سنة التدافع في ضوء القران الكريم

سنة التدافع في ضوء القرآن الكريم

عرض كتاب
سنة التدافع في ضوء القرآن الكريم
دراسة موضوعية
للباحث: خالد بن موسى الزهراني

أولًا الوصف الببلوغرافي:

يعد الكتاب في الأصل رسالة أكاديمية مقدمة من المؤلف خالد بن موسى الزهراني لنيل درجة الماجستير في التفسير وعلوم القرآن الكريم من كلية أصول الدين بجامعة أم القرى بالمملكة العربية السعودية في العام الجامعي 1428هـ/2007م، وذلك بإشراف الدكتور سليمان صادق البيرة.

تقع الرسالة في جزء واحد مكون من 380 صفحة، وقد اطلعتُ على نسخة إلكترونية أصلية ولم أجد نسخة مطبوعة في دار نشر، ويبدو أن المؤلف قد اقتصر على النشر الإلكتروني لرسالته.

ثانيًا عرض إجمالي للأبواب والفصول:

اتبع المؤلف في  عرض رسالته أسلوب التقسيم الأكاديمي ومنهجياته المتعارف عليها في الرسائل العلمية من هذا النوع، فقد قسم البحث إلى بابين، خصص الأول منهما لعرضٍ عام حول السنن الربانية وخصائصها وتقسيمها، بينما خصص الثاني لعرض سنة التدافع على جهة الخصوص، وذلك على النحو التالي:

الباب الأول: السنن الإلهية، مفهومها، وأهميتها، وخصائصها، كما يلي:

أولاً: تعريف السنة عند علماء اللغة، ثم عند علماء التفسير، ثم المراد بالسنن الإلهية، وأهمية دراستها.

ثانياً: خصائص السنن الإلهية، وهي: الربانية، الثبات والدوام، الاضطراد والاستمرار، العموم والشمول، الحكمة والعدل، التوازن والتناسق.

ثالثاً: تقسيم السنن الإلهية إلى عامة وخاصة، والحد الذي يميز كل نوع، وأمثلة لكل منهما.

الباب الثاني: سنة التدافع، واشتمل على:

أولاً: تعريف التدافع عند علماء اللغة، ثم سنة التدافع في الاصطلاح، ومرادفات التدافع في القرآن ومقابلاته.

ثانياً: مظاهر التدافع التي لا تكاد تخفى على متأمل من: تدافع الإيمان والكفر، وتدافع الخير والشر، وتدافع السراء والضراء، ودفع الليل النهار والنهار الليل.

ثالثاً: حديث القرآن عن سنة التدافع، ثم دراسة أسلوب القرآن في عرضها، وخصائصه، والدروس المستفادة.

رابعاً: موقف الناس من سنة التدافع بين الحق والباطل:

  • المؤمنون: وما يتمثلونه في عقيدتهم وسلوكهم من حقائق القرآن والسنة في ذلك.
  • الكافرون: وحقائق القرآن والسنة في بيان موقفهم، والسبب الذي يحملهم على دوام التدافع مع أهل الحق، ثم استعراض مواقف من التاريخ القديم والحديث تؤكد ثبات موقفهم على ذلك.
  • المنافقون: واعتقادهم بضرورة التدافع مع أهل الحق، واتفاق موقفهم مع موقف الكافرين في ذلك إلا في الأساليب والأشكال.
  • الغافلون: وجهلهم بالسنن الإلهية أصلاً، أو مجانبتهم للصواب في فهمها.

خامساً: بيان حكم التدافع وآثاره، على مستوى الفرد ثم الأمة ثم الكون.

ثالثًا أهم أفكار الكتاب ومضامينه:

أشار المؤلف في بدايات بحثه إلى أهمية البحث في السنن الإلهية للأمة حيث تعد طريقًا لانتشال الأمة من حال الوهن، ولقد ألحقها المؤلف بالدراسات القرآنية المتخصصة، كما لفت النظر إلى ضعف الاهتمام بالسنن الإلهية وضرورة تكريس المزيد من الجهود في هذا المجال لكثرة عدد السنن الإلهية وأهميتها وغفلة الناس عنها.

