين وراء الإمام والآخر يرى الجهر به !
واقترح بعضهم الاحتكام إلي كي أضع حداً لهذا النزاع .
قلت : التأمين دعاء ، والمهم فيه الضراعة والرجاء ، فإذا اشتد النبض في الدعاء فَعَلَا ، أو غلب التذلل فخفت ، فالأمر سواء . . !!
قال أحد السامعين وعيناه تبرقان : ما فهمنا شيئاً !
قلت له : نعم وأنتم أهل ذلك ، فأنتم تريدون إجابة ترضي شيطان العناد الذي ينفخ في هذا الجدال الحاد ، ويجعل منكم أعداء متدابرين ، وإذا لم يكن بد من إجابة فقهية فاعلموا أن الإسرار مذهب ، والجهر مذهب ، وكلاهما وارد ومأجور إن شاء الله .
وانصرف عنى الفريقان ضائقين ، وشعرت بالراحة لابتعاد أنفاسهم عني . . بل شعرت بفقر أولئك الناس إلى المربي الطويل البال ينقلهم إلى مستوى أرفع مما هم فيه من جلافة تعزلهم عن روح العبادة وأدب الصلاة . . .
إن ذلك الخلاف الفقهي نموذج لعشرات من أمثاله تشغل الدهماء ، وتوقد الفتن وتوهى الأخلاق وتقطع ما أمر الله به أن يوصل . . .
ويخيل إلي أن هذه الخلافات الفرعية تشبه صور الجراثيم التي تعرض علينا في كتب الصحة ويقال تحتها :
« ميكروب » مرض كذا مكبر ألف مرة ! ! .
وتكبير هذه الرسوم لمعرفتها مفهوم ، لكن ما معنى تكبير الفروق بين أفهام أو آراء لبعض العلماء ، حتى لتبدو وكأنها حقائق لملل متباعدة ؟
إن نتائج ذلك كانت وخيمة على مجتمعنا الديني ، فإن هذا التضخم المفتعل غطى مساحات واسعة كان يجب أن تشغلها الأخلاق التي لا تنهض الأمم إلا بها.
فبدل أن تشغل الجماهير بتكوين فضائل الصدق والأمانة والوفاء والحياء . . . إلخ ، شغلت بما تظنه أكثر أجرا وأعظم ذخرًا .
وذلك وهم بعيد ، فإن فقدان الأخلاق یعنی امتداد النفاق ، وانتشار الفساد ، وضياع الأمم . . .
وعندي أن إشعال التعصب المذهبي كان خطة ماكرة لصرف العامة عن النقد السياسي ومتابعة الأخطاء التي أودت بالدولة الإسلامية قديمًا !
ويبدو أن الخطة لاتزال تنفذ إلى الآن …!!
من كتاب الحق المر.