رمضان مجمع الخيرات والبركات

✍🏻 سماحة الأستاذ المفتي محمد قاسم القاسمي(*)

أتانا شهر رمضان، شهر نزول القرآن الكريم، وشهر التلاوة والدعاء، وشهر الجود والسخاء، وشهر الفوز بسعادة الدارين، قد كان الصالحون لا يرون هلال شوال (العيد) إلا يحنّون ويشتاقون من فورهم إلى رمضان القادم، آخذين في عدّ الأيام لمجيئه. ثم حينما يحلّ عليهم شهر رمضان بعد أحد عشر شهرا، يغتنمون لحظاته، ويقضون كل لحظة منها كأنها آخر ساعة من حياتهم. جاعلين رمضانهم فرصة لتدارك ما فات والتزود لحياة الآخرة:
هذا الذي كانت الآمالُ تنتظرُ   ** فليُوفِ لله أقوامٌ بما نَذَروا

إنّ الخيرات والبركات التي تنزل خلال الشهور والمواسم الأخرى، ما هي -بالمقارنة مع ما ينزل في هذا الشهر- إلا كقطرة أمام البحر، فهذا الشهر مجمع الخيرات، ولأجل هذا اختاره الله تعالى لنزول القرآن الكريم الذي هو جامع للبركات وهدى وشفاء ورحمة للمؤمنين.

من أهمّ ما ينبغي الاهتمام به في شهر رمضان:

🔸 تلاوة القرآن الكريم
إنّ رمضان شهر القرآن الكريم، فجدير بنا أن نعزّز علاقاتنا مع القرآن في هذا الشهر خاصة، وأن نقضي أكثر أوقاتنا بالاشتغال بالقرآن، والاغتراف من معينه الدفّاق، تلاوة، وتدبرا، وحفظا، واستماعا في صلاة التراويح وقيام الليل.

🔸 الاهتمام بالنوافل
كما نحافظ على أداء الصلوات المكتوبة في الجماعة، ينبغي أن يهمنا أيضا في هذا الشهر أداء النوافل، وفي الحديث النبوي أن النافلة في رمضان تعدل الفريضة، كما أنها تكون سببا للتقرب إلى الله والحصول على حبه، ففي الحديث القدسي: «ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبّه…».

🔸 التصدّق والإنفاق
كان من دأب نبيّنا (صلى الله عليه وسلم) أنه يكثر من الإنفاق والإطعام في رمضان ويعطي الفقراء ويرحم الأيتام، فقد ورد في الحديث أنه (صلى الله عليه وسلم) كان في رمضان أجودَ بالخير من الريح المرسَلة. فلنحرص على المشاركة في تفطير الصائمين وتسحيرهم. مجتهدين لنيل السعادة واتباع النبي الكريم (صلى الله عليه سلم) عن طريق تفقد الفقراء والمساكين والمشاركة في الأعمال والمشاريع التطوّعية.

🔸 اجتناب المعاصي
إنّ اقتراف المعاصي والذنوب قبيح مذموم في كل الأحيان، وتترتب عليه آثار سيئة في الدنيا والآخرة، إلا أنه في هذا الشهر الفضيل يزداد قبحا وخطرا، لأن رمضان كحجر الأساس يُبنى عليه العام القادم، فقد قيل: إذا سلم رمضانُ للمرء، سلمت له السنةُ بكاملها إن شاء الله، كما أنه إذا مضى -ولا قدّر الله- في تشتّت حال وتوزّع بال فالسنة تكون كذلك. فحذار من الوقوع في مستنقع الغفلة والمعاصي، وتضييع هذه الساعات واللحظات المباركات.

🔸 الدعاء والتضرع
ينبغي أن يلقى الدعاء والتضرع اهتماما كبيرا منا في رمضان، كان المشايخ والسلف الصالح ينتظرون رمضان ليسألوا الله تعالى حاجاتهم الدينية والدنيوية، ولهم في هذا لطيفة، يقولون: “رمضان شهر الدعاء والطلب من الله”، خصوصا في أوقات السحر والإفطار. إن رمضان يمنحنا فرصة للدعاء والتضرع والإنابة إلى الله تعالى، يجيب الله دعوة الصائمين ويحقق أمانيهم الطيبة. فلنخصص ساعة من اليوم لهذا العمل المهم الذي يعتبر مُخّ العبادة. وكما نهتمّ بالدعاء لأنفسنا بالإصلاح والتزكية والهداية، كذلك نهتمّ بقضايا البلاد الإسلامية وأزماتها، ونخصص لها الدعاء، ولا ننسى أموات المسلمين في دعواتنا.

🔸 اغتنام العشر الأواخر
ينبغي أن نتعامل مع رمضان على أنه آخر رمضان في عمرنا. فليس أحد منا يعرف هل هو يعيش إلى رمضان العام القادم أم لا؟ وبما أننا في رحاب العشر الأواخر من الشهر المبارك، علينا أن نعزم على الاعتكاف في المساجد، حرصا على إدراك ليلة القدر. إن الاعتكاف فرصة لتزكية النفس، والاطّراح بين يدي الربّ، والتزوّد بالقربات، وشحن بطارية الإيمان، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ، وَشَدَّ الْمِئْزَر”. (متفق عليه).

أيّها الصائمون والصائمات! تعلمون أنّكم لم تذهبوا أنتم إلى الكنز والغنيمة، وإنما الغنيمة هي التي وافتكم وجاءتكم، ألا وهو شهر رمضان، وما عليكم إلا تقدير هذه الغنيمة والاستفادة المثلى منها، وإياكم والتقصير وأن ترضوا من الغنيمة بالإياب، بل نتنافس في المبادرة بالأعمال الصالحة، ولا نفوّت على أنفسنا الفرصة، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «يَنْظُر اللهُ إِلَى تَنَافُسِكُمْ فِيه فَيُبَاهِي بِكُمْ مَلائِكَتَهُ، فأروا اللهَ مِن أنفُسِكم خيرًا». (مسند الشاميين).

نرجو الله تعالى أن يوفّقنا للاستفادة من شهر رمضان فيما يحب ويرضى، وأن يجعل رمضان هذا العام مصدرا للتغيير الإيجابي في حياتنا وفي حياة الأمة الإسلامية جمعاء.
ولا حول ولا قوّة إلا بالله.

🗓️ رمضان المبارك 1444 هـ.


(*) مفتي دار العلوم بزاهدان – إيران.

اترك تعليق