وقد فرق بين السنن الإلهية التي تقع على الخلق بغير قدرة منهم وإلى هذا القسم تنتمي سنة التدافع، وبين السنن التي تتعلق بمن صدر منه ما أوجبها، وبين أن إشارة القرآن الكريم إلى بعض جوانب السنة يدفع المسلم إلى توجيه طاقته وإعمال عقله للتعرف على بقية الجوانب.

وقد خص الكتاب سنة التدافع بالبحث والتركيز، واجتهد المؤلف في الإحاطة بجوانب البحث فيها وهو ما جعل الكتاب يصلح أن يكون مستقلًا بذاته في التعريف بسنة التدافع في إطار منظومة السنن الإلهية، وركز أيضا على أن موقف الكفار والمنافقين من قضية التدافع مع أهل الحق واحد لم يتغير منذ قديم الأزل، وهو الثبات على ضرورة المدافعة، مع اختلاف الأساليب والأدوات.

وظهر اهتمام المؤلف بالأمة الإسلامية حيث كان هذا البُعد ظاهرًا بوضوح في كتابه، فقد أشار إلى أن حال الأمة في عصرنا الحديث كان أحد الدوافع التي أدت إلى اختياره لهذا الموضوع، وتشبُّعُ المؤلفِ بهذه الفكرة جعلها ظاهرة في بحثه من المقدمة حتى الخاتمة حيث أفرد مبحثًا مستقلًا لحكم وآثار سنة التدافع على مستوى الأمة.

كما أوضح كذلك أن للتدافع صورا متعددة تتدرج بداية من الأساليب السلمية وصولًا إلى القتال والمواجهة المباشرة، ووعي المسلمين بدورهم يؤثر تأثيرًا مباشرًا على نتيجة التدافع، وهو ما قاده في ختام البحث إلى التوصية بضرورة بذل المزيد من الجهود العلمية للاهتمام بالسنن الإلهية، وأهمية النظر فيها باعتبارها منظومة تترابط فيما بينها بعلاقات متكاملة.

 رابعًا منهج المؤلف في الكتاب:

اختار المؤلف الانطلاق في تناوله من القرآن الكريم باعتباره محور البحث الذي أسماه “سنة التدافع في ضوء القرآن الكريم”؛ لذا فلقد كان للتفسير مكانٌ كبير في الكتاب الذي هو في الأصل مقدم لنيل درجة التخصص (الماجستير) في التفسير وعلوم القرآن.

ووفق الأعراف الأكاديمية فقد أشار المؤلف في مبدأ بحثه إلى منهجيته فقال إنه انتهج الآتي:

1- جمع الآيات التي ذكرت التدافع أو ألمحت إليه في القرآن الكريم.

2-تصنيف وترتيب الآيات تصنيفاً موضوعياً حسب أبواب وفصول الخطة المقترحة.

3-الاعتماد على السنة النبوية ، معتمداً الصحيحين أولاً، ثم كتب الحديث المعتمدة الأخرى.

4-دراسة الآيات بالرجوع إلى كتب التفسير المعتمدة، بعد جمعها واستقرائها ثم تحليلها والاستنباط منها، في ضوء ما ذكر أئمة التفسير فيها؛ لذا كان غالب الاعتماد على المنهج الاستقرائي.

وتعتبر هذه النقاط في غالبها إجراءاتٍ بحثيةً، ولا تقع في نطاق المنهجيات وإن كان بعضها كاشفًا عن استخدام المؤلف مناهج الاستقراء والتحليل والاستنباط.

وقد لاحظتُ أثناء تكرار النظر في الرسالة بعض الأمور التي يمكن إضافتها إلى منهجية المؤلف وهي:

  • الاعتماد على المراجع التراثية والحديثة، وعدم الاقتصار على أحدها باعتبارها يكمل بعضها بعضًا؛ حيث اعتمد الكتاب على مراجع متنوعة بداية من ابن كثير حتى التحرير والتنوير والظلال.
  • عدم اتباع مذهب معين أو اتجاه محدد في التفسير، ولا مدرسة فكرية معاصرة بل نوع الرجوع للتفاسير المتنوعة، ونقل عن مدارس وشخصيات معاصرة متنوعة،؛ حيث نقل المؤلف عن تفاسير كثيرة متنوعة المدارس على نحو يلحظه القارئ في قائمة المصادر والمراجع، كما نقل عن محمد قطب وسيد قطب وعبد الكريم زيدان والألباني وسفر الحوالي وعلي جمعة ومجدي عاشور وآخرين، بل رجع إلى كتب غربية مثل “قصة الحضارة” لول ديورانت.
  • مراعاة عرض البعد التاريخي والإسقاط الواقعي للقضايا المتعلقة بسنة التدافع، وعدم إغفال الربط الرباني لكل الأفكار الواردة في البحث.

