نعمة القيامة

بقلم الأستاذ عماد سعد إبراهيم(*)

الحمد لله على نعمة يوم الحساب، فلولا يقين المؤمن بهذا اليوم لما غمض له جفن، ولا اطمأن له قلب، ولا استقر له فؤاد، ولكنَّ لنا موعدًا بين يدي الله نسأل الرحيم فيه السلامة، وأن يقر أعيننا بمجازاة الظالمين وعدلٍ ليس بعده ظلم، وراحةٍ ليس بعدها كبد، وطمأنينةٍ ليس بعدها خوف {الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} ( غافر – 17).

ودنيانا هذه قد استولى عليها الغشاشون والمرتشون والكذابون والمنافقون والقتلة، وعلا فيها الأدنياء، وارتفع الأخساء وحكم السفاحون، وانتشر الدجالون، وخطب فينا الرويبضة، وتقلّد المداهنون الأوسمة، وكم من مظلوم مات مكلوم مهدور حقه علي أمل أن يستيقظ ذات مرة، ويبعث من جديد ليقف أمام العدل الذي لا يظلم عنده أحد، فمن منا لا يشتاق لها اليوم الذي ليس بعده ظلم، قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَٰفِلًا عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّٰلِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍۢ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلْأَبْصَٰرُ} (إبراهيم – 42)، فالحمد لله علي نعمة القيامة.

وقد أكثر الله من ذكر “الحساب” في القرآن الكريم، في مواضع كثيرة، مصوراً هول ذلك الموقف، أو مخبراً عنه ومبشراً به، كل ذلك لزيادة العناية به وللفت أنظار الناس إليه ليكونوا على بينة من أمرهم فيستعدوا له بالعمل الصالح؛ إذ إنه من أهم الأمور التي ينصب لها الميزان في ذلك اليوم، بل هو المراد ببعث الناس وقيامهم من قبورهم فبه يتميز الناس فيسعد من يسعد، ويشقى من يشقى، حينما يفصل الله بين خلقه في أكمل صور العدل وأجلها عدل القيامة عدل مطلق، لا مثيل له تكون فيه “الذّرة” ميزان قِسط، فيُجزَى العبد على الكلمة قالها في الخير، والنظرة نظرها في الشر. {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (الزلزلة -7.8)، فالحمد لله علي نعمة القيامة.

ورغم ذلك يجب على المسلم عدم اتخاذ هذه النعمة ذريعة للاستكانة أو القعود، فالإسلام دين عمل وجهاد ولا يجب أن يرضى المسلمون بأقل من تحطيم أصنام الظلم والبغي والسعي لريادة البشرية نحو العدل والسلام حتي الرمق الأخير.

كما أخبرنا رسولنا وقدوتنا – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الشريف عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ – صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا).

إنّ محكمة الآخرة ليست كمحاكم الدنيا وأهلها، إيماننا ويقيننا بعدل القيامة راسخ كالجبال، وعيوننا إليه ترحل كل يوم، ومن فضل الله أنه وعدنا به وعد الحق لتطمئن به قلوبنا، ويوم الحساب سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، فالحمد لله علي نعمة القيامة.


(*) باحث مصري في الشأن السياسي والاجتماعي.

اترك تعليق