إعادة العلاقات والتطبيع مع النظام السوري “رؤية شرعية”

بقلم د. رامي بن محمد الدالي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد

فإني أكتب هذه الرؤية الشرعية ناصحا ومؤيدا لرأي السادة العلماء الكبار وعلى رأسهم الشيخ العلامة محمد الحسن الددو ومفتي سوريا العلامة المجاهد الشيخ أسامة الرفاعي وأستاذ المقاصد الأستاذ الدكتور وصفي أبو زيد وغيرهم من رموز الأمة الذين جلسوا مع الإخوة في قيادة حماس وناصحوهم بعد الاستماع منهم وبينوا لهم رأيهم الشرعي الذي أجمعوا عليه جميعا بحرمة التطبيع مع النظام السوري المجرم ولأبين أن هناك من أرض غزة العزة من يتبنى هذا الرأي من أهل العلم وهم كثرة بإذن الله ولأني أرجو أن يكون لمثل هذه المناصحات العلنية (التي تدل على الانفتاح والحرية الفكرية المتزنة التي ننعم بها في غزة الحرة) دور مؤثر في إيصال حجم المعارضة العلمائية الكبير لمثل هذا القرار مما قد ينبه إخواننا الكرام لإعادة النظر فيه ووزنه من جديد قبل الإعلان عنه رسميا ثم يصعب التراجع عنه بعد فما زال الأمر في إطار التسريبات. أسأل الله تعالى أن يوفقهم ويسددهم ويلهمهم رشدهم ويؤيدهم بروح منه.

تنبيه:

ما أذكره هو مجرد بيان موضوعي للحكم الشرعي المحض الذي أراه بناء على الواقع الذي أحياه وأعلمه وليس ذما في الحركة ولا في الأشخاص بل نقر بفضل الحركة وجهادها المشرف لإعلاء راية الإسلام وكونها رأس حربة الأمة في جهادها لاسترجاع الأقصى ومن أجل ذلك كانت هذه الغيرة والنصيحة. وأعتذر عن الإطالة لأن مثل هذه الحوادث مع وضوحها إلا أنه يحتاج فيها إلى تفصيل شديد لكثرة الشبهات.

ملخص الرؤية:

إن إعادة العلاقات والتطبيع مع النظام السوري المجرم حرام شرعا ويعد خطأ كبيرا من الناحية الأخلاقية والوطنية لما فيه من المفاسد التالية: موالاة ونصرة الظالمين، والركون إليهم، وإيذاء المجاهدين الذي يضحون بأرواحهم لدفع النظام المجرم عن بلادهم وأعراضهم، وتقصير في أداء أمانة الشهادة على الناس وتبيين الحق وعدم تلبيسه بالباطل بتحسين صورة الظالمين، وتقصير في حق راية الحق والجهاد التي تستوجب جعل كلمة الدين ومبادئه هي التي تعلو على كل المبادئ والمعاني الأخرى كالمقاومة الوطنية وغيرها، وتقصير في حق دماء الشهداء وأعمار الأسرى من السوريين الذين سلبهم إياها النظام المجرم ومن الفلسطينيين الذين دفعوها في سبيل الله وثمنا للقرار المبدئي الأخلاقي الصائب الذي اتخذته الحركة، وتقصير في حق الأقصى بالركون إلى ألد أعدائه من الرافضة والنصيريين وفي حق فلسطين بالركون إلى النظام الأسدي الذي خانها وخسارة لعمق الحركة الاستراتيجي من أهل السنة المخلصين كل ذلك دون ضرورة حقيقية معتبرة شرعا ولا مصلحة راجحة على كل تلك المفاسد.