خامسًا القيمة العلمية وأوجه التميز في الكتاب:

تضمن البحث مادة علمية معتبرة تنبئ عن جهد بذله الباحث في استقصاء جوانب الموضوع، وهو ما يضفي على الكتاب قيمة علمية متميزة في مجال البحث في السنن الإلهية.

تميز الكتاب بكونه أفرد جزئية دقيقة بالبحث وهي سنة التدافع دون غيرها، حيث إن التركيز على إحدى السنن الإلهية وإفرادها بالتأليف ليس بالأمر المنتشر، خاصة أن هذا الكتاب يعد رسالة أكاديمية وهو ما يجعله مختلفًا عن المؤلفات التي أفردت سنة واحدة بالبحث مثل كتاب الشيخ جودت سعيد حول سنة التغيير.

أيضًا تعد الإحاطة بمسألة السنن الربانية من جوانب متعددة من مميزات الكتاب، حيث لم يقتصر في عرض سنة التدافع على الجانب القرآني بل تطرق إلى البعد التاريخي وبعض الملامح الاجتماعية، وهو ما عظم الفائدة العلمية للكتاب.

ومن ميزات الكتاب الرجوع إلى مصادر وشخصيات من المدارس الإسلامية المتنوعة دون الاقتصار على مدرسة دون غيرها، وهو أمر يحسب للمؤلف على غير عادة كثير من الجامعات التي يلتزم طلابها وباحثوها الاقتصار على النقل والاستفادة ممن يتبع ذات المدرسة الفكرية التي تنتمي إليها الجامعة، وهو ما أضفى على الكتاب ثراء في المحتوى، وأضفى عليه صفة البحث العلمي الرصين.

ولأن الكتاب في الأصل رسالة أكاديمية فلقد تميز بالتدقيق العلمي، وتحري التقاليد الأكاديمية في النقل والإحالة وبناء الفهارس المتنوعة.

سادسًا نظرة نقدية للكتاب:

مما قد يؤخذ على الكتاب أنه أخّر عرض سنة التدافع في القرآن الكريم والسنة ليكون في الفصل الثالث من الباب الثاني، وقد سبقه الحديث حول مترادفات التدافع ومقابلاته في القرآن الكريم، وكذلك عرض تفصيلي لمظاهر التدافع، وكان من الأولى أن يعرض الرؤية القرآنية للتدافع بعد التعريفات اللغوية والاصطلاحية مباشرة حتى يكون منطلق البحث قرآنيًا، كما أن تأخير الآيات والأحاديث بعد هذه المباحث والفصول جعل غالب النصوص والأفكار يعاد إنتاجها في المبحث القرآني حيث قد أشار إلى غالبها في ثنايا الفصول السابقة على العرض القرآني.

اقتصر الباحث على عرض بعض التعريفات للسنن الإلهية دون التعليق عليها بصورة وافية، ثم اختار تعريف الدكتور مجدي عاشور وهو (سنة الله: هي عادة الله، وطريقته وقانونه،  الحاكم لحركة الكون والحياة والأحياء، ومعاملة الله المكلفين منهم بناء على أفعالهم وسلوكهم ومواقفهم من شرع الله، وأثر ذلك في الدنيا والآخرة)([1]) في حين أنه لم يعلق على التعريف ولم يحدد سبب اختياره بصورة كافية، وكان من المهم في الرسائل الأكاديمية خصوصًا أن يفصل المؤلف سبب اختيار التعريف ويشرحه شرحًا وافيًا وذلك إن لم يتفتق ذهنه عن تعريف أكثر دقة من التعريفات التي سبقه إليها غيره من الباحثين والمؤلفين.

كذلك يظهر من القراءة المتفحصة للكتاب قلة التعليقات التي يوردها المؤلف بعد النصوص المنقولة عن العلماء، ومن المهم للمؤلف أن يضع بصمته عقب كل نقل يضعه فهو إما يعلق شارحًا أو معارضًا أو آخذًا بيد القارئ إلى موطن الاستشهاد ومعقد الفكرة، وهو أمر مهم في الكتابة والتأليف لإظهار شخصية الباحث وحضوره مع أفكار البحث.

