جاهد بالسنن .. كلمة حق أريد بها باطل!!

بقلم د. عبد الله غالب الحميري(*)

نعم .. كلمة حق رفعها مخذِّل قاعد، ومتعالم جاهل، ومتطاول مغرور .. في وجه حماة ثغر الأمة وأسود عرينها؛ مزريًا بإعدادهم وإثخانهم في الأعداء، وغامطًا بها ومستهينًا برباطهم ومصابرتهم وجهدهم وجهادهم منذ عشرين عاما!!

ما أقبح التعالم والغرور!!

وما أوقح تطاول النكرات الصغار وإزرائهم بجهود العظماء الكبار التي تنحني أمام عزائمهم وشجاعتهم وإعدادهم أعتى قوى الأرض!!

👈🏻 جاهد بالسنن .. كلمة قالها من لا يفقه سنن الله تعالى في التغيير والمدافعة للأعداء، وقواعد مناهضة البغي والظلم وعدم الاستكانة والاستخذاء للمستكبرين في الأرض؛ ولا يفقه معنىً لقول العزيز الكبير: {وَالَّذينَ إِذا أَصابَهُمُ البَغيُ هُم يَنتَصِرونَ﴾ [الشورى: ٣٩].

نعم يقولها اليوم من لا يُقدِّر جهد مَن أفنوا أعمارهم في استجلاء سنن الله تعالى، بالبحث عن أسباب النصر والسعي الجاد في ابتغاء القوم والتهيئ الطويل لمنازلتهم!!

ويرددها من أقعدتهم عقيدة الإرجاء والإخلاد إلى الأرض، واستحوذ عليهم حبُّ الدعَة وإيثار السلامة وحياة الدون، عن مجرد التفكير في بلوغ ذورة سنام الإسلام ونيل الغاية التي لا يقنع بدونها أولوا العزم من البشر!!!

👈🏻 جاهد بالسنن .. يقولها مخذِّل رعديد؛ ومتفيهق خوار، لأناس لم يفتَّ في عضدهم أو يوهن عزائمهم: ضراوة الحصار المضروب عليهم من ست عشرة سنة، ولا شدة العدو وكثرة جواسيسه ودقة أجهزة استخباراته، ولا خِذلان الأصدقاء، ولا ظلم ذوي القربى، ولا قلة المساعد وضعف الأسباب والوسائل، ولا ضغط واقع الذل وإجبار الشعوب على القبول به والتطبيع عليه؛ كل ذلك وغيره لم يقعدهم عن الإعداد والاستعداد، والعزم والمصابرة والتخطيط ليوم النزال هذا!!

فعن أي عقيدة وأي سنن تتحدث أيها المهزوم المخذول؟!!

وهل وصل القوم إلى ما وصلوا إليه وفعلوا ما لم تفعله جيوش المسلمين إلا بعقيدة راسخة، ويقين جازم، وإرادة صلبة، يتحطم أمام صلابتها وإصرارها كل وهْن وجبن وخذلان؟!

ولا يقف دون مضائها وإبائها شيء!!

هل رأيت إيمانًا وثباتًا وشجاعة وصمودًا ورضىً عن الله وتعلقًا به أعظم من إيمان وثبات وطمأنينة وعزة شعب غزة رجالًا ونساءً وأطفالًا؟!!

هل سمعت قط امرأة أو طفلًا غزاويًا يستغيث بغير الله؛ أو ينادي يا علياه؛ يا حسيناه؛ يا بدوياه يا يا يا …. أو سمعت أذنك عن وجود حسينية، أو مزارٍ يتمسح به أهل غزة حتى تعلمهم عقيدة من ربُّك، وما دينُك، ومَن نبيُّك؟!!

هل سمعت بكتائب حفاظ القرآن من الألوف المألفة من جميع شرائح المجتمع في غزة؛ لا سيما كتائب الجهاد والمهامات الخاصة؟!!!

وهل سمعت عن آلاف الحاملين منهم للشهادات العليا من مختلف التخصصات الشرعية والعلمية من جامعات غزة؟!!

وهل طرق سمعك الأصم، أو وقع بصرك الحسير على رؤية مئات البحوث العلمية المحررة، والرسائل الجامعية المحكمة من الماجستير والدكتوراه، في سائر فنون الشريعة وعلوم السنة عقيدة، وحديثًا، وتفسيرًا، وفقهًا، وغيرها؟!