التفصيل: الدليل على حرمة التطبيع مع النظام السوري النصيري الطائفي المجرم هو ما يشتمل عليه هذا التطبيع من المفاسد الدينية والأخلاقية والدنيوية الراجحة وذلك على النحو التالي:

  1. قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا}، {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} فجعل الله موالاة الكفار من دون المؤمنين من علامات النفاق والمعنى كما في تفسير الوسيط لطنطاوي (3/ 350): “أى: يتخذون الكفار أنصارا لهم حالة كونهم متجاوزين ولاية المؤمنين ونصرتهم” ولا شك في كفر النظام السوري كنظام بشكل عام لأنه يحمل راية العلمانية ظاهرا والنصيرية باطنا والموالاة تعني إظهار المودة والنصرة ومنه قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}، {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} فإظهار المودة والنصرة وإلقاؤها إلى هذا النظام المجرم من خلال التطبيع معه بدعوى أنه من الأمة والعشيرة التي نحرص على توحيدها مناقض لهذه الآيات الكريمة كما أنه تقصير في حق المجاهدين وتجاوز عن ولايتهم ونصرتهم وهم الذي يضحون بأرواحهم لدفع هذا النظام المجرم عن بلادهم وأعراضهم فالتطبيع مع هذا النظام السفاح تتحقق فيه كل مفردات النهي في الآيات السابقة إذ إنه يعزز وجود النظام المجرم ويسنده وينصره ويفك عنه العزلة وهو المترهل الآيل للسقوط ويظهر المودة له بكيل المدح له وتحسين صورته ووصفه بصفات البطولة ومحور المقاومة والصمود والممانعة دون إنكار لجرائمه ما يعني استمرار معاناة أهل السنة وخذلانهم بل والمساهمة في تجريم مجاهديهم وفاقا لرواية النظام بالسكوت عنه مع تأييده ظاهرا من دونهم وبالتالي المساهمة في تشريع حربهم وتعذيبهم وإطالة زمن ذلك.
  2. قال تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} وملخص أقوال المفسرين وأهل اللغة في معنى الركون أنه يعني مطلق الميل إلى الشيء حسا أو معنى ويغلب قصد المعنى هنا وذلك بإظهار الاطمئنان والسكون إلى الظالمين والانصباب إليهم والظهور بمظهر الراضي بأعمالهم قال الشوكاني في فتح القدير (2/ 601): “الْأَئِمَّةُ مِنْ رُوَاةِ اللُّغَةِ فَسَّرُوا الرُّكُونَ بِمُطْلَقِ الْمَيْلِ وَالسُّكُونِ، وَهَكَذَا فَسَّرَهُ الْمُفَسِّرُونَ … قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الرُّكُونُ حَقِيقَتُهُ الِاسْتِنَادُ وَالِاعْتِمَادُ وَالسُّكُونُ إِلَى الشَّيْءِ وَالرِّضَا بِهِ … عَنْ قَتَادَةَ وَعِكْرِمَةَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ أَنَّ مَعْنَاهَا: لَا تَوَدُّوهُمْ وَلَا تُطِيعُوهُمْ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: الرُّكُونُ هُنَا الْإِدْهَانُ، وَذَلِكَ أَنْ لَا يُنْكِرَ عَلَيْهِمْ كُفْرَهُمْ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: مَعْنَاهُ لَا تَرْضَوْا أَعْمَالَهُمْ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَيْضًا الْأَئِمَّةُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هَلْ هِيَ خَاصَّةٌ بِالْمُشْرِكِينَ أَوْ عَامَّةٌ؟ … وَقِيلَ: إِنَّهَا عَامَّةٌ فِي الظَّلَمَةِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ”. وقال ابن كثير في تفسيره (4/ 354): “عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَلَا تَمِيلُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا. وَهَذَا الْقَوْلُ حَسَنٌ، أَيْ: لَا تَسْتَعِينُوا بِالظَّلَمَةِ فَتَكُونُوا كَأَنَّكُمْ قَدْ رَضِيتُمْ بِبَاقِي صَنِيعِهِمْ”. وقال الزمخشري في تفسيره الكشاف (2/ 433): “والنهى متناول للانحطاط في هواهم، والانقطاع إليهم، ومصاحبتهم ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم، والرضا بأعمالهم، والتشبه بهم، والتزيي بزيهم، ومدّ العين إلى زهرتهم. وذكرهم بما فيه تعظيم لهم”. فانظر إلى كلام أهل العلم في تفسير الركون تجده منطبقا على هذا التطبيع مع النظام السوري الظالم وإذا ظهر هذا فالعاقبة وخيمة قال الزمخشري: “ومعناه: وما لكم من دون الله من أنصار يقدرون على منعكم من عذابه، لا يقدر على منعكم منه غيره ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ ثم لا ينصركم هو، لأنه وجب في حكمته تعذيبكم وترك الإبقاء عليكم. فإن قلت: فما معنى ثم؟ قلت: معناها الاستبعاد، لأنّ النصرة من الله مستبعدة مع استيجابهم العذاب واقتضاء حكمته له” ومصداق ذلك الذل الذي أصاب الرئيس السوداني السابق عمر البشير وسلب الحكم وفقدان السيادة لما وضع يده في يد الطاغية بشار.

