علاقة السنن الإلهية بالمشروع الإسلامي (2)

بقلم د. عطية عدلان (*)

بسم الله الرحمن الرحيم .. الحمد لله .. والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد ..

بعد وقوع الانقلابات على ثورات الربيع العربيّ سقطنا في جبّ اليأس مرة ثانية؛ بسبب الغفلة عن سنَّة أخرى من السنن الإلهية  وهي سنَّة التداول: (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) وقد وردت هذه السنة في كتاب الله محاطة بجملة عظيمة من الفوائد المرتبطة بهذه السنة: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 140-141]. هذه السنَّة العظيمة تحيي الأمل في نفوس الأجيال؛ فالأيام دول يوم لك ويوم عليك، ودوام الحال من المحال، هكذا قرر القرآن وهكذا شهد التاريخ بصدق ما قرره القرآن.

   وعلى التوازي تمضي مع سنة التداول سنة أخرى هي سنة التدافع: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ} [البقرة: 251]، {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج آية:40]، والتجاوب مع هذه السنَّة ضروريٌّ لتفعيلها؛ حيث إنَّ التدافع إذا وقع على صورة دفع الكافرين بالمؤمنين، ودفع الظالمين بالمناضلين الأحرار فسوف تأتي النتائج على الوجه الذي يحقق التغيير المنشود.

   أمّا سنة التمييز (الغربلة) فهي من أظهر السنن التي تجلى عملها في انقلاب 2013م أكثر مما تجلى في وقعة أحد في العام الثالث الهجرى، تلك التي أنزل الحق تبار وتعالى فيها قرآنا يتلى، فقال تبارك وتعالى: (مَا كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) (آل عمران: 179)، فهذه السنة كافية في الإجابة على سؤال: (متى نصر الله؟) وسؤال: (أنّى هذا؟) وكثير من الأسئلة التي تعد من المعضلات الفكرية والعقد النفسية التي تواجه كثيرا من الشباب والشيوخ، فإنّ من فضل الله علينا أن تقع مثل هذه النكبات؛ ليميز الله الخبيث من الطيب، وليعمل (الغربال) الإلهي فينقي الصف من الدغل، ويميط عنه الأدران؛ فوالله لقد رأينا بأعيننا كيف تساقط الخلق إلا من رحم الله في الفتنة تساقط الفراش الهام في النار الموقدة، حتى صرنا – بدلا من استعجال النصر – نقول: “الحمد لله الذي أجرى بلطفه ما أجرى ليتطهر الصف المسلم من هذه القاذورات”!

    أمّا رابعة فقد كانت معرضا للسنن الإلهية الكبرى العاملة؛ فإلى جانب سنة التمييز والغربلة كانت تعمل على التوازي سنن أخرى لا تقل أهمية عنها، فإنّ دفع الدماء الذكية دائما ما يكون عربونا للنصر، فلعلها سنة إلهية: أنّ الدماء الذكية إذا روت أرضاً استحالت الأرض حقلا ينبت المقاومة، وأنّ اصطفاء الله للشهداء مقدمة لحصد الظالمين ومحق الكافرين: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)) (آل عمران 140-141)، ولعلنا نصغي لنداء هذه السنة ونتجاوب مع صداها الذي تردد في جنبات التاريخ الإنسانيّ على مر الدهور وكر العصور، ولعل الله يطلع منّا على قلوب تهفوا للعمل والكفاح فيسوق إلينا من الأحداث الكونية التي تفتح الأبواب المغلقة، (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) (المدثر 31).

    إنَّ رابعة لم تكن ميدان حسم يناط به إنهاء الصراع وإقرار النَّصر، وإنَّما كانت في حقيقتها منصة انطلاق إلى طريق النصر والتمكين، لذلك سبحت في جوها كثير من السنن الإلهية الفاعلة، ولقد قامت بدورها على أكمل وجه وأحسنه، فما صنعته رابعة هو عين ما أنيط بها: صناعة المنصة، هذه المنصة تتمثل في أمرين اثنين، الأول: النواة الصلبة التي يناط بها التغيير الحقيقيّ، الثاني: صياغة العقيدة الناصعة والرؤية الواضحة؛ لقد غدا الإسلام من يومها منبع الحريات الحقيقية، وغدت الشريعة مصدر العدالة الاجتماعية، وغدت نصوص الكتاب العزيز هي الباعث على الحركة والتغيير، ولم يعد الطاغوت المعادي لله صديقا لعباد الله، ولا المحارب لدين الله حليفاً لجند الله، ولا تزال المنصة قائمة قادرة على البعث.


(*) مدير مركز محكمات للبحوث والدراسات.

اترك رداً على جمال الغانم الغاء التعليق

  1. يقول عثمان بخاش:

    ما ذكره الدكتور الفاضل عن كون رابعة منصة للتغيير القادم يقتضي تفعيل عملية التدبر و استخلاص الدروس و العبر…امر طبيعي أن تقع أخطاء في مسيرة العمل البشري في مواجهة معسكر الباطل و جنده…و وقوع الخطأ ليس معيبا..ولكن المعيب ان يتكرر الخطأ تلو الخطأ تلو الأخطاء و النكبات ثم نعود لنلدغ من الجمر نفسه مرات و مرات دانية مؤلمة موجعة وإن كنا نحتسب الأجر والثواب و نرجو القبول من رب العباد…سبق للدكتور النفيسي أن قال لو تعلم الإخوان درس مجزرة حماة في سوريا في ١٩٨٢ لربما تمكنوا من تفادي مجزرة رابعة….اما المكابرة والاصرار على عقلية عنزة ولو طارت فهذا يؤدي إلى هدر التضحيات والبطولات والدماء الزكية و يشي بتكرار المواجهات الدامية مرات ومرات….والى الآن بعد قرابة عقد على رابعة أخشى أن هذا هو الواقع نفسه و منهج التعامل مع والوقائع و الأحداث…لا بل زادت الأعباء من خلال المنازعات الداخلية فلا يحتاج معسكر الباطل أن يتعب نفسه..و اخر ذلك تصريحات إبراهيم منير برفع الراية البيضاء والانسحاب من معركة الصراع المصيري الذي يترتب عليه بقاء الأمة من فنائها..نساله سبحانه أن يهدينا إلى أرشد أمرنا. والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.

  2. يقول جمال الغانم:

    السلام عليكم
    الا ترى انه لم يرفع الفريق الذي تعول عليه والذي ينشد التغيير لم يرفع راية الشرع الحنيف .
    هو رفع راية التغيير وفق قوانين الديمقراطية الكافرة .
    رفع شعار التغيير على اسس حكم جمهوري وضعي .
    الا ترى اننا لم ننصر الله وبالتالي :
    ان تنصروا الله ينصركم .
    لم نقم على اساسها .

    انظر الى الدستور الذي صنعه حكم مرسي تجد انه لا يختلف عن الدستور الايطالي البتة .

    كيف تعالج وضع فاسد بدواء فاسد !!
    النظام الراسمالي يصنع حياة فاسدة فكيف تقيم حكمك على نفس الاسس الراسمالي وتتوقع ان ننهض ونرتقي وتتوقع ان ينصرك الله !