يريدون ليطفؤوا نور الله!: لا بد من دراسة ذاتية ونقد ذاتي لأخطائنا – مقال نادر –

بقلم: الشيخ محمد الغزالي(*)

لأعداء الإسلام ضغوط شديدة على الحركات الإسلامية لإطفاء نورها وإبطال سعيها، وعلى الذين يشتغلون في الميدان الإسلامي أن يتوقعوا ذلك، وما ينتظر من أعداء الإسلام إلا هذا؛ فتلك طبيعتها کما نبأنا بذلك ديننا.

إن الله جل شأنه يقول عن خصوم الأنبياء: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:31]. إلا أن الجماعات الإسلامية إذا ركدت أو سكنت عن مواصلة نشاطها فإنها تكون مخطئة لأن البناء الداخلي في الإسلام يستنفر الطاقات ويتطلب عملا دائبا ليلا ونهارا.

وتصور أن العمل الإسلامي لا يكون إلا اشتباكا مع الحكومات وأن يكون له طنين في الشوارع والميادين يعني ذلك إن الإسلام متحرك لأن هذه الصيحات الكثيرة تدل عليه، هذا في ظني خطا محض، فإن البناء الداخلي للأمة الإسلامية يحتاج إلى عمل هادئ ومستمر ومضطرد حتى نفرغ فعلا من تصحيح ثقافاتنا، ومن تقييد تقاليدنا، ومن الأعمال الكثيرة التي لا توكل إلى الدولة، وإنما تقع على عاتق الأفراد في حياتهم الخاصة أو في لقاءاتهم العامة.

ثم إن تصورنا للجهاد الإسلامي هو الذي جعل البعض يرفضون أو يسكنون إذا لم يُمَكَّنوا من العمل على النحو الذي يريدون، والإسلام ليس كذلك؛ فالمسلم يستطيع أن يعمل للإسلام في أسوأ الأجواء لأنه إذا كان الحاكم في بلد ما يمنع من تنفيذ الجانب السياسي من الإسلام أو يعترض أجزاء كثيرة من الجانب الاجتماعي فهناك الجوانب الأخرى التي يمكن أن نسير فيها، وفي الوقت نفسه نذكر بالجانب المعطل حتى يقوم لأن الإسلام يحيي بدوام الحركة والعمل.

ومن دون شك إننا نقدر ما لقيه المسلمون في العالم كله من متاعب لأن أعداءنا متربصون وخبثاء ولهم عملاء كثيرون من أبناء عقائدنا، هؤلاء يعملون الكثير ضد الإسلام ويحاولون إبعادنا عن تراثنا، وهذا لا يُستغرب من الأعداء، وإنما الذي يُستغرب أن نتوقف لأن منهجًا وضعناه وُضِعت العوائق أمامه.

فلماذا لا نضع منهجا آخر أو نسير في طريق آخر؟ لابد من أن نتحرك ولا نستكين أبدا لأن أساليب وطرق العمل في الإسلام غير محدودة فإذا حدث ركود في الجماعات الإسلامية فهي ملومة، فلماذا تركن إذا؟!
إن الإسلام بضع وسبعون شعبة، نستطيع العمل والتحرك في عشرات الشعب والأجواء، وإن منعنا منها فإن أحدنا يستطيع أن يعيش نموذجا حيا متحركا بين الناس فيريهم نفسه كإشارة للإسلام ولا يسكت أبدًا.. وهذا هو الإسلام.

إن طبيعة الجيش الذي يعمل للإسلام يحتاج إلى مراجعة، والى منهج آخر غير الطريقة التي يعمل بها الكثيرون ممن يعملون الآن للإسلام، وإنَّ رفض الناس لهم أو عدم استجابتهم للإسلام لا يعني أن هؤلاء الناس يكرهون الإسلام، وإنما يعود إلى أن الذين يعرضون الإسلام يسيؤون عرضه، و يثيرون حوله اللغط، وهم لا يحسنون بهذا أن يقودوا قافلة الإنسانية، وسنة الله الكونية لا تعطي القيادة من الناس إلا لمن يستحق.

وإذا كان جيش الدعوة الذي يعمل في كل مكان مشغولا بأمور ليست ذات بال عن الأركان الكبرى فإنه لا بد أن يلقى ما يلقاه الآن من نتائج سيئة وفشل ملحوظ، فرغم الضغط الشيوعي في أفغانستان لا تزال هناك مآخذ على الجبهة الإسلامية، ورغم الضغط الشديد من الوثنية الهندية التي استباحت دم الإسلام في (آسام) وغيرها فإن أعدادا من الذين يشغلون بالدعوة الإسلامية ربما شغلهم حكم من أركان الوضوء عن الدماء التي سفكت بغزارة في هذه الأرض، ولا يزال أعداد كبيرة من المسلمين لا يعرفون بدقة إلا أن يتلقوا الضربات من إسرائيل!

نظرتنا العامة للقضايا الإسلامية غير سليمة كالذي ينظر في مرآة مقعرة أو محدبة، فان المعالم التي ترتسم لملامحه ليست صحيحة ومشوهة جدا بسبب أن المرآة غير صحيحة، فجيش الدعوة الكبير الذي يشغله أناس كثيرون يحتاج إلى توحيد ربوبية والي شحذ متبادل للقضايا التي يواجهها الإسلام الآن حتى يمكن تحديد الموقف ووضع خطة واعية لضرب الأعداء.

وحتى الآن فان الخطة فيها شيء كثير من القصور، ولا يلام الإسلام وإنما يلام أتباعه.. وكما يقول الشاعر:
وتفرقوا شيعا فكل قبيلة .. فيها أمير المؤمنين ومنبره!
فكل واحد يرى أنه أمير المؤمنين، وله منبر يتكلم فيه، ويظن أنه قد أدى واجبه دون أن يتعرف للجماعات الأخرى، ولا يستعيد نشاطه مع أنشطتها، ولا يعرف كم قطع الآخرون من الطريق، وما هي العوائق التي واجهتهم والأساليب التي جربت ولم تنتج.
إذن لا بد من دراسة ذاتية ونقد ذاتي لأخطائنا.
كثير من الدعاة يحسب نفسه المتحدث الرسمي باسم الله، ولا يحب أن ينسب لنفسه خطأ، ولا يدري غير أنه هو الإسلام وانتهى الأمر! هذا كلام لا يمكن أن تنجح به دعوة.

إن للجماعات أخطاءً أيضا، وفي يقيني أن كل هزائم الإسلام جاءت من داخله لا من الخارج، وان هزائم المسلمين دائما من عند أنفسهم لا من عند أعدائهم، وإذا لم يعترفوا بأن خططهم أو نياتهم ومسالكهم هي السبب فيما يصيب الإنسان من مآسي فإنهم لن ينجحوا أبدا لأنهم مصرون على المعصية بهذه الطريقة التي يعيشون بها.
وختاما فإن معاصي القلوب – كما قال علماؤنا – أخطر من معاصي الجوارح، وربما تشيع معاصي الجوارح في أمة فيشيع فيها الفسق ويشيع فيها النهب والاغتيال، لكن هؤلاء جميعا ينسون أنفسهم في سبيل قضايا أوطانهم ومصالح أممهم، ولا بأس أن يقدم الواحد منهم نفسه للمصلحة العامة.

أما أمتنا فان إحساس كل امرئ منا بنفسه ورغبته في أن يفرض ذاته على الآخرين تستبد به، وهذا في نظر الإسلام هو الكبر، والكبرياء في نظر الإسلام أخطر من الزنا، وزهو الإنسان بنفسه واعتداده بالذي عنده واستغناءه عن الكثير الذي يحتاج إليه وفهمه للأمور بطريقة مقلوبة، هذا عندي وعند النظرة الإسلامية معصية أخطر من الفساد الذي يشيع في أوروبا والرقص والانحلال وما إلى ذلك، هذا له ضرر غير أن الآخر ضرره أشد، فإن فساد النفوس والأنانية والكبر والمزيد من الظهور وجنون العظمة أشق على الأمم من هذه الأمراض التي تشيع عند الغربيين.

——–
(*) المصدر: مجلة المجتمع، العدد 644، السنة الرابعة، الثلاثاء، 8 نوفمبر 1983م، 3 صفر 1404هـ.

اترك تعليق