وبهذا يتبين الفرق بين هذا الحلف والتطبيع مع هذا النظام المجرم الذي فيه ما ذكرت من معاني الموالاة والركون وبين الحلف الجائز في الإسلام القائم على مجرد المصالح المشتركة والذي يخلو من كل تلك المعاني المحظورة كتحالفه صلى الله عليه وسلم مع خزاعة الكافرة ضد قريش ومن أمثلته الحية التعاون الذي يحصل من قبل الحركة مع بعض الأنظمة الظالمة كنظام السيسي وغيره ولذلك تفهمه الجميع بالإضافة إلى تفهمهم لمدى الضرورة في التعامل مع النظام المصري وغيره بخلاف النظام السوري المترهل الساقط.

وهناك وجه لطيف أشار إليه الماوردي إذ قال في تفسيره النكت والعيون (2/ 508): “{فتمسكم النار} يحتمل وجيهن: أحدهما: فيمسكم عذاب النار لركونكم إليهم. الثاني: فيتعدى إليكم ظلمهم كما تتعدى النار إلى إحراق ما جاورها, ويكون ذكر النار على هذا الوجه استعارة وتشبيهاً , وعلى الوجه الأول خبراً ووعيداً”. والأظهر كما ذكر بعض العلماء أن الآية تحمل المعنيين معاً وعلى الحقيقة، أمّا الأول: ففي الحياة الدنيا حيث سيتعدّى إليكم ظلمهم فتتحولوا راكنين للظلمة إلى ظالمين فعليين أو يتعدى إليكم ظلمهم فيظلمونكم لأن الجزاء من جنس العمل، وأمّا الثاني ففي الآخرة، كما أن فعل المسّ ناسب فعل الركون: أي إنكم تستهينون بهذا الميل اليسير كما يستهين الناس بمجرد مس نار الدنيا ولكن مس نار الآخر مختلف تماما {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}.

وقد كتب سلمة بن دينار أبو حازم الأعرج رحمه الله إلى أحد العلماء حين خالط بعض الولاة الظالمين كلاما يكتب بماء الذهب فقال: “قال الله تعالى لنبيه – صلى الله عليه وسلم -: {لتبيننه للناس ولا تكتمونه}، واعلمْ أن أيسر ما ارتكبت، وأخف ما احتملت، أنك آنست وحشة الظالم، وسهّلت سبيل الغي بدنوّك ممن لم يؤد حقاً، ولم يترك باطلاً حين أدناك، اتخذوك قطباً تدور عليك رحى باطلهم، وجسراً يعبرون عليك إلى بلائهم، وسُلَّماً يصعدون فيك إلى ضلالهم، فما أيسر ما عَمَّروا لك في جنب ما خربوا عليك، فَدَاوِ دينك فقد دخله سقم، وهيِّء زادك فقد حضر السفر البعيد، وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء، والسلام” (رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز للحافظ عز الدين الرسعني الحنبلي 3/ 250).

