ويسألونك عن “الدين” الإبراهيمي الجديد

بقلم: د. محمد بن محمد الأسطل(*)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمن نحو سنتين والحديث آخذٌ عما يسمى “الدين الإبراهيمي الجديد”، وازدادت وتيرة العناية به منذ بضعة أشهر، وهو دينٌ يقوم على اعتماد شخصية إبراهيم عليه السلام مركزًا يلتقي عليه اليهود والنصارى والمسلمون؛ بحكم أنه أبو الأنبياء والجد الأكبر الذي يتفرع عنه اليهود والنصارى وجزءٌ كبيرٌ من العرب.

وهذا الدين الجديد من تسويق دولة الإمارات العربية المتحدة، وأشار إليه ترامب في صفقة التطبيع الإماراتي البحريني مع الكيان الصهيوني، واصفًا إياه بالاتفاق الإبراهيمي.

فما قصة هذا الدين؟

وما منشؤه وجذوره؟.

وما أهدافه ومقاصده؟.

وما علاقة التطبيع به؟.

وما خطوات ترويجه؟.

وما مآلاته؟.

وما حكمه الشرعي؟.

وما واجبنا نحوه؟.

في هذه المقالة إجابةٌ عن هذه الأسئلة، وأجعل المادة تنتظم في نقاطٍ:

 

أولًا: أهداف هذا الدين:

أبدأ بالأهداف قبل بيان القصة والجذور؛ لأنها تعين على تصور القصة وفهم خطواتها فأقول:

ينبغي أن يُعلم أنَّ تدشين هذا الدين يأتي في سياقٍ طويلٍ ممتدٍّ لعدة عقود، لكن زادت وتيرته بعد أحداث سبتمبر 2001، والذي يدعو لإعادة بناء الدين الإسلامي ودمجه في الثقافة الغربية، وإعادة قراءة نصوص القرآن والسنة في ظل مقررات هذه الثقافة، وهو ما بينته مؤسسة راند في تقريريها 2005 و 2007؛ ليكون العالم تحت الهيمنة الأمريكية في نظامٍ مستمرٍّ مستقر.

وفي هذا السياق جاء هذا الدين من أجل دمج الكيان الصهيوني في العالم الإسلامي عامة والمنطقة العربية خاصة؛ لينتقل من كيانٍ مرفوضٍ إسلاميًّا وعربيًّا إلى كيانٍ مرحبٍ به ومرغوبٍ فيه.

وذلك أننا إذا نظرنا إلى دول المنطقة أنها من جسم العالم الإسلامي.. فهذا يعني خروج الكيان الصهيوني من هذا الجسم؛ لأنه لا يتبع سبيل المؤمنين، وإذا نظرنا إليها أنها من جسم المنطقة العربية.. فهذا يعني خروجه أيضًا؛ لأنه ليس عربي الأصل ولا اللسان.

أما لو قلنا: الدين الإبراهيمي.. فإنَّ هذا المصطلح يجمع المسلمين واليهود والنصارى، وعندئذٍ يصبح الكيان الصهيوني جزءًا من المنطقة، وليس جسمًا غريبًا وافدًا إليها.

ومن الأهداف أيضًا: أنَّ بسط الولايات المتحدة والدول الغربية نفوذها على البلاد الإسلامية والعربية وثرواتها لا يصبح محل استقباحٍ وتهمة؛ لأنَّنا الآن جميعًا أبناء دينٍ واحد، ولا نظر للعداء القديم بعد أن دخلنا في الدين الإبراهيمي الجديد.

فالهدف العام إذن: اغتصاب المنطقة العربية والإسلامية عبر دمج الصهاينة فيها، وإضفاء المشروعية على النفوذ الأمريكي والغربي عليها.

ولعلك أدركت الآن لماذا سمَّى الرئيس الأمريكي ترامب اتفاق التطبيع بين الإمارات والكيان الصهيوني بالاتفاق الإبراهيمي.

