بقلم الأستاذ شريف محمد جابر(*)
– لأنّ الاستبداد هو الآلية التي يحبّذها النظام الدولي للحفاظ على “الاستقرار” (من وجهة نظره) في المنطقة العربية (التي يسميها الشرق الأوسط). ومع الأسف لا يملك آلية أخرى تحقق نتائج أفضل منها.
– لأنّ النخبة التي أمسكت زمام الحكم في سورية ما بعد الثورة لها قناعات استبدادية، فهي تفضّل الاستبداد بالرأي والقرار عن الشورى الملزمة، وتاريخها القريب معروف لمن تابع. وهذا ليس ذمّا بالضرورة، فهناك جيش من الشباب اليوم يشرعن هذا الاستبداد، ويجلب له الشواهد من التاريخ الإسلامي.
– لأنّ الأنظمة العربية التي سارعت إلى احتضان القيادة الجديدة ودعمها لم تفعل ذلك مجّانًا، بل تفضّل سورية تشبهها في نظام الحكم عن سورية ذات نظام تتحقّق فيه مشاركة الأمة ورقابتها القوية في السلطة، وتحديدا السعودية والإمارات، التي إذا ابتلعت على مضض نجاح الثورة السورية في الوقت الذي كانت تحاول فيه إعادة تأهيل بشّار، فإنّها تسارع الآن إلى احتواء هذا الوضع الجديد وستدفع بقوة نحو وضع يشبهها في الاستبداد والشمولية ويشبه المنظومة العربية منذ كذبة “الاستقلال”.
– لأنّ الأمة في سورية عاشت تحت حكم شمولي استبدادي لأكثر من نصف قرن، واعتادت على نظام الحزب الواحد و”القيادة” التي تقرر وتفعل ما تشاء، فهي لا تملك – إلّا من رحم ربّي – ثقافة العمل السياسي والمشاركة السياسية والحراك الجماهيري وبناء الأحزاب وممارسة الرقابة والاحتساب على السلطة. والواجب على النخبة التي وصلت إلى هذا الوعي أن ترشد غيرها وتبثّه في الناس لحماية منجزات أمة نزفت دماء ودمارًا للتحرّر من طاغية مجرم.
– لأنّ هناك جيش من الدعاة “الإسلاميين”، بعضهم ذوو هوى سلفي معاصر ومشوَّه، يروّجون لأطروحة “طاعة أولي الأمر” في نظام الدولة العلمانية المعاصرة، وإلى اختزال الجماعة بالسلطة، وإلى أنّ واجب الأمة الطاعة المطلقة في كل حال، وأن الأحزاب والجماعات تفرّق مذموم، وأنها قد لا تعرف تفاصيل الأمور فالواجب عليها الثقة والتسليم لولي الأمر يفعل بمقدّراتها ما يشاء وكما يشاء!
من أجل ذلك كله، فإنّ أحسن ما يدعو إليه الدعاة المسلمون قبل غيرهم من حملة الفكر الليبرالي والعلماني هو ترسيخ قيم الشورى ومشاركة الأمة ودورها في التغيير وفي أطر الحاكم على الحقّ والعدل والأخذ على يده إن اتجه إلى طريق منحرف أو وجدته يمضي في أحضان قوى خارجية تحقق مصالحها لا مصالح الأمة. ومن غير وجود هذه القيم وغرسها في شريحة قوية كافية من الشعب، فإنّ منجزات الثورة السورية كلها في خطر.
(*) كاتب ومترجم وباحث في الفكر والأدب.