وأختم هذه النقطة بكلمة عظيمة جليلة من رجل باع روحه من أجل أن تحيا معاني الإيمان فقال سيد قطب في الظلال (4/ 2245): “هذه المحاولات التي عصم الله منها رسوله، هي محاولات أصحاب السلطان مع أصحاب الدعوات دائما محاولة إغرائهم لينحرفوا – ولو قليلا – عن استقامة الدعوة وصلابتها ويرضوا بالحلول الوسط التي يغرونهم بها في مقابل مغانم كثيرة. ومن حملة الدعوات من يفتن بهذا عن دعوته لأنه يرى الأمر هينا، فأصحاب السلطان لا يطلبون إليه أن يترك دعوته كلية، إنما هم يطلبون تعديلات طفيفة ليلتقي الطرفان في منتصف الطريق. وقد يدخل الشيطان على حامل الدعوة من هذه الثغرة، فيتصور أن خير الدعوة في كسب أصحاب السلطان إليها ولو بالتنازل عن جانب منها! ولكن الانحراف الطفيف في أول الطريق ينتهي إلى الانحراف الكامل في نهاية الطريق. وصاحب الدعوة الذي يقبل التسليم في جزء منها ولو يسير، وفي إغفال طرف منها ولو ضئيل، لا يملك أن يقف عند ما سلم به أول مرة لأن استعداده للتسليم يتزايد كلما رجع خطوة إلى الوراء! والمسألة مسألة إيمان بالدعوة كلها فالذي ينزل عن جزء منها مهما صغر، والذي يسكت عن طرف منها مهما ضؤل، لا يمكن أن يكون مؤمنا بدعوته حق الإيمان … وأصحاب السلطان يستدرجون أصحاب الدعوات فإذا سلموا في الجزء فقدوا هيبتهم وحصانتهم، وعرف المتسلطون أن استمرار المساومة، وارتفاع السعر ينتهيان إلى تسليم الصفقة كلها! والتسليم في جانب ولو ضئيل من جوانب الدعوة لكسب أصحاب السلطان إلى صفها هو هزيمة روحية بالاعتماد على أصحاب السلطان في نصرة الدعوة. والله وحده هو الذي يعتمد عيه المؤمنون بدعوتهم. ومتى دبت الهزيمة في أعماق السريرة، فلن تنقلب الهزيمة نصرا. لذلك امتن الله على رسوله – صلى الله عليه وسلم – أن ثبته على ما أوحى الله، وعصمه من فتنة المشركين له، ووقاه الركون إليهم – ولو قليلا – ورحمه من عاقبة هذا الركون، وهي عذاب الدنيا والآخرة مضاعفا، وفقدان المعين والنصير”.

 

