السنن الإلهية في تغيير المجتمعات في ضوء القرآن

رسالة ماجستير من إعداد: أيمن بن نبيه بن غنام المغربي

عرض ونقد: د. عطية الويشي

على امتداد قرون عديدة، لم يلق موضوع السنن، الإلهية والربوبية، عناية واهتمامًا إلا من خلال مدرسة المنار مع بدايات القرن الرابع عشر الهجري، تلك المدرسة التي وإنْ أسَّست لمساق علمي متخصص نسجت على منواله مؤلفات بين فترة وأخرى من التاريخ المعاصر، وبرغم وجود معطيات دراسية غير قليلة حول موضوع السنن… لكنَّ طبيعة الإنتاج العلمي والفكري في هذا المساق، كَمًّا ونوعًا، لا تُسَوِّغُ لأحد ادِّعاءَ أنَّ المسلمين قد توفروا على نظرية متكاملة في فقه السنن، أو أنّنا قد تمكنّا من تأصيل علمٍ مستقِلٍّ بذاته في هذا التخصص المتعلق بمصيرنا الحضاري؛ الأمر الذي وضعنا أمام تَحَدّيات علمية حقيقية، من أجل سبر غور موضوعات القضايا السننية التي باتت تتجدد كلما مرت بالأمة المسلمة أزمة أو ألمَّتْ بها مُلمِّةٌ.

وبطبيعة الحال، جعلت الدراسات الإسلامية والأعمال الفكرية تتجاوب مع تلك التحديات، فراحت تشتبك مع الفكر السنُّنَي بصورة أو بأخرى في مختلف البيئات الفكرية والعلمية والثقافية العامة… حتى لقد صار موضوعُ السنن، من فرط الاهتمام وشغف الباحثين فيه، أحد المسارات التي صارت مجالاً للتداول الثقافي العام في واقعنا المعاصر، فتألفت الكتب ودُبِّجَتْ المقالات وقدمت الخطط البحثية في حقل الدراسات الأكاديمية العليا؛ بغرض ملء الفراغات الحادثة بحقل الدراسات المعنية بموضوع السنن.

ومن الدراسات التي نعرض لها في هذا السياق: دراسةٌ اكاديمية تحمل عنوان: «السنن الإلهية في تغيير المجتمعات في ضوء القرآن الكريم جمعًا ودراسة»، والدراسة عبارة عن رسالة قُدِّمَتْ من الباحث: أيمن بن نبيه بن غنام المغربي، خلال العام الدراسي 1427ه/1428ه؛ لنيل درجة الماجستير من قسم الكتاب والسنة في كلية الدعوة وأصول الدين – جامعة أم القرى. بإشراف من الأستاذ الدكتور: محمد بن عمر بازمول.

وقد عولجت الفكرة المركزية للدراسة ضمن حدود بابين، يتفرّع عنهما مجموعة فصول، فضلاً عن التمهيد، والمقدمة، والخاتمة.

وقد أفصحت الدراسة عن أهدافها التي تتلخّص، بحسب قرَّرَتْه، في النقاط التالية:

  • ترسيخ مفهوم قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} الرعد: 11، في أذهان الناس، فالتغيير يبدأ من النفس، فإذا وجدت الأسباب فالنتائج تتبعها؛ إذ أن حدوث التغيير من الله عز وجل مترتب على حدوثه من البشر سلبًا وإيجابًا.
  • شرح السنن الإلهية في تغيير المجتمعات للناس وتوضيحها لهم والمتمثلة في هذا البحث بخمسٍ من السُّنن.
  • تصحيح المفهوم الخاطئ لدى بعض الناس من أن ما يقع في هذا العالم من حوادث ومجريات إنما يقع صدفة أو خبط عشواء؛ وإنما يقع ذلك وفق سنن إلهية ثابتة لا تحيد ولا تميل ولا تخرج عن مقتضاها.

