العلاقة بين العالم والمفكر

بقلم د. محمد يسري إبراهيم

الحمد لله وحده، وصلى الله على من لا نبي بعده، وبعد
‏⁧‫‬⁩
فإن ‏من ادعى أن أحدًا يستحق لقب مفكر في شأن من شئون الحياة فضلا عن شأن ديني شرعي دون أن يحصّل علما في ذلك الشأن فهو مخطئ واهم!
‏فمن لم يكن له علم واف بالاقتصاد لن يكون مفكرا اقتصاديا، ومن لم يكن له علم عميق بالإسلام لن يكون مفكرا إسلاميا!

 

‏وإنما الفكر إعمال للذهن في معلومات وتصورات ومعقولات ينتج مطالب ويحقق نتائج في مجال معين.
‏فإذا لم تكن هناك أولا علوم ومعارف أساسية في ذلك المجال، وما لم تكن تلك المعارف صحيحة ثانيا؛ فإن حركة الأذهان لن تنتج ما يمكن الثقة به، أو التعويل عليه.

‏فلا يكون المفكر مفكرا حتى يكون عالما قادرا على التفكير الإبداعي.
‏وقد يكون المرء عالما بمجال علمي ولا يكون مفكرا في ذلك المجال؛ لأنه لم يتمتع بقدرات ومهارات فكرية عالية تمكنه من إيجاد حلول لنوازله ومشكلاته، وإيضاح لغوامضه ومعضلاته، وتطوير ذلك العلم بإضافةٍ جديدة إلى بحوثه، ومزيد تحرير لمسائله، وتحليل لقضاياه، واكتشاف علاقاته بغيره من العلوم.

‏والخلاصة:
‏كل مفكر في مجال ما ينبغي أن يكون عالما به أولا.
‏ولا يلزم أن يكون كل عالم في تخصص قد وصل درجة من الإبداع الفكري تجعله يحمل لقب مفكر.
فكل مفكر عالم ولا عكس.

‏وإطلاق لقب مفكر ينبغي أن يكون مقيدا بمجال محدد، فمن درس علم الاجتماع وسنن التغيير الاجتماعي وأبدع فيه كان مفكرا اجتماعيا، ومن درس السياسة وعلمها وأسهم في تطويرها وحل معضلاتها كان مفكرا سياسيا.

وهكذا يتضح أن من ادعى أنه يحمل لقب مفكر في كل العلوم والمجالات فهو إما إلى العبقرية إن كان بحق، وهو من الندرة بمكان!
أو إلى الجهل والادعاء إن كان مبطلا، وما أكثر الدعاوى وأهلها!

وأخطرها ما انتسب فيه صاحبه إلى الإسلام وهو خاوي الوفاض من علومه وأصوله، فإذا تكلم فهو إلى الانحراف والعطب أقرب، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

وأخيرا فإن كل فكر هندسي أو طبي أو فني لا يراعي الثابت من الأحكام والضوابط الشرعية؛ لا يسمى اجتهادا ولا يكون تجديدا، لاسيما ما يرتبط ويتأثر بالعلمانية القاضية بعزل الدين عن الحياة؛ فهو على هذا النحو مردود، وغير محمود.

وفق الله العلماء العاملين، والمفكرين النابهين، وسدد منهم الرأي والقول والعمل، والحمد لله رب العالمين

اترك تعليق