كذلك يلاحظ ندرة الاعتماد على تفسير المنار وعدم حضوره بوضوح في الكتاب رغم أنه يعد تفسيرًا سننيًا بامتياز، وإن كان المؤلف قد نقل عنه في بعض المواضع، ولكن هناك الكثير من المواضع التي تحدث فيها الشيخ رشيد رضا عن السنن الإلهية عمومًا وسنة التدافع خصوصًا كانت أكثر ارتباطًا ودلالة من غيرها مما نقله المؤلف عن مصادر أخرى.

كذلك يعد من المآخذ على الكتاب افتقاد التوازن في التقسيم فقد استغرق الباب الأول قرابة الخمسين صفحة بينما استغرق الباب الثاني بقية الرسالة قرابة مائتي صفحة!

ومما يلاحظ أثناء تصفح الرسالة اقتصار المؤلف في تقسيم السنن على صورة واحدة من التقسيم، وذكر فيها ست سنن: ثلاثة عامة، وثلاثة خاصة، في حين أنه أشار في بحثه ([2]) إلى جهد الدكتورة زينب عطية في فهرسة السنن الإلهية وإحصائها قرابة 96 سنة في كتابها القيم (أصول العلوم الإنسانية من القرآن الكريم : السنن الإلهية في الآفاق والأنفس والأمم)، وياحبذا لو كان رجع إلى هذا السفر الجليل وتعمق في تقسيم السنن لتزيد القيمة المضافة للكتاب.

أشار المؤلف إلى منظومة السنن الإلهية، وكيف أنها تعد شبكة متصلة تجمعها علاقات تربط بين كل سنة وأخرى، ولكن المؤلف لم يحدد موقع التدافع من هذه المنظومة ولم يتعرض بالتفصيل لهذه الجزئية في حين أنها غاية في الأهمية والارتباط بموضوع الكتاب.

لوحظ أيضًا قيام المؤلف بتخصيص الفصل الخامس من الباب الثاني لحكم وآثار سنة التدافع ولكن لم يظهر فيه البعد المقاصدي للسنة بصورة جلية، في حين أن الآيات القرآنية الكريمة أوضحت الكثير من المقاصد المتعلقة بسنة التدافع وأشار إلى بعضها المؤلف ضمنًا ولكن كان من الأفضل أن يفرد مقاصد السنة بمبحث مستقل نظرًا لأهميتها باعتبار أن فهم السنن الإلهية موضوع مرتبط بالدرس المقاصدي بصورة كبيرة.

غاب عن المؤلف الإشارة إلى مركزية سنة التدافع في منظومة السنن الإلهية، فسنة التدافع هي واسطة العقد في منظومة السنن الإلهية؛ حيث يمكن أن يطلق عليها السنة المركزية في منظومة السنن الربانية؛ إذ السنن إما أنها تسبقها تمهيدًا لها أو تلحقها لتكون نتيجة لها أو تحوطها لتكون دافعًا إليها ومحركًا لها.

سابعًا أوجه الاستفادة من الكتاب:

نظرًا لإفراد المؤلف سنة التدافع بالبحث فإنه قد أحاط بها من جوانب متعددة وهو ما يؤهل هذا الكتاب لتقديم إفادات قيمة للأمة منها:

تحويل محتوى الكتاب إلى مجموعة محاضرات علمية تهدف إلى التعريف بالسنن الإلهية عمومًا وسنة التدافع خصوصًا، وتوجه إلى الباحثين والمثقفين من أبناء الأمة.

الاستفادة من محتوى الكتاب في توعية عموم جماهير الأمة عبر صياغة مقالات مبسطة بناء على محتواه العلمي، أو مجموعة من الخطب والدروس يقدمها الدعاة عبر منابرهم وتوافذهم المتعددة.

الاعتماد على الكتاب باعتباره منطلقًا لبحث أكثر عمقًا وتركيزًا على سنة التدافع يهدف إلى سبر أغوارها وبيان علاقتها بالسنن الأخرى وإظهار مقاصدها بجلاء.

[1] مدخل إلى دراسة السنن الإلهية في القرآن الكريم: ص 20، د.مجدي عاشور.

[2] انظر هامش ص52 من البحث موضع الدراسة.

اترك تعليق