وفي نفس السياق جاءت تسمية دول المنطقة بالشرق الأوسط قبل عدة عقود، وهذه التسمية لم تثبت على دلالةٍ واحدة، لكنها تدل الآن على الهيمنة الأمريكية على المنطقة العربية؛ لأنَّها شرق أوسطٍ بالنسبة لموقع الولايات المتحدة، بما يدل على أنَّ أمريكا تنظر إلى نفسها أنها مركزُ العالم والمهيمنة عليه.

ومن تبعات هذا الاسم أنه يُثبٍّت الكيان الصهيوني ويدمجه في المنطقة العربية؛ لأننا لو قلنا: العالم الإسلامي أو العالم العربي أو المنطقة العربية.. فإنَّ هذا يعني أنَّ الكيان الصهيوني جسمٌ غريبٌ غاصبٌ محتل، أما الشرق الأوسط فإنه اسمٌ يستوعب أعراقًٍا شتى، ولا يكون في التسمية به اختصاصٌ للعرب والمسلمين بالأرض، ولهذا ينبغي للمسلم أن يحذر من المصطلحات المُلغَّمة.

 

ثانيًا: قصة هذا الدين ونشأته:

تبدأ القصة من مبادرةٍ قدمتها جامعة هارفارد الأمريكية عام 2004 باسم: “مسار الحجِّ الإبراهيمي”، وتولتها كلية الحقوق بالجامعة، وحشدت لها مشاركةً عالميةً من باحثين ورجال دين وعلماء اجتماع وخبراء سياحة ورجال أعمال، وذلك تحت غطاء المسار الذي قطعه نبيُّ الله إبراهيم عليه السلام سيرًا على الأقدام من العراق إلى فلسطين قبل أربعة آلاف سنة.

وقالوا: اتفق الباحثون على أنَّ نبي الله إبراهيم عليه السلام خرج من منطقة أور الكلدانية بالعراق، وسار بمحاذاة نهر الفرات إلى حاران بتركيا مارًّا بسوريا وفلسطين حتى وصل مصر، ومن ثَمَّ رجع إلى فلسطين.

على أنَّ المسار المعاصر لم يشمل بلاد أور وحاران ومصر والخليل، وقُدِّر المسار بـ 1100 كلم، ويقع على جوانبه مواقع مشهورةٌ عالميًّا، تضم المسجد الأقصى وقبة الصخرة وكنيسة القيامة والمسجد الأموي.

وينظر رعاةُ المبادرة إلى جذب المسار لزوار وباحثين من خلال استغلال مكانة إبراهيم عليه السلام؛ لكونه عامل توحيدٍ لأكثر من ثلاثة مليارات إنسان.

وتعتمد الخطة مسار الحوار بين الأديان بدلًا عن المسار السياسي المتبع، وتوظيف المقررات المحرفة خاصة من التوراة لتكون مدخلًا لتغيير العقيدة الإسلامية، وذلك أنهم وجدوا أنَّ القوةَ الناعمةَ تضمن نتائج أفضل في بسط الهيمنة والنفوذ دون تكبد خسائر مالية كبيرة.

فنحن إذن أمام استراتيجيةٍ ناعمةٍ تهدف إلى تكوين حكومة عميقة للعالم من أجل اختراق العالم الإسلامي والعربي من خلال نزع عقديته بنزع القدسية عنها، وتحطيم مبادئها عبر الدين الجديد.

وهذه الاستراتيجية اكتملت أُسُسُهَا في عهد أوباما، وتَبَنَّتْ إدارةُ ترامب الفكرةَ وبلورتها تحت عنوان: خدمة السلام في الشرق الأوسط وإنهاء الصراع، وتلقفتها العواصم الغربية بقبولٍ حسن.