ومنها رسائل فقه الجهاد وفقه الإعداد، وأحكام السلم والحرب، وفقه الحقوق والحريات، وفقه الأسماء والصفات، ووووغيرها، مما أُعدَّ ونوقش في جامعات غزة؟!!

هل تعلم أيها المتهوك المغرور أن مَن صنع طائرة القسام الانتحارية (زواري) وقذيفة الياسين 105، وصاروخ القسام، وصاروخ الأقصى، وصاروخ عبدو، وصاروخ القدس، وغيرها من الأسلحة المختلفة، بإمكانات لا تتخيل ضعفها؛ تخرجوا من كليات الشريعة، وحِلق المساجد، وجلهم من حفظة القرآن، وحملة الإجازات في القراءات، والخصصات الشرعية، وأيضًا لم تفارقهم سنة السوااااك طوال هذا الوقت … ولم يدرسوا في أمريكا، ولا روسيا، ولا الصين، ولا غيرها؟!!

وهل تعلم أن الجامعة الإسلامية، وجامعة الأزهر، وكلية العودة الجامعية، وغيرها من جامعات غزة من أفضل الجامعات على مستوى الوطن العربي عراقة وعطاءً وتصنيفًا علميًا؟!!

قطعًا أنت ومن على شاكلتك من الغامطين لا تعرفون عن شيءٍ من ذلك؛ ولا تريدون أن تعرفوا؛ ولن يَسمح لكم التعصب المقيت، والغرور المميت أن تعرفوا شيئًا من ذلك العطاء الباذخ والجهد المشرف للأمة!!

ومن عجبٍ إهداءُ تمرٍ لخيبرٍ ** وتعليمُ زيدٍ بعضَ علم الفرائضِ

ألا وإن من سنن الله تعالى المتمخضة عن الجهاد: سنة الغربلة والتمييز وصهر حقيقة الإيمان في النفوس.

 قال تعالى: {لِيَميزَ اللَّهُ الخَبيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجعَلَ الخَبيثَ بَعضَهُ عَلى بَعضٍ فَيَركُمَهُ جَميعًا…}، [الأنفال: ٣٧]،

وقال تعالى: {وَلَنَبلُوَنَّكُم حَتّى نَعلَمَ المُجاهِدينَ مِنكُم وَالصّابِرينَ وَنَبلُوَ أَخبارَكُم﴾ [محمد: ٣١]،

وقال: {أَحَسِبَ النّاسُ أَن يُترَكوا أَن يَقولوا آمَنّا وَهُم لا يُفتَنونَ﴾ [العنكبوت: ٢]

وفي ظل سنة الابتلاء والفتن والتمحيص يظهر المرجفون، والمخذلون،، والمرجئون، وغيرهم؛ لأن الجهاد عبادة شاقة، تكرهه جُلُّ نفوس البشر بطبعها وتميل إلى غيره؛ ولاحظ قوله تعالى:

{كُتِبَ عَلَيكُمُ القِتالُ وَهُوَ كُرهٌ لَكُم وَعَسى أَن تَكرَهوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لَكُم وَعَسى أَن تُحِبّوا شَيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُم وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمونَ}، [البقرة: ٢١٦].

وكل فريق من الناس يعبر عن كره نفسه للجهاد والإعداد ومنازلة الأعداء بطريقته الخاصة:

فالمتفيهق المخذول كحال هذا الشخص وأمثاله، يخرِّجه بمخرج الحرص على السنن والتوحيد وتعلم العلم والاكتفاء بذلك عن أي جهاد وجلاد!!!

وأهل الشهوات والدين الرخو، يخرجونه بمخرج مبدأ نشر قيم السلام والتسامح الديني والتعايش السلمي بين الشعوب!!!

وأهل الوهن والخور والاستسلام للواقع، يخرجونه بمخرج عدم مناسبة الظروف وعدم تكافئ القوى والإعداد!!!

ولسان حال الجميع: {لا طاقةَ لنا اليومَ بجالوتَ وجنوده}!

{.. وَقالوا رَبَّنا لِمَ كَتَبتَ عَلَينَا القِتالَ لَولا أَخَّرتَنا إِلى أَجَلٍ قَريبٍ قُل مَتاعُ الدُّنيا قَليلٌ وَالآخِرَةُ خَيرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظلَمونَ فَتيلًا}، [النساء: ٧٧]،

ويخرجه آخرون بمخرج الشفقة والتوجع على الضحايا البريئة؛ مع الذم والتثريب على أهل الجهاد، ووصمهم بالعجلة والتهور وووو: {غرّ هؤلاءِ دينُهم}!

مع أن الشعب يُقتَّل ليلَ نهار، ويعتقل بلا جريرة، وتهدم بيوتُهم، وتغتصب أرضهم، وتندس مقدساتهم دون أن يبكي أو يرثي لهم أحد!!!

ولكلًٍّ وجهة في كره الجهاد وتفسيره هو موليها، فإذا رأيتم هذه النماذج المثبطة المهزومة فتذكروا: قول الله تعالى: {كُتب عليكم القتالُ وهو كُرهٌ لكم}.

إن من قلة الفقه وضعفه أن يُختزل مفهوم العمل للإسلام في حلقة تعليم، أو محض تربية، أو منبر مسجد؛ أو أداء بعض الشعائر؛ وتعطل لأجل هذا الجزء كل ثغور الجهاد في الأمة وطاقاتها؛ من بناء ورباط؛ وتصنيع وإعداد وإعمار للحياة ووو …ويتحول مبدأ التكامل والتعاون الجمعي لمشروع الإسلام الكبير، إلى أوكار هدم، ومعاول تحطييم، ومسالخ بتر ومسخ لمفهوم الدين والتدين عند الأمة!!

{أَجَعَلتُم سِقايَةَ الحاجِّ وَعِمارَةَ المَسجِدِ الحَرامِ كَمَن آمَنَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَجاهَدَ في سَبيلِ اللَّهِ لا يَستَوونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهدِي القَومَ الظّالِمينَ} [التوبة: ١٩]،

{لا يَستَوِي القاعِدونَ مِنَ المُؤمِنينَ غَيرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالمُجاهِدونَ في سَبيلِ اللَّهِ بِأَموالِهِم وَأَنفُسِهِم فَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدينَ بِأَموالِهِم وَأَنفُسِهِم عَلَى القاعِدينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الحُسنى وَفَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدينَ عَلَى القاعِدينَ أَجرًا عَظيمًا * دَرَجاتٍ مِنهُ وَمَغفِرَةً وَرَحمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفورًا رَحيمًا﴾ [النساء: ٩٥- ٩٦].

وإن هذا الوباء والبلاء المستشري في جسد الأمة لهو من أشد صور نقض عرى الإسلام وتوهين قواعد الملة؛ وإضعاف كلمة الأمة وقوتها، وتسطيح وتغيير مفاهيم الشريعة، وقد أخبر عنه الصادق المصدوق مبكرًا، بقوله ﷺ: «لَتُنتَقَضَنَّ عُرى الإسلامِ عُروةً عُروةً، فكُلَّما انتَقَضَت عُروةٌ تَشَبَّث النَّاسُ بالتي تليها، فأَوَّلُهنَّ نَقضًا الحُكمُ، وآخِرُهنَّ الصَّلاةُ». [صحيح الجامع الصغير: (7214)].

والنقض أعم من الترك والجهل بالشيء، فهو يدل على أمر مقصود، وعمل متعمد مدروس، هدفه: تشويه وإسقاط ومحق كل المفاهيم والمصطلحات الشرعية أو استبدالها بغيرها، كتسمية الجهاد إرهابًا؛ ومقاومة المحتل تهورًا؛ وتسمية الذل والاستخذاء والهوان خيار السلام؛ والأعداء المحاربين أصدقاء؛ والدعوة لتحرير العقول من الخرافة، وقرار الأمة من التبعية للأعداء شقًا للصف وإثارة للفتنة؛ بمساعدة وتنظير وشرعنة هذا الفقه الإرجائي المخذل والمحبط لكل نهضة وحيوية في الأمة؛ حتى تبقى أمة خانعة مستكينة محبطة لا تقيم حقًا ولا تسقط باطلًا ولا ترد عدوًا ولا تسترد حقًا مسلوبًا؛

والقائمة في هذا طويلة جدًا، ولكن الله غالب على أمره لكن أكثر الناس لا يعلمون.


(*) أكاديمي وداعية يمني.

اترك تعليق

  1. يقول عبدالرحمن مصطفى:

    اللهم ثبت أقدام المجاهدين وسدد رميهم وبارك في علماء المسلمين العاملين للحق وبالحق.

  2. يقول عبد المجيد:

    فتح الله عليك يا شيخ ، أثلجت صدورنا بهذا المقال ، بوركت