وفيما اشتملت المقدمة على أهمية الموضوع وسبب اختياره وخطة البحث ومنهج الباحث فيه. فقد تطرق التمهيد إلى بيان المراد بكل من «السنن الإلهية» و«تغيير المجتمعات».

 وقد اختص الباب الأول ببيان «أساليب السنن الإلهية وخصائصها ومظاهر مواردها في القرآن الكريم»؛ وذلك من خلال أربعة فصولٍ:

الفصل الأول: أساليب القرآن الكريم في بيان السنن.

الفصل الثاني: خصائص السنن الإلهية.

الفصل الثالث: مظاهر موارد السنن في القرآن الكريم.

الفصل الرابع: كيفية الاستفادة من السنن في التغيير.

وقد عُنِيَ البابُ الثاني بـ«عرض السنن الإلهية في تغيير المجتمعات»؛ وذلك من خلال خمسة فصول، قد اختص كُلُّ فصلٍ بعرض سنة من تلك السنن التي عُدَّتْ في اعتبار الرسالة سُنّنًا في تغيير المجتمعات؛ وهي:

الفصل الأول: سنة الله في الهدى والضلال.

الفصل الثاني: سنة الله في النصر والهزيمة.

الفصل الثالث: سنة الله في الأمن والخوف.

الفصل الرابع: سنة الله في الرزق.

الفصل الخامس: سنة الله في السعادة والشقاوة.

وقد تضمنت الخاتمة أهم النتائج والتوصيات التي انتهى إليها الباحث، والتي من أهمها:

  1. أن التغيير لا يتحقق إلا بتغيير الأفراد ولو بجزء قليل منهم فلا يشترط أن يتحقق التغيير في كل الناس.
  2. أن تتصف هذه القلة التي يتحقق بها التغيير بصفات معينة على رأسها الإيمان العميق بالله والإعداد الجيد للتغيير والتنظيم المحكم والتخطيط الدقيق.
  3. أن يعمل العلماء والدعاة في الأمة على نشر هذه السنن بين الناس وجعلها ثقافة عامة في المجتمع، وتربية الناس عليها وتذكيرهم الدائم بها. كما يجب عليهم بث روح التفاؤل والأمل والعمل والإيجابية، وتقديم النماذج المشرقة التي تصلح أن يقتدي بها الناس ويلتّفون حولها.

 

أهم الأفكار والموضوعات التي درات حولها الدراسة:

تتلخص الفكرة الجوهرية للدراسة في بيان السنن التي يمكن التوسل بها من أجل إحداث التغيير المجتمعي؛ وذلك على أنوار الآية الكريمة {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} الرعد: 11. وتحت هذا العنوان الكبير تفرعت موضوعات الدراسة محاولة تغطية ذلك العنوان من خلال بابين رئيسيين يتفرع عنهما فصول ومباحث؛

وفي سياق بيان المفاهيم والمصطلحات، ركزت الدراسة على النظر إلى السنة باعتبارها قانونًا ربانيًّا في الوجود متاحة لكل إنسان ولا تتبع عقيدة أحد من البشر، أمؤمن هو أم ملحد؟ إلا ما كان من السنن الخاصة بالمؤمنين أو الكافرين. وإنما

وقد اعتمدت الدراسة مفهوم السنن باعتبارها معادلاً موضوعيًّا لقانون الله العادل في الخلق، والمؤثر في حياة الناس، والذي لا يحابي أحدًا. ويعز الله الأمم حين تأخذ بسنن العزة والتمكين، ويذيقها من جزاء ما عملت حين تركن إلى الباطل والهوان، وهذا هو المشاهد في تاريخ الأمم. ولعل من ذلك الأمة الإسلامية التي أنعم الله عليها بالتمكين والاستخلاف والتأمين وفتح عليها بركات من السماء والأرض كما وعدها خلال فترة من التاريخ. ويوم أن تخلت عن السنن التي وصلت بها إلى هذا المقام تغير حالها من الاستخلاف والتأمين إلى الضعف والهوان، وصارت إلى الصورة التي هي عليها الآن.

وقد عُنِيَتْ الدراسة كذلك بتشريح فكرة التغيير حتى خلصت إلى اصطلاح على التغيير مفاده أنَّ وتغيير الله لحالة الناس لا يكون نتيجة لتغيير جميع الناس لحالتهم فحسب، بل قد يحصل التغيير الإلهي بسبب التغيير الحاصل من بعضهم دون بعض {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} الرعد: 11؛ إذْ أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه لا يغير ما بقوم حتى يقع منهم تغيير إما منهم أو من الناظر لهم أو ممن هو منهم بسبب كما غير الله بالمنهزمين يوم أحد بسبب تغيير الرماة بأنفسهم إلى غير هذا من أمثلة الشريعة فليس معنى الآية أنه ليس تنزل بأحد عقوبة إلا بأن يتقدم منه ذنب بل قد تنزل المصائب بذنوب الغير ،كما قال صلى الله عليه وسلم، وقد سئل أنهك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم إذا كثر الخبث»([1]).

وفي المقابل، فإنَّ التغيير من جانب الناس لا يلزم أن يكون من حالة أحسن إلى حالة أسوأ، أو العكس، بل قد يكون من حالة أحسن إلى حالة أحسن منها، أو من حالة أسوأ إلى حالة أسوا منها.

وإجمالاً، فإنَّ القوانين الكونية التي جعلها الله تعالى في تبدل أحوال الناس وأمورهم إلى الأحسن أو الأسوأ بحسب ما يصدر منهم وفق علمه سبحانه وإرادته وحكمته.

وفي سياق بيان أساليب القرآنية في الكشف السنن الإلهية، عُنِيَتْ الدراسة بتبيان خصائص تلك السنن، والإرشاد إلى مظانّ مواردها سواءً في القصص القرآني أو في الأمثال أو الآيات المشتملة على ربط الأسباب بالمسببات أو ما يُعرِفُ بِـ«قانون السببية»؛ ولقد كانت تلك التبيينات بمثابة إضاءات تسهيلية تيسّر عملية البحث والاستدلال على تلك وجود السنن واكتشاف آليات عملها في المجتمعات بطريقة منهجية.

وقد ذهبت الدراسة إلى بيان كيفية الاستفادة من السنن الإلهية في تغيير المجتمعات انطلاقًا من فرضية علمية متأسسة على الاعتقاد بأن هذه السنن جعلها القرآن الكريم قوانين للتغيير، وإن الناظر إلى القرآن الكريم بتدبر وعمق يرى دلالة القرآن القاطعة على أن كل شيء يحدث بسبب، ولاسيما إذا كانت الأحداث متعلقةً بالمجتمعات البشرية. و«ربط الأسباب بمسبَّباتها»، وتهيئة المجال التفاعلي لهذه المنظومة السببية، وتوفُّر «الهمة العالية والإرادة القوية في التغيير»، محذرةً من أنَّ «طلب النتائج من غير مقدمات مذموم»، ومؤكِّدةً على ضرورة «دراسة السنن وفهمها فهمًا عميقًا»، باعتبار أنَّ «دراسة السنن الإلهية دليل العقل والفهم»؛ والدراسة في كل ذلك تؤكّد على ضرورة توافر الشروط لعمل الأسباب، فإنَّ المتدبر لكتاب الله تعالى يجد أن من أركان تهيئة الأسباب لوقوع ما قدره الله عز وجل هو: أن تتوفر لهذه الأسباب شروط عملها، وأن تنتفي عنها الموانع التي تعيق عمل هذه الأسباب؛ فالأكل، مثلاً، هو سبب للغذاء والشبع واستدامة الحياة، ولكن بشرط سلامة أعضاء الإنسان الضرورية لتلقي الطعام والاستفادة منه، وانتفاء الموانع؛ أي انتفاء العوائق التي تعيق عمل هذه الأعضاء في انتفاعها من الأكل.

وفي سياق الباب الثاني، جاءت الفصول مستعرضةً السنن الإلهية في تغيير المجتمعات والآيات التي تحدثت عنها، مثل: سنة الله في الهدى والضلال، وسنة الله في النصر والهزيمة، وسنة الله في الأمن والخوف، وسنة الله الرزق. وسنة الله في السعادة والشقاوة.

وقد انتهت الدراسة إلى حزمة من الخلاصات التي يمكن أن تعطي صورةً عامة عن غاية مسارات هذه الدراسة، نوجز أهمها فيما يلي:

  • أن السنن الإلهية في تغيير المجتمعات هي: القوانين الكونية التي جعلها الله تعالى في تبدُّل أحوال الناس وأمورهم إلى الأحسن أو الأسوأ، بحسب ما يصدر منهم وفق سابق علمه سبحانه ومقتضى إرادته وحكمته.
  • بيان عناية القرآن الكريم بالسنن الإلهية عناية فائقة تتضح من تعدد أساليبه في بيانها؛ فتارة يصرح بالسنة بأسلوب مباشر، وتارة يعرض لها بأسلوب غير مباشر؛ يفهم من

الآيات، دلالة وفحوى، وذلك بترتيب نتيجة ما بناءً على شرط معين أو خبر معين، أو بذكرها في سياق قصة معينة أو في الحديث عن شأن من شؤون الكفار أو الأمم السابقة.

  • تغيير الله لحالة الناس لا تكون نتيجة لتغيير جميع الناس لحالتهم فحسب؛ بل قد يحصل التغيير الإلهي بسبب التغيير الحاصل من بعضهم دون بعض؛ حتى لو كان هذا البعض قليلاً. وهؤلاء في كل وقت وحين؛ هم الذين تنتقل بهم الحضارات من أطوار الضعف والذلة والهوان إلى أطوار العزة والمنعة والسيادة.
  • كيفية الاستفادة من السنن الإلهية في التغيير تعتمد اعتمادًا كليًا على قانون السببية المتمثل في ربط الأسباب بمسبباتها ووجوب الأخذ بها، كما أنها تعتمد على قانون التهيئة وهو ما هيأه الله من أسباب يقع بها ما أراده من أمور، بشرط أن تتوفر لهذه الأسباب شروط عملها وأن تنتفي عنها الموانع المعيقة لهذا العمل. ولكنه في الوقت ذاته لا يُتوجّه إلى هذه الأسباب بالعبادة بحيث يُعتقد فيها أنها مستقلة بالفعل؛ وبذلك يتبين لنا أن الله أراد من خلقه عمومًا، ومن المسلمين على وجه الخصوص، أن يتخذوا من «قانُونَي السببية والتهيئة» أصلا ً يتعاملون على أساسه، وهم يمارسون حياتهم بشرط واحد؛ وهو أن يكون راسخًا في قلب الأمة أن الأسباب إنما هي من خلق الله، وأننا مأمورون بأخذها، وأن اصطناعها لا يكون عبادة لها؛ إذ ليس من الضرورة أن تفضي بهم هذه الأسباب إلى نتائجها.

 

المنهجية العامة للدراسة:

تبنَّتْ الدراسة المنهج الوصفي التحليلي؛ إذْ عُنِيَ الدراسة بجمع ما يتعلق بالسنة الواحدة من الآيات مستنبطةً العلاقة بين هذه السنة والآيات المندرجة تحتها، مسترشدةً في ذلك بأقوال أهل العلم والاختصاص؛ وذلك في محاولة الخلوص إلى تقرير «السنة» وطبيعتها، وأسبابها ونتائجها، وأثرها على الأفراد والجماعات.

 

وقفة نقدية:

ومن خلال الاستقراء المستفيض في موضوعات هذه الدراسة المهمة، لاحت بعض الملحوظات، التي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

  • أهملت الدراسة استعمال مصطلح «الربوبية» وهو الأدق بديلاً عن مصطلح «الربانية» في سياق دراسة السنن والقوانين المتعلقة بأفعال الله في خلقه، ومعاملة الناس الربَّ جل وعلا وفق تلك السنن والقوانين.
  • لم تتوفر الدراسة على تحديد مفهوم واضح للسنن المعنية بالتغيير، أي السنن الاجتماعية، وهو الأمر الذي أحدث شرخًا في التأسيسات الهيكلية الدراسة!
  • من البديهيات المنهجية أن تتطرق الدراسة في التمهيد إلى السنن الشرطية أو السنن الوسيطة، وأهميتها في إحداث عملية التغيير، لكنَّ شيئًا من ذلك لم يحدث، إلا تلميحًا في بعض المواطن؛ وهذا من أبرز المآخذ الدراسة.
  • في سياق بحث الدراسة كيفية الاستفادة من السنن الإلهية في تغيير المجتمعات، الفصل الرابع من الباب الأول مثالاً، لم يأت ترتيب عناصر هذه الكيفية بطريقة متسلسلة منطقيًّا، إذْ نلحظ أنَّ الدراسة أخَّرَتْ، مثلاً، عنصر دراسة السنن الإلهية دليل العقل والفهم بينما كان يتعيّن تصدير فصل «الكيفيات» به. وكذلك قَدَّمَتْ الدراسة عناصر السببية في فهم عمل السنن على دراسة تلك السنن وفهمها… ولعل هذه المنهجية المضطربة قد ألقت بظلالها على الباب الثاني برمته، والذي تناول نماذج من السنن المتعلقة بالتغيير بصورة غير مترابطة أو متلازمة بتعبير أدقّ بحيث إنَّ سنة تُسلم سنة وعمل سنة يفضي بداهة لعمل سنة أخرى.
  • في سياق معالجة الباب الثاني، وبينما راحت الدراسة تستعرض السنن الإلهية في تغيير المجتمعات، تطرقت إلى سنة الله في الرزق، ولم توف الدراسة موضوع سنن الرب جل وعلا في رغد العيش وضنك المعيشة؛ باعتبارهما مجالان متقابلان في ميدان التغيير. ولا سيما دور الحكومات في تفعيل سنة الله في التماس الأرزاق وتوفير المكاسب وصيانة الموارد والتبذير والإسراف والتبديد، وسن الله في اعتماد المجتمعات على مواردها بعيدًا عن الاستدانة والوقوع تحت سلطان غير الله.
  • برغم تنويه الدراسة بأنَّ سنن الله في تغيير المجتمعات لا تحابي، فإنَّ الدراسة نوَّهت بأنَّ الكفر من أسباب ضيق الرزق، وهذا يتناقض مع الفهم القرآني للسنن؛ فالكفر ليس موجبًا لانقطاع الزرق بل قد يُرْزَقُ الكافر بزيادة عن غيره لأنَّ فطرته هدته إلى أسباب الرزق، فتوسعت أسباب رزقه إلى درجة الغني والاكتناز الذي تمكّن به من إقراض المسلم وإذلاله تحت طائلة الديون.
  • من المآخذ الواضحة على الدراسة أنها لم تجعل لكل بابٍ تمهيدًا وخلاصةً، ولاسيما الباب الثاني الذي بدت موضوعات فصوله أقرب ما تكون بالدراسات المستقلة بذاتها عن الأخرى؛ فلربما كان ذلك من أسباب تكامل الصورة العامة عن فكرة الدراسة.
  • اتسمت الخاتمة بالتشتت، فقدمت ما ينبغي تأخيره، وأخَّرت ما يتعين تقديمه؛ فعلى سبيل المثال، جاءت مفهومية السنن ضمن تراتبية متأخرة ضمن خلاصات الدراسة ونتائجها، كما تطرقت الخلاصة إلى عناية القرآن بالسنن وأساليب عرضها في ترتيب لا يتسق مع تسلسل الفكرة وعلاجها في متن الدراسة.
  • لوحظ خلو النتائج والتوصيات من أية إشارة إلى موضوعات الباب الثاني، الذي من المفترض أنه يمثل محاور النشاط السنني في حركة تغيير المجتمعات!
  • وبوجهٍ، عام لوحظ أنَّ ضعف الأسلوب في بعض المواطن، وركاكة بعض العبارات… قد قللت فرص الاستفادة المثلى من هذه الدراسة المهمة.

 

القيمة العلمية للدراسة:

من خلال الاستقراء المتأمل في التفاصيل المندرجة تحت عناوين الدراسة، سنلمس الجهود العلمية الحثيثة التي راحت تنسج بكل إصرار خيوط موضوعٍ يتعلق بواحد من أهم متطلبات النهوض الحضاري الإسلامي من عثرته التي استدامت قرنًا من الزمان.

ولعل من جوانب التميز في الدراسة طرقها المنهجي لموضوعات السنن في القرآن الكريم، ومحاولة ربطها بتطبيقاتها من السيرة، وتضمين عوامل إنتاج معطيات القدرة على استعادة المنهج النبوي في التعامل مع سنن الله التشريعية والاجتماعية والكونية… في محاولة هادفة إلى توفير وسائل تغيير الواقع الحضاري للأمة على أضواء الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه.

وبرغم اقتصار الرسالة على مجموعة محددة من السنن، لكنها كانت بمثابة خطوة موضوعية لها ما بعدها من الجهود التكميلية.

 

الخاتمة:

مهما يكن من شأن الدراسات في حقل السنن بيد أنها، إذا تضافرت جميعًا لا يمكن القطع بكونها بلغت حدَّ الإلمام الكافي والإحكام الذي يسوِّغُ لنا الادعاء بتأسيس نظرية فقهية متكاملة في علم السنن. ولعل الرسالة التي بين يدينا من أبرز الشواهد على أنَّ أبلغ ما توصف به غالبية الدراسات الأكاديمية في حقل السنن أنها في طور «المحاولات البحثية» التي لم تتجاوز حدود التمحور حول التعريفات والمفاهيم والمصطلحات والتصنيف الموضوعي والمعالجات الخالية من الأبعاد العملية أي ما يمكن تسميته «السنن التفعيلية» أو «سنن تفعيل السنن».. الأمر الذي يغري بتجديد دعوة أصحاب الهمم مِمَّن يأنسون في أنفسهم القدرة على إرواء هذا الحقل الظامئ بالمؤلفات النوعية المتميزة، التي يمكن أن تُسهم في سدِّ الثغرات وتكامل الجهود العلمية والفكرية حتى يصير موضوعُ السنن علمًا مستقلاً بذاته له آثاره العملية الخليقة باستئناف الفعل الحضاري اللائق بخير أمة أخرجت للناس!

 

([1]) رواه الترمذي عن زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، حديث: 2187، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

اترك تعليق

  1. يقول صلاح:

    (((ما لا يفسد الصيام أصالة ومعاصرة)))
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين
    اللَّهُمَّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل ابراهيم إنك حميد مجيد
    باب مالا يفسد الصوم
    (نور الإيضاح ونجاة الأرواح)
    وهو أربعة وعشرون شيئا:
    ١ – ما لو أكل. ٢ – أو شرب. ٣ – أو جامع ناسيا.
    وإن كان للناسي قدرة على الصوم يذكره به من رآه يأكل وكره عدم تذكيره.
    وإن لم يكن له قوة فالأولى عدم تذكيره:
    ٤ – أو أنزل بنظر. ٥ – أو فكر وإن أدام النظر والفكر.
    ٦ -[أو ادهن] ٧ – أو اكتحل ولو وجد طعمه في حلقه.
    ٨ – أو احتجم. ٩ – أو اغتاب.
    ١٠ – أو نوى الفطر ولم يفطر.
    ١١ – أو دخل حلقه دخان بلا صنعه.
    ١٢ – أو غبار ولو غبار الطاحون.
    ١٣ – أو ذباب.
    ١٤ – أو أثر طعم الأدوية فيه وهو ذاكر لصومه.
    ١٥ – أو أصبح جنبا ولو استمر يوما بالجنابة.
    ١٦ – أو صب في إحليله ماء.
    ١٧ – أو دهنا.
    ١٨ – أو خاض نهرا فدخل الماء أذنه.
    ١٩ – أو حك أذنه بعود فخرج عليه درن ثم أدخله مرارا إلى أذنه.
    ٢٠ – أو دخل أنفه مخاط فاستنشقه عمدا وابتلعه. وينبغي إلقاء النخامة حتى لا يفسد صومه على قول الإمام الشافعي.
    ٢١ – أو ذرعه القيء وعاد بغير صنعه ولو ملأ فاه في الصحيح.
    ٢٢ – أو استقاء أقل من ملء فيه على الصحيح ولو أعاد في الصحيح.
    ٢٣ – أو أكل ما بين أسنانه وكان دون الحمصة.
    ٢٤ – أو مضغ مثل سمسمة من خارج فمه حتى تلاشت ولم يجد لها طعما في حلقه.
     (((أحكام معاصرة)))
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وتابعيهم بإحسان أما بعد:

    فالأمور التي تفطر الصائم منها ما هو متفق على كونه مفطرًا بين العلماء، ومنها ما هو مختلف فيه؛ قال الإمام ابن رشد رحمه الله: وأجمعوا على أنه يجب على الصائم الإمساك زمان الصوم عن المطعوم والمشروب والجماع، لقوله تعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الْصِّيَامَ إلَى الَّلَيْلِ [البقرة:187]. واختلفوا من ذلك في مسائل منها مسكوت عنها، ومنها منطوق بها. أما المسكوت عنها: إحداها فيما يرد الجوف مما ليس بمنفذ، وفيما يرد الجوف من غير منفذ الطعام والشراب مثل الحقنة، وفيما يرد باطن سائر الأعضاء ولا يرد الجوف مثل أن يرد الدماغ ولا يرد المعدة.
    وسبب اختلافهم في هذا هو: قياس المغذي على غير المغذي، وذلك أن المنطوق إنما هو المغذي، فمن رأى أن المقصود بالصوم معنىً معقول لم يلحق المغذي بغير المغذي، ومن رأى أنها عبادة غير معقولة وأن المقصود منها إنما هو الإمساك فقط عمَّا يرد الجوف سوّى بين المغذي وغير المغذي…….
    ولعل من المناسب القول بأن الفقهاء قد اختلفوا قديمًا وحديثًا حول قضايا طبية كالقطرة والحقنة… إلخ ، وقد ناقش مجمع الفقه الإسلامي في دورته العاشرة المنعقدة سنة 1997م بجدة موضوع المفطرات للصائم وخلصوا إلى القرار التالي:
    أولاً: الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات:

    1- قطرة العين، أو قطرة الأذن، أو غسول الأذن، أو قطرة الأنف، أو بخاخ الأنف، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.

    2- الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية وغيرها، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق. 3- ما يدخل المهبل من تحاميل لبوس ، أو غسول، أو منظار مهبلي، أو إصبع للفحص الطبي.

    4- إدخال المنظار أو اللولب ونحوهما إلى الرحم.

    5- ما يدخل الإحليل، أي مجرى البول الظاهر للذكر والأنثى، من قثطرة (قسطرة) أنبوب دقيق أو منظار، أو مادة ظليلة على الأشعة، أو دواء، أو محلول لغسل المثانة.

    6- حفر السن، أو قلع الضرس، أو تنظيف الأسنان، أو السواك وفرشاة الأسنان، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.

    7- المضمضة والغرغرة، وبخاخ العلاج الموضعي للفم، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.

    8- الحقن العلاجية الجلدية أو العضلية أو الوريدية، باستثناء السوائل والحقن المغذية.

    9- غاز الأوكسجين.

    10- غازات التخدير البنج ما لم يعط المريض سوائل محاليل مغذية.

    11- ما يدخل الجسم امتصاصًا من الجلد، كالدهون والمراهم واللصقات العلاجية الجلدية المحملة بالمواد الدوائية أو الكيميائية.

    12- إدخال قثطرة (قسطرة) أنبوب دقيق في الشرايين لتصوير أو علاج أوعية القلب أو غيره من الأعضاء.

    13- إدخال منظار من خلال جدار البطن لفحص الأحشاء أو إجراء عملية جراحية عليها.

    14- أخذ عينات خزعات من الكبد أو غيره من الأعضاء ما لم تكن مصحوبة بإعطاء محاليل.

    15- منظار المعدة إذا لم يصاحبه إدخال سوائل محاليل أو مواد أخرى.

    16- دخول أي أداة أو مواد علاجية إلى الدماغ أو النخاع الشوكي. 17- القيء غير المتعمد، بخلاف المتعمد الاستقاءة

    ثانيًا: ينبغي على الطبيب المسلم نصح المريض بتأجيل ما لا يضر تأجيله إلى ما بعد الإفطار من صور المعالجات المذكورة فيما سبق.

    ثالثًا: تأجيل إصدار قرار في الصور التالية، للحاجة إلى مزيد من البحث والدراسة في أثرها على الصوم، مع التركيز على ما ورد في حكمها من أحاديث نبوية وآثار عن الصحابة.

    أ- بخاخ الربو، واستنشاق أبخرة المواد.

    ب- الفصد، والحجامة.

    ج – أخذ عينة من الدم المخبري للفحص، أو نقل دم من المتبرع به أو تلقي الدم المنقول.

    د – الحقن المستعملة في علاج الفشل الكلوي حقنًا في الصفاق البريتون أو في الكلية الاصطناعية.

    هـ – ما يدخل الشرج من حقنة شرجية، أو تحاميل لبوس أو منظار، أو إصبع للفحص الطبي.

    و- العمليات الجراحية بالتخدير العام إذا كان المريض قد بيت الصيام من الليل ولم يعطَ شيئًا من السوائل المحاليل المغذية. والله أعلم. نقلاً من مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الجزء الثاني.
    كما بحثت الندوة الفقهية الطبية التاسعة المنعقدة بالدار البيضاء موضوع المفطرات وخلصت إلى قرار مشابه لقرار المجمع، وأبدت وجهة نظرها في مسائل أخرى توقف فيها المجمع، حيث رأت أكثرية المجتمعين أن الأمور الآتية لا تعتبر مفطرة، وهي:

    1- قطرة العين، وبخاخ الأنف، وبخاخ الربو.

    2- ما يدخل الشرج من حقنة شرجية، أو تحاميل لبوس ، أو منظار، أو إصبع طبيب فاحص.

    3- العمليات الجراحية بالتخدير العام، إذا كان المريض قد بيّت الصيام من الليل.

    4- الحقن المستعملة في علاج الفشل الكلوي حقنًا في الصفاق الباريتون أو بالكلية الصناعية.

    5- منظار المعدة إذا لم يصاحبه إدخال سوائل أو مواد أخرى. هذا وللصيام أحكام كثيرة بينا بعضها هنا

    والله أعلم.
     

    1. يقول صلاح:

      اللَّهُم اغفر لنا وارحمنا واهدنا ورزقنا وعافنا