 

ثالثًا: خطة ترويج هذا الدين وتقريره:

ومن ذلك الأعمال الآتية:

  1. تتولى الولايات المتحدة الأمريكية زعامة المشروع وترويجه، وهي وإن كانت صاحبة الفكرة إلا أنَّ توليها المباشر لهذا المشروع يجعلها أقدر على تسخير الأنظمة العربية المستبدة لتنفيذ الخطوات المطلوبة منها، وتوفير الأموال اللازمة للمشروع، ولهذا رأينا ترامب هو الذي يعلن عن هذا الاتفاق، واعتبره إنجازًا مهمًّا على صعيد سياسته الخارجية.
  2. استغلال شخصية نبي الله إبراهيم الذي يجمع على حبه أهل الأديان، وهذا ظاهرٌ في تسمية الدين الجديد، وهو ما جاء على لسان السفير الأمريكي لدى الكيان الصهيوني ديفيد فريدمان وهو يصف صفقة التطبيع مع الإمارات أنها تيمنٌ بأبي الديانات كلها، وأنه لا يوجد شخصٌ يؤصِّل لهذه الوحدة أفضل منه.

وهذا يجعلك أكثر دراية بدلالة رزمة المصطلحات التي بدأت تضخ من نحو عشر سنوات، مثل: الأراضي الإبراهيمية والمدينة الإبراهيمية ومسار إبراهيم والشعوب الأصلية، وكلُّها مصطلحاتٌ مُلغَّمةٌ تصب في خانة إلغاء المفاهيم الإسلامية لصالح المفاهيم التوراتية المُحرَّفة.

  1. تسويق المشروع تحت عنوان: نشر المحبة والتسامح وإيجاد قيم مشتركة تقوم على تقبل الآخر أيًّا كان معتقده، وأنه آن لشعوب العالم أن تتفق على السلام والحب ونبذ التطرف والكراهية، ما دمنا جميعًا نرجع لنبيٍّ واحد.

ولعل من ذلك ما تنظمه مؤسسة “مسار إبراهيم الخليل” من المسير السنوي في رأس السنة الميلادية، والذي يمتد من جنين إلى الخليل، وتبلغ مسافته 330 كلم، ويشارك فيه آلاف السياح، على أنه موسمٌ لعلاقات الجوار بين المجتمعات المختلفة.

فهذا في  صلب المخطط، وليس بريئًا، وينبغي للمشاركين فيه أو المرتبطين بالمؤسسة أن يتيقظوا للمخطط إن كانوا أداةً لا يدرون مآربه.

  1. إعادة تفسير النصوص القرآنية والنبوية في ضوء الثقافة الغربية والقيم الحداثية التنويرية، وعليه؛ فأيُّ نصٍّ يدعو للجهاد فلا بد من إعادة تفسيره، وهذا يعني أنَّ هذا الدين بحاجةٍ إلى مفسرين جدد!.
  2. تعي الولايات المتحدة أنَّ تقرير هذا الدين بين الشعوب الإسلامية في وقتٍ قصيرٍ أمرٌ بالغُ العسر، والخطة أن تستهدف المراكز التي تتولى العمل في المشروع الطلابَ الناشئةَ في عددٍ من الدول، وتقرير القيم العامة للدين الإبراهيمي الجديد؛ لتتقبلها في المستقبل القريب على أنها الدين العالمي بعد عملية غسيل المخ التي تلقوها، وذلك أنَّ تغيير شباب المسلمين الآن قناعاتهم أمرٌ لا ينفك عن مشقة بالغة، فالقائمون على العمل أصحاب نفَسٍ طويل.
  3. المراكز التي تروج لهذا الدين جعلت من عملها ضخ المساعدات العينية والرعاية الطبية بتمويل من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة؛ لتكون مدخلًا لقبولها في البلاد المستهدفة.
  4. الاستعانة بالأنظمة المستبدة في التسويق لهذا الدين الجديد من خلال الشخصيات المحسوبة عليها، وأبرز الأنظمة التي تقوم الآن بهذا الدور الإمارات العربية المتحدة، وقد شرعت في بناء “البيت الإبراهيمي”، ويضم معبدًا لليهود وكنيسةً للمسيحيين ومسجدًا للمسلمين.