  1. قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}، {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} فالله تعالى حملنا أمانة الشهادة والخلافة في الأرض وجعلنا معيارا للحق وإن من شأن هذا التطبيع أن يحسن صورة النظام النصيري المجرم ويعلي من شأن المجرمين الظالمين في الأمة ويزين باطلهم ويلبس الحق على الناس ويميّع العقيدة في نفوسهم بقلب موازينها التي من أسسها الولاء والبراء على أساس العقيدة وتكريم الناس بقدر تقواهم وإيمانهم وجعل هذه المعاني الإيمانية أساسا في التقديم والتكريم وتقديمها على سائر المعاني والمصطلحات الفارغة إيمانيا كالمقاومة المجردة عن معنى الجهاد ومقصده الشرعي من إعلاء كلمة الله وهذا كله تقصير في حق تلك الأمانة وتغرير بالمسلمين قال تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} وبيان ذلك أن التطبيع مع هذا النظام المجرم والاصطفاف معه في محور واحد هو في حقيقته مدح لهذا النظام وهذا الحلف وتكريم له من خلال التسمية على الأقل فنسميه محور المقاومة والصمود والممانعة فضلا عن المدح والتكريم بسائر الألفاظ بل وإسباغ الأوسمة الإيمانية العليا على رموز الطغيان في هذا المحور كشهيد القدس ونحوه والحلف الجائز في الشرع هو الحلف الذي يقوم على أساس المصالح المشتركة فقط دون ارتماء في الأحضان وتلبس بأي من تلك المحظورات المذكورة كما سبق. فإن قيل إن الروافض والنصيريين من الأمة في الجملة ونحن نريد توحيد مكوناتها ومضافرة جهودها، قلنا هذا جهل بحقيقتهم الباطنية وعدائهم الشديد لأهل السنة وأنهم من أولى الناس بقوله تعالى: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} وجهل بتاريخهم القديم والمعاصر الحافل بالعداء والخيانة والتنكيل بأهل السنة قتلا وتشريدا واغتصابا ولم يستثن الفلسطينيون من ذلك في عصرنا فسحقهم في العراق على يد الروافض وفي لبنان على يد النظام الأسدي النصيري المجرم معروف وليس ببعيد ولذلك فإن هذا المحور في الحقيقة هو محور الخيانة للأمة والتنكيل بأبنائها والعداء للأقصى بمعاداة المنهج السني الذي يحرره لا محور المقاومة والصمود في وجه أعدائها وإن تغيير المصطلحات الذي ينشأ عنه قلب الحقائق الإيمانية وتلبيسها بالباطل خطير في ميزان الشرع.
  2. إن حمل راية الدين والجهاد في سبيله لهو أمانة عظيمة تستوجب أخذ هذا الدين بقوة ويقين وإعطاء الراية حقها من الاستمساك بها بقوة كما أمر الله عز وجل وتلك ضريبة الإمامة في الدين التي تستوجب إعلاء رايته وجعل كلمته ومبادئه هي العليا وكل المعاني التي تخالفه هي السفلى لأن هذا هو الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم المعيار الفارق بين الجهاد في سبيل الله وبين القتال أو المقاومة على أساس الحمية والوطنية والمصالح الدنيوية ولذلك وصف النبي صلى الله عليه وسلم الطائفة المنصورة بأنهم على الحق ظاهرين وأخبر وهو الصادق المصدوق أنهم محفوظون بذلك ولن يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم إن كانوا كذلك والشيطان يعدهم بالنقيض بالخذلان والهزيمة والفقر إن استمسكوا بالحق وأعلوه وإن التطبيع مع النظام المجرم ينقض ما سبق من معاني القوة واليقين وإظهار الدين وإعلاء كلمته ويخشى معه فقد استحقاق الإمامة في الدين وحمل لوائه والدخول في الطائفة المنصورة وبالتالي فقد ضمان النصر والتعرض للاستبدال.
  3. إن إعادة العلاقة مع النظام تعني التراجع عن المبدأ السابق الذي من أجله حصلت القطيعة وتعني موافقة النظام على جرائمة وإفكه وروايته الكاذبة المضللة وتجريمه للشعب ومجاهديه لأن سبب القطيعة كان مجرد عدم الموافقة على ذلك وهذا فيه مشاركة معنوية في ظلمه وتقصير في حق المجاهدين والشعب السوري المعطاء الذي أكرم الحركة وأهل فلسطين عموما أيّما إكرام وتقصير في حق دماء الشهداء وأعمار الأسرى والأسيرات وعفة الحرائر لا سيما من الشعب الفلسطيني الذين عملوا مع الحركة وساندوها في سوريا ثم دفعوا كل ذلك ثمنا لهذا المبدأ النبيل والقرار الصائب.

وإن من أكبر النعم على الحركة أن اتخذت قرارها المبدئي بالانعزال عن النظام المجرم فأنقذها الله من الانخراط في سلك الظالمين وبيض وجهها في العالمين {وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.

  1. إن التطبيع مع النظام النصيري إذا نظرنا إليه نظرة موضوعية بعيدة عن العصبية فإنه لا يبعد كثيرا في القياس عن التطبيع مع الكيان الإسرائيلي فكلاهما عدو مجرم محارب للإسلام موغل في دماء أهله مغتصب لحقوقهم فلا فرق من حيث الإجرام والخطر على الأمة. والتطبيع يعني ضمنا وجود احترام واعتراف بالسيادة والأحقية للمجرم الغاصب والفارق الجوهري هو في وجود الأقصى تحت الاحتلال الاسرائيلي ولكن هذا الفارق غير مؤثر لأن المسجد الأقصى لن يحرر إلا بتطهير الشام وتحريره من هذا النظام المجرم أولا فلم يبق فرق سوى أن إجرام النظام السوري لا يمس الفلسطينيين في فلسطين بشكل مباشر وهذه نظرة شخصية ضيقة تترفع عنها الحركة الربانية المجاهدة وتأباها أخوة الإيمان فالدم الفلسطيني في فلسطين ليس بأغلى من الدم الفلسطيني في سوريا ولا من الدم السوري أو المسلم عموما.
  2. إن العذر الذي يتعلق به المنحازون لقرار التطبيع مع النظام هو الضرورة وأن هذه الضرورة لا يقدرها إلا أصحاب القرار المطلعون وهذا يناقش من جهتين:

الأولى: أن هناك فريقا من قيادة الحركة يصرحون جهرا بأن العلاقة مع هذا المحور ـ لا سيما الإيراني الرافضي ـ لا تقوم على أساس الضرورة بل على أساس الانسجام والتقارب ووحدة المبدأ وأن الخلاف معه مجرد خلاف مذهبي فقهي سياسي لا عقدي وهذا تصريح محض بكل المحاذير التي سبق ذكرها وهو يعني أن التطبيع ليس ظاهريا فقط بل هو تطبيع فكري وهو أخطر ما في الأمر.

الثانية: أنه لا توجد ضرورة في الواقع لهذا التطبيع وهذا ما يعلمه كل متابع ومطلع على الأمور بل لا مصلحة فيه أصلا بل هو ضرر محض والأدلة على ذلك كثيرة أهمها:

ـ أن قيادة الحركة أفصحت عن مبررات هذا التطبيع والكتابات والتصريحات في ذلك عديدة ولا يوجد فيها ما يدل على الضرورة مطلقا وإنما هي مجرد مصالح قليلة ومحتملة (وهي في الحقيقة متوهمة أو محتملة إن نظرنا إليها نظرة واقعية إيمانية في مقابل تلك المفاسد المتيقنة) من قبيل تعزيز العلاقة مع الفصائل الفلسطينية الموجودة في سورية (وهي فصائل لا قيمة لها واقعيا أو عميلة لنظام الأسد) وتعزيز دور الحركة السياسي إقليميا (بل سيوشوه صورة الحركة ويفقدها عمقها الاستراتيجي من أهل السنة) وتعزيز العلاقة مع الحليف الإيراني (ما يؤدي إلى تعزيز كل المفاسد التي سبق وسيأتي ذكرها) ومنع محاولات جر النظام السوري لمستنقع التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي (النظام الأسدي النصيري هو في الحقيقة احتلال جاثم على صدور أهل السنة وضعه الاحتلال الفرنسي وهو في الواقع أكثر خيانة للقضية الفلسطينية وللجولان بالذات وأكثر تنكيلا بالفلسطينيين وحماية لليهود طوال عقود حكمه من المطبعين أنفسهم وإنما يحاول تحسين صورته بالتمسح بالمقاومة وكانت المقاومة تدرك ذلك لما كانت في سوريا لكنها كانت تتعامل معه وفق المصالح المشتركة) ووجود مكان تتموضع فيه الحركة بعد التنكر لها من الأصدقاء (كانت هذه الحاجة أكبر لما قررت الحركة مغادرة سوريا واتقت الله وتوكلت عليه فجعل لها مخرجا ويسر لها المأوى فحق الاعتبار بالتجربة الأولى واليوم الخيارات أوسع لوجود بعض الأماكن المحررة حسا وروحا كالشمال السوري وأفغانستان يمكن أن تعمل فيها جهرا أو سرا ويكون الإعلام في غزة كما أن التواجد في سوريا تحت حماية النظام قد يعرض أبناء الحركة للخطر والتصنيف كعملاء للنظام من قبل المعارضين كما فعلوا مع القيادة العامة وغيرها وقد حرقوا مكتبها في دمشق في مخيم اليرموك إبان الثورة وكادوا أن يحرقوا مكتب الحركة أيضا لولا التوجه والقرار المبدئي للحركة الذي جعل الشعب يلتف حولها بدلا من ذلك وقد شهدت تلك الحقبة بنفسي ثم قد يعرضهم للملاحقة والطرد بعد تحرير سوريا بإذن الله) ونحو ذلك من المصالح التي لا تقارن بالمحاذير السابقة وغيرها من المفاسد.

ـ وأن القطيعة مع النظام السوري استمرت أكثر من عشر سنوات والحركة ماضية وفي صعود مما ينفي وجود ضرورة للتطبيع مع هذا النظام وليست ثمة مصلحة حقيقية في هذا التطبيع إلا من خلال تجدد الحاجة للتموضع في الخارج أو تقوية العلاقة مع روسيا أو إيران والأولى أجبت عنها والثانية مستبعدة الآن وأما العلاقة مع إيران فقوية أصلا ولا ضرورة لتوطيدها بهذه الطريقة المشؤومة وإن كان هذا شرطا وضعته إيران الآن فهذا يفهم منه أحد أمرين: إما أنه ابتزاز وتبعية مهينة لما رأوه من تماه معها عند فريق من قيادة الحركة وهذا يعني أن رضوخ الحركة لهذا الابتزاز يعني الانبطاح أمام إيران الصفوية والمزيد من الابتزازات والتنازلات ومن ثم الولاء وتلاشي الهوية وإما أنه شرط اختياري لتوطيد العلاقات مما يعني التطبيع الفكري الذي ذكرناه آنفا وهو الأخطر ـ أعاذ الله الحركة من الأمرين جميعا ـ وعلى كل حال فلا وجود للضرورة.

ـ الحركة أصلا لم تدّعِ وجود ضرورة ولم تصرح بذلك ولو كان ثمة ضرورة لحرصت الحركة على ذكرها ولو بدون تفصيل لتدفع عن نفسها لا سيما في ظل الاتهامات واللوم الكثير الشديد الموجه لها كما أن مثل هذا الأمر الخطير لا يقبل فيه مثل هذه الضبابية وإن كان عند الحركة ضرورة فيجب عليها أن تصرح بذلك وتبينه لأنها لا تمثل نفسها بل الأمة ومن حق الأمة عليها أن تعلم إلى أين تتجه وألا تنفرد بمثل هذا القرار الخطير بناء على مصالح خاصة أو تبريرات خفية وغير منطقية وقد ذكرت القيادة كل ما لديها من مبررات في اجتماعها مع العلماء في تركيا ومع ذلك اتخذوا قرارهم بحرمة هذا التوجه وعدم ترجح تلك المسوغات بالإجماع بالطبع لا يقصد بالإجماع هنا الإجماع الأصولي لكن القيمة العلمية الكبيرة للعلماء الحضور وتمثيلهم لأغلب وأشهر المجامع الفقهية في العالم الإسلامي تقوي قرارهم ومن خالفهم فليظهر حجة أقوى دون تعصب فالمقصد النصح والوصول للحق.

ـ على فرض وجود بعض المصالح الحقيقية فإنا إذا نظرنا في المقابل إلى المفاسد الدينية المتمثلة بالنقاط السابقة والدنيوية والأخلاقية المتمثلة بتشويه صورة الحركة والخشية من انقسامها وخسارة عمقها الاستراتيجي الأعمق وهم المخلصون من أهل السنة فسنجد أن إثم هذا التطبيع أكبر من نفعه بكثير ويكفي في ذلك أن تجعل الحركة نفسها في محور خائب محكوم عليه بالخذلان والذل في الدنيا والآخرة وتربط مصيرها به قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} قال العلماء إن الروافض من أشد المفترين على الله ورسوله وآله وصحبه والمؤمنين فكيف بالنصيريين؟!.

وفي الختام

هذا اجتهاد أبتغي به وجه الله تعالى والنصح لإخواني المجاهدين الذين أحب والله أن يكونوا أعز الناس وأهداهم وأشدهم تمسكا بحبل الله وأسأله تعالى أن يوفقهم ويسددهم ويربط على قلوبهم ويثبت أقدامهم على الحق ويبصرهم به وينصرهم ويمكن لهم ويعينهم على إقامة دينه وشرعه.

والحمد لله رب العالمين.

اترك تعليق

  1. يقول جزاكم الله خيرا احسنت وابدعت:

    محمد عماد خطيب
    [email protected]

    1. يقول admin:

      أكرمكم الله وبارك فيك

  2. يقول عماد الدين هولو:

    ما الفرق شرعا بين إيران ونظام الأسد
    تبدو الفتوى قد تركت الأصل وركزت على الفرع؟

    1. يقول admin:

      الفرق أن نظام الأسد لا توجد ضرورة للتعامل معه.