أيام الانتصار – الشيخ محمد الغزالي رحمه الله

بقلم الشيخ محمد الغزالي رحمه الله(*)

إذا كان رمضان شهر القرآن فإنه كذلك شهر معارك حامية دفعت الباطل وكسرت شوكته، إن هذا القرآن كتاب حوار وفكر وأخذ ورد وهو يستبعد الإكراه فى عرضه للعقيدة ودعوته إلى الفضيلة: (قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها).

وعندما درست أهم معارك السيرة النبوية وجدت أن مسالك الكفار وغرورهم كانت السبب الأول فى خذلانهم وسقوط رايتهم، خذ مثلا “بدر” لقد خرج أهل مكة لحماية قافلتهم المهددة كما يقولون، حسنا!

لقد نجت القافلة فلم لم يعودوا من حيث جاءوا ويستأنفوا حربهم للإسلام؟ قال أبو جهل لابد أن نعسكر قريبا من المدينة فننحر الجزور ونشرب الخمور وتغنى لنا القيان ويسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبدا! أى ولا يزالون يخافون من اعتناق الإسلام مادمنا نخاصمه!!

إن هذا الكبر والطغيان كانا سبب هزيمة الشرك وذهاب ريحه.. وانظر ـ بعد بدر ـ إلى فتح مكة، كانت هناك معاهدة تمنح الوثنية السائدة عشر سنين لو آثرت الوفاء والإنصاف، ولكنها خرقت المعاهدة وقتلت أصدقاء المسلمين فى الشهر الحرام فسار المسلمون إلى مكة وفتحوها وأخمدوا أنفاس المعتدين..

وقد وقعت فى أواخر رمضان معركة “عين جالوت ” وهى معركة بعيدة الأثر فى تاريخ العالم كله، فإن التتار بعدما أسقطوا الخلافة العباسية ودمروا “بغداد”، استعدوا لفتح “مصر”، وأرسلوا إليها كى تستسلم!!

وشاع فى أرجاء الدنيا أن جيش التتار لا يقهر! ومن يستطيع الوقوف أمامه بعد مقتل المستعصم آخر الخلفاء العرب، لكن “قطز” قتل الوفد التتارى وأعلن التعبئة العامة وقاد الجيش المصرى وسار به إلى فلسطين ليلقى عدوه المغرور بقوته، وكانت الشائعات بأن جيش التتار لم ينهزم قط تنتشر فى كل مكان، وتغزو الأفئدة باليأس، وظهر هذا عند التقاء الجمعين فترجل قطز، وألقى على الأرض خوذته وصاح بصوت رهيب وا إسلاماه، وهجم بمن معه فإذا الأرض تزلزل تحت أقدام المغيرين، وإذا هم يولون الأدبار..!

وحاولوا الوقوف فى خط آخر أنشأوه على عجل ولكن المسلمين تعقبوهم فإذا هم بين قتيل وأسير. وانهزم جيش “هولاكو” فاتح بغداد، وقال التاريخ لم يكن ما حدث نجاة لمصر وحدها، بل نجاة للعالم كله من الفوضى والوحشية، وكم لرمضان من بركات عسكرية، ولكن المجال يضيق عن الإحصاء.


(*) من كتاب الحق المر: 5/ 22-23. نهضة مصر.

اترك تعليق