رابعًا: مآلات الدين الإبراهيمي الجديد:

اتضح مما تَسَطَّرَ في المحاور السابقة أنَّ النتيجةَ المتوقعةَ لهذا المشروع في نظر القائمين عليه تتمثل في دمج الكيان الصهيوني في العالم الإسلامي والعربي، وتقبل بسط النفوذ الأمريكي والغربي ومنحه المشروعية، ولازمُ هذا القبولُ الحسنُ للقيم الأمريكية ومقررات الثقافة الغربية.

ولا يتأتى ذلك إلا بتمرير عملية التدليس التاريخية في المعتقد أنَّ إبراهيم عليه السلام منسجمٌ مع اليهودية والنصرانية، وأنه أبو الديانات كلها، مع أنَّ الله تعالى يقول في نصٍّ صريحٍ بيِّن: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 67، 68]، فنحن أتباع الدين الإبراهيمي الحنيف كما سيأتي.

وهذا يعني أنَّ الدين الجديد سيتجاوز كافة النصوص القرآنية والنبوية التي تتعارض مع التوجه الأمريكي.

ومن ألطف المآلات الإدارية للمشروع أنَّ قيادة هذا الدين ستكون من نصيب الولايات المتحدة الأمريكية والحركة الصهيونية، أما الأنظمة العربية وأبرزها الإمارات.. فعليها واجب الترويج والمشاركة في نفقات نشر هذا الدين.

والحاصل: أنَّ الدين الإبراهيمي الجديد مُحمَّل بأوزارٍ كثيرةٍ على الصعيد الشرعي والتاريخي والسياسي والعسكري والاقتصادي.

ومن عجبٍ أنَّ نشر هذا الدين الجديد ونشاط حركة التطبيع مع الكيان الصهيوني يأتيان في الوقت الذي يُحارب فيه أبناءُ المسلمين أنفسهم، ويتهمون بالإرهاب، وهذا لا يستهدف بعض الأشخاص مثلًا بل يعم جماعات ومؤسسات وتيارات.

فالجهاد الفلسطيني ضد آلة الدمار والاحتلال الصهيونية والذي لا يختلف عليه أحدٌ، والمؤيد بالقرارات الدولية التي تنصر حقه، فضلًا عن الوجوب الشرعي والعقلي.. هو اليوم متهمٌ بالإرهاب، وما زال بلدنا يُحْرَمُ قوته لأنه يدافع عن نفسه، وتشن عليه أبشع الحروب التي تدمر الأخضر واليابس.

بل وصل الأمر إلى اجتهاد بعض الدول بنزع القدسية عن فلسطين وبيت المقدس والمسجد الأقصى، وإثبات الحق التاريخي للصهاينة فيها.

والمئات من أهل العلم ما زالوا في السجون والمعتقلات يسامون سوء العذاب، لا لشيء إلا للحق الذي يحملونه، والوعي الذي ينشرونه.

وطفا على السطح من بضعة أشهر رمي جماعات إسلامية كبرى بالإرهاب جملةً؛ كالإخوان المسلمين وما يتفرع عنها، والحكم بحرمة الانتماء إليها وملاحقة أبنائها وسجنهم وتعذيبهم، في الوقت الذي تنشر فيه ورود الود والتسامح مع الصهاينة والمسيحية العالمية!.

ولست أدري كيف يستقبل أبناء الأمة الذين ما زالوا فارِّين بدينهم وأنفسهم خبر هذا الدين الجديد الذي يُسوِّق نفسه عبر خطاب الود والحب مع اليهود والنصارى والصهاينة، وهم لا يجدون ملجأ ولا مأمنًا، ولا يتمتعون بأدنى الحقوق، وهم ملاحقون لا يجدون جواز سفرٍ يتنقلون عبره، فصار المسلم غريبًا في بلده، وصار اليهودي الصهيوني والنصراني جزءًا بديلًا عنه!.

 

خامسًا: حكم الدين الإبراهيمي الجديد:

لا يخفى على مسلمٍ يُرَتِّلُ القرآنَ أنَّ دينَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم هو دين إبراهيم عليه السلام، فنحن أبناء الدين الإبراهيمي العتيق، وهو الدين الحنيف، وهذا ما أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحمد ربه عليه إذ قال: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 161].

وقد أخذ الله العهد على كل رسول أن يؤمن بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم إذا بُعث وهو حي، وأن يدعو الناس إلى الإيمان به، ومن أبى ذلك فقد فسق عن أمر ربه، كما قال سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 81، 82].

ولما منَّ الله على البشرية بمبعث النبيِّ صلى الله عليه وسلم أكد صلوات الله وسلامه عليه على هذا المعنى؛ فقد أخرج الدارمي عن جابر أنَّ عمر بن الخطاب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنسخةٍ من التوراة فقال: يا رسول الله هذه نسخةٌ من التوراة، فسكت، فجعل يقرأ ووجه رسول الله يتغير، فقال أبو بكر: ثكلتك الثواكل ما ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم!. فنظر عمر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله صلى الله عليه وسلم، رضينا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ نبيًّا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “والذي نفس محمد بيده لو بدا لكم موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم عن سواء السبيل، ولو كان حيًّا وأدرك نبوتي لاتبعني“. حسنه الألباني.

ولهذا فإنَّ من أصول عقيدتنا أنَّ الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وشريعته التي جاء بها هو الواجب على الناس كافة، وأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مبعوثٌ للناس كافة كما قال سبحانه: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158]، ومن لم يؤمن به فقد كفر بالله تعالى.

ومن الآيات التي تقرر ذلك قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]، وقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].

وقد نص القرآن في مواضع كثيرةٍ جدًّا على كفر اليهود والنصارى وحرمة موالاتهم، ومن ذلك أنَّ الله تعالى لما ذكر موقف اليهود من النبي صلى الله عليه وسلم قال: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89].

وقال سبحانه عمن آمن ببعض الرسل كموسى وعيسى عليهما السلام وكفر ببعض كمحمد صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 150، 151].

ولست أدري كيف سيقرأ الدعاة للدين الجديد قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]!.

وكيف سيجيبون عن تصرف النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود يوم كتابة الوثيقة الجامعة في صدر الهجرة!.

وهل سيُقرِّون بمعتقدات اليهود والنصارى التي حكم الله عليها بالكفر الصريح في القرآن كما قال سبحانه: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة: 30].

وقال سبحانه: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} [المائدة: 64].

وقال سبحانه: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 17].

وقال سبحانه: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: 73]!.

وعقب هذا كله؛ فإنَّ الذي يعتقد بصحة هذا الدين الجديد فقد اتبع دينًا غير الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من الكفر البيِّن الجليِّ الذي لا ينبغي أن يتردد فيه مسلم، ولسنا بحاجةٍ إلى تليين العبارة لنراعي القائلين به.

والأصل أنَّ هذه المسألة من البدهيات التي يعلمها كل من رتَّل القرآن وعلم ما فيه، ولولا التدرج المتتابع في ساحة معركة الأفكار تحت سطوة الإعلام.. لكان طرح هذه المسائل محل استهجانٍ عند المسلم العامي الذي بقي على الفطرة والنقاء فضلًا عن المثقف وطالب العلم.

 

سادسًا: واجبنا نحو الدين الإبراهيمي الجديد:

الواجب بإيجازٍ ووضوح هو الجهاد بالحجة والبيان، والأمر جد؛ لأنَّ رحلة تقرير الأفكار تطول، والولايات المتحدة ذات نفسٍ طويل في إدارة المعارك، وهي التي خاضت الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي أكثر من أربعين سنة حتى أسقطته.

وينبغي أن يُنتبه للمحطات التي يقطعها أولئكم الأشرار، فما كان محل استهجانٍ اليوم قد يصبح محل نقاشٍ غدًا، وما كان محل نقاش غدًا قد يكون من الخلاف السائغ بعد غدٍ، ثم تتراكم الظلمات تحت سطوة الإعلام، وأنى لهم ذلك بإذن الله.

ومن هنا فالواجب أن يستنفر أهل العلم والدعوة لتحطيم مبادئ هذا الدين الجديد قبل أن يتفاعل ضعفة العلم والإيمان معه، فيبينون زيفه، ويزهقون كل وسيلةٍ لتقريره أو ترويجه، وعليهم أن يطرحوا الطرح الوقائي الذي يتضمن كشف المشروع للناس وبيان أهدافه ومآربه ومآلاته وخططه قبل أن تصل إلى الناس.

ومن المادة التي ينبغي أن تُطرح أنَّ التسامح الذي يدعون إليه لم يقم في التاريخ كما قام في ظل الحكم الإسلامي، فقد عاش اليهود والنصارى آمنين، لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، وجاء الأمر ببرهم والإحسان إليهم في القرآن الكريم كما قال سبحانه: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8].

أما هؤلاء الذين يدعون إلى الدين الإبراهيمي الجديد فإنما قصدهم بسط النفوذ ونهب الثروات والتخلص من المدافعين عن بلدانهم المسلمة من بغي المحتلين، ولو كان ذلك عن طريق تحريف الدين الإسلامي عبر هذا الأنموذج الجديد.

وهم الذين حرفوا التوراة والإنجيل من قبل، ويريدون تمرير هذا المنهج إلى الدين الإسلامي، وأنى لهم ذلك وقد قال ربنا سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].

فهذا المخطط لا ينطلي على رجال هذه الأمة، ولهذا ترى في المخطط الدعوة إلى إعادة تفسير القرآن الذي يحرض على القتال، مع أن النصوص المقدسة في كتبهم التي حرفوها تتضمن كلامًا صريحًا يدعو إلى العنصرية والإرهاب والبغي والطغيان وعدم تقدير الإنسان إذا كان من غيرهم.

وهل نسب إبراهيم عليه السلام يشفع لهم الإيمان بكتبٍ محرفةٍ والدعوة إليها باسمه؟!.

 

وختامًا أقول:

المعتاد أنَّ الأنبياء هم الذين يأتون بدينٍ من عند الله، ويدعون إليه، وينتشر الخير في الناس، أما في هذا الدين الجديد:

فالقائد العام الذي أبرز هذا الدين هو الرئيس الأمريكي ترامب.

والذي مدحه هو السفير الأمريكي لدى الكيان الصهيوني.

والذي يموله صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي.

والذي يسوقه دولة الإمارات التي سماها الشيخ عبد الله النفيسي إسرائيل العرب، وراحت تبني البيت الإبراهيمي الذي يضم معبدًا لليهود وكنيسةً للمسيحيين ومسجدًا للمسلمين.

فيا أيها المسلم: احفظ موقعك في هذه المعركة، وإياك أن ينفض الغبار دون أن يكون لك فيها رمية سهم، واجتهد أن تكون من حراس العقيدة، ليعمك قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لَا يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ”. أخرجه ابن ماجه وحسنه الألباني.

 

تنبيه:

استفدت بعض الأفكار من المقالات الثلاثة الآتية:

* علاقة صفقة التطبيع الإماراتية البحرينية بالدين الإبراهيمي الجديد لمحمد عبد الحكيم دياب.

* الإبراهيمية الجديدة وخدعة التسامح لنعيمة عبد الجواد.

* الديانة الإبراهيمية استراتيجية المرحلة لفؤاد البطاينة.


(*) من علماء فلسطين، وصاحب مؤلفات كثيرة منها: فقه الاستدراك، الرباط وأحكامه، وعدة الفقيه، والمقال تم تحريره ليلة الجمعة الأول من جمادى الآخرة لعام 1442 هـ، الموافق 14-1-2021م.

اترك تعليق

  1. يقول audrey:

    Join me in the shower Daddy, I need your strong hands to scrub me down! https://is.gd/dBsd60

  2. يقول amalia:

    I hope you like petite girls with some curves https://is.gd/dBsd60

  3. يقول موسى بن صالح:

    ويمكرون و يمكر الله
    ان الدين عند الله الاسلام
    و من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه