“الشهود الحضاري” أقام ندوة عن: “القيم المعيارية العليا وأثرها في بناء نظام سياسي حضاري”

 ✍️ تحرير الموقع

أقام مركز الشهود الحضاري للدراسات الشرعية والمستقبلية بالتعاون مع مركز محكمات للبحوث والدراسات ندوة بعنوان: “القيم المعيارية العليا وأثرها في بناء نظام سياسي حضاري”، وذلك يوم السبت 12 نوفمبر 2022م.

واقع الأمة خلال قرن وتيه المسلمين

