الأستاذ الكبير عصام العطار (*)

الإسلام يكفر بالديكتاتورية، جمهوريةً كانت او ملَكية، يكفر بالاستبداد مهما كان شكل هذا الاستبداد.

أيها الإخوة، من الذي يقول إن الاسلام لا يريد حكم الشورى؟! لا يريد أن يكون للشعب ممثلوه الذين يقررون في أمره ويقررون في شأنه؟! من الذي يقول إن الإسلام يفرض على الناس ملوكا أو شيوخا أو أمراء يسيرون به كيفما يريدون وكيفما يشاؤون؟! إن هذا أمرٌ يرفضه الاسلام.

إن كثيرا من الحكام الذين يتنكرون للإسلام في كثير من الأمور يأتون فيدّعون – في بعض الأحيان – أن ما هم عليه من ظلم ومن استئصال، أن هذا الأمر من الإسلام!! فيخالفون بذلك حقيقة الاسلام ويسيئون إلى الإسلام، في الدنيا كل الدنيا، عندما يصوّرونه دينًا يأبى الحياة الشورية.. دينا لا يريد أن يسمع كلمة الشعب، لا يريد أن يسمع كلمة الناس، وإنما يفرض تحكم ناس يتوارثون الملك مَلِكًا بعد ملك، أو الإمارة أميرا بعد أمير.. سواء استحقوا هذا الأمر أم لم يستحقوه؟!

إن إعطاء الإسلام هذه الصورة هو أمر مخالف للإسلام، هو أمر يسيء للإسلام على كل صعيد.

وأنا أسألكم أيها الاخوة، أسألكم هذا السؤال البسيط ونحن نرى أنفسنا، نحن العرب والمسلمين، قد وقعنا في نكبة من أكبر النكبات الآن.. نتيجة ماذا؟ نتيجة غياب الشعب، نتيجة غياب تمثيل الشعب، نتيجة أن الذين يقضون في أمورنا إنما هم أفراد، سواء كان هذا الفرد ديكتاتورا أو كان هذا الأمر ملكا أو كان هذا الفرد شيخا من الشيوخ..

[الآثار الكارثية للاستبداد]

أنا أسألكم: لو كان هنالك في بلادنا العربية حرية حقيقية.. لو كان هنالك برلمانات منتخبة من الشعب.. هل كان الشعب العربي المسلم يفترق هذا الافتراق؟! وينقسم هذا الانقسام؟! ويخوض بعضه ضد بعض معركة الأمريكان ومعركة الغرب ومعركة الإمبريالية أو معارك الزعامة الشخصية أيضا؟! لا لم يكن هذا الأمر ليقع.

لو كانت الكلمة للشعوب لما افترق المسلمون ولما احترب المسلمون؛ فشعوبنا كلها على امتداد الأرض العربية والأرض الإسلامية تشجب هذه الفرقة، وتشجب هذه الحرب، وتريد بدل الحرب السلام وبدل الفرقة الوحدة، وتريد التعاون على البر والتقوى. وإنما الذي وصل بنا إلى هذه الحال، إنما هو الاستبداد والاستعباد والاستئثار على الشعوب.. إنما هي هذه الديكتاتوريات وهذه الملكيات!! فلا بد لنا في مستقبلنا من الحرية التي يريدها الإسلام لكل فرد منا، من الحرية التي يريدها الإسلام لشعوبنا.. لا بد لنا من حكم الشورى “وأمرهم شورى بينهم”، وحكم الشورى لا يوجد الآن في أرضنا العربية وفي أرضنا الإسلامية مع الاسف الشديد.

[الحرية مهمة في تقرير مصير الشعوب]

إذن أيها الاخوة، حرية الشعوب أمر مهم.. حريتنا أمر مهم في تقرير مصيرنا.. سلبُ هذه الحرية قاد شعوبنا إلى المهالك!! وما يزال البعض يفكرون أيضا باستمرار سلبهم لهذه الحرية في المستقبل.

أيها الإخوة، عندما أصبحت مصائرنا بأيدي أفراد أُلِّهوا في شعوبهم رهبة منهم أو رغبة فيما عندهم، من جاه ومن مال ومن مغريات، وجدنا أن هذه الحفنة من الرجال إنما هي التي قادتنا إلى هذه المهالك!! ونحن نحمل جزءا كبيرا من هذه المسئولية.. لماذا؟! لأننا رضينا بأن نعيش في بلادنا عيشة العبيد!! لأننا رضينا بأن تكون مصائرنا وأمورنا بأيدي رؤساء أو زعماء أو ملوك أو أمراء لم يتوفر لهم مقدارٌ كافٍ من العقيدة ومن الأخلاق ومن الوعي ومن الاستقامة على الطريق!!

إننا نحمل أيها الاخوة جزءا كبيرا من المسؤولية في هذا الأمر. وأنا أتذكر الآن وأنا أتحدث إليكم بما قاله أحد الشعراء، مخاطبا أمته العربية لأنه رجل قومي، يقول:

أمتي كم صنمٍ مجّدتِهِ ** لم يكن يحمل طُهْرَ الصنم
لا يُلام الذئبُ في عدوانه ** إنْ يكُ الراعي عدوَّ الغنم
فاحبسي الشكوى فلولاكِ لما ** كان في الحكم عبيدُ الدرهم.

(*) كلمة قالها الداعية والزعيم السوري عصام العطار في فبراير من العام 1991م، على هذا الرابط: