مَن يَخلُف القرضاوي؟

بقلم الأستاذ الشيخ وليد المغربي (*)

منذ سنواتٍ طويلة أسمع، وأتناقش مع الأصحاب على من يَخلُف الإمام القرضاوي؟

تقفِزُ للذّهن أسماء، وقامات علمية، لها جهد كبير، ولكن عندما أتفكر قليلا في القرضاوي أعجزُ عن تصوّر من يملأ مكانه!!.

القرضاوي مجموعة صفات ومواهب قلما تكون في فرد واحد، وأحسبها محض عطاءٍ وتوفيق ربانيّ!.

فإذا رأيت شبيهًا للقرضاوي في الفقه، فلن تجد عنده روح الدّاعية كما هي عند القرضاوي، وإذا وجدتَه صاحب همّةٍ دعوية، فلن تجده مُبِينًا وخطيبًا يهز أعواد المنابر كالقرضاوي، وإذا وجدت عالمًا خطيبًا بارعًا، وفقيهًا متمكّنًا تجد نقصه في جانب الحركة بالإسلام، والعمل الجماعي والمؤسسي، وإذا وجدت عنده ذلك تجده بعيدًا عن الواقع ومعرفة فقه الأقليات، والأقطار المختلفة، والأعراف المتنوعة، وإذا وجدته حافظًا للنصوص  ألفيْتَه غافلا عن المقاصد، وإذا كان يتعمق في المقاصد  وجدته مهملًا للنصوص.

ولذلك فإن القرضاوي تجمّع فيه  ما تفرّق في غيره، ومن ذلك:

البَيان الساحر، والشّعر السائر!.
الرّوح الشفافة، والإنسانية الآسرة.
الفقه العميق، والفهم الدقيق، والقدرة على الاستنباط، والموسوعيّة.
العلم بالتراث، والدراية بالمستجدّات.
الحافظة النادرة، والذاكرة الحديدية.
العمل المؤسسي تأسيسا ومشاركة.
صياغة الأفكار وتأصيلها، وصكّ المصطلحات وترويجها.
الرّبانية والتواضع، والاعتراف بالخطأ.
تقديرُ الأقران والتلاميذ.
التجربة الواسعة، والعمر المديد.
الصّراحة في الحق، والحكمة في قوله.
الابتعاد عن الجدال المذموم والمعارك الجانبيّة، والاشتغال بالنافع المُثمر.

العلامة القرضاوي من طينةِ الذين لا يتكرّرون إلا  في القرن مرّة، وربما هو أحرى الناسِ بوصف “المجدّد” الذي يأتي على رأس مائة سنة، ليجدد للأمة دينها.

ولو تفكرنا في سيرته ومسيرته لوجدناه قد برز، وأصبحت له شهرة عالمية، وأضحى مرجعيةً تقريبًا على رأس القرن الخامس عشر الهجري 1400 هجرية، فهو له مؤلفات قبلها أشهرته وعرّفته للأقطار الإسلامية مثل الحلال والحرام، وفقه الزكاة، والإيمان والحياة، والعبادة في الإسلام، والخصائص العامة للإسلام، ومشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام، ومجموعة حتمية الحلّ الإسلامي وغيرها، كما انتشر شعره كالنار في الهشيم، وأصبح شيخًا للصحوة مرشدًا لها، ومفتيًا للحركة الإسلامية، ومرجعًا للمسلمين في الغرب.

ولذلك فإن العلامة القرضاوي يصعب حسب ظني أن يخلفه عالم واحد، في الزمن القريب، فهو مدرسة متكاملة الأركان شاهقة البنيان، لها أتباع ومريدون، ينتهجون منهج الوسط.

 وأهم خصائص منهجه: التشديد في الأصول، والتيسير في الفروع، التبشير في الدعوة، ومراعاة أنواع من الفقه؛ في الكون  والدين، فقه سنن الكون، وفقه مقاصد الشرع، وفقه الأولويات، ومراعاة المآلات، وفقه الاختلاف، وفقه التغيير وفقه الواقع، والاهتمام بفقه الأقليات، والفتوى في ضوء النصوص والكليات، والاجتهاد من أهله وفي محلّة، و احترام العقل بجانب الوحي، والسعي لإقامة الدولة العادلة التي تحمل هم الدعوة، والموازنة بين ثوابت الشرع ومتغيرات العصر، وغير ذلك مما أصّله وأسسه الإمام الراحل.

لم يمت الإمام القرضاوي إلا والأمة في حاجة إلى فقهه العميق، وجرأته في الحق، وخطبه الناريّة، ونصرته لقضايا الأمة.

وقد صدق فيه قوله سبحانه: ﴿ٱلَّذِینَ یُبَلِّغُونَ رِسَـٰلَـٰتِ ٱللَّهِ وَیَخۡشَوۡنَهُۥ وَلَا یَخۡشَوۡنَ أَحَدًا إِلَّا ٱللَّهَۗ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِیبࣰا﴾ [الأحزاب ٣٩].

أخلف الله الأمة فيه خيرا، وعوّضها بعلماء ربانيين.

وقد (كفّى و وفّى) وترك تراثًا ضخمًا ماتعًا نافعًا، وفي هذا العزاء!.

اللهم اغفر له وارحمه وتقبله في الصالحين، والعلماء العاملين، واحشره مع حبيبك الأعظم ﷺ، وارضَ عنه وأرضِه يا رحيم يا ودود!.


(*) تليمذ للإمام القرضاوي، طالب دكتوراه في الفقه الإسلامي.

اترك رداً على khazaal khattab الغاء التعليق

  1. يقول Saadaldin abdaldaiem:

    اللهم ارحمه واغفر له واجعل مأواه الجنة و تقبله من الشهداء…

  2. يقول موسى بن صالح:

    اللهم ارحم الشيخ و انزله منزلا كريما
    و ارزق هذه الأمة قادة مخلصين و علماء ربانيين يوجحون كلمتها و يسترجعون مقدساتنا

  3. يقول khazaal khattab:

    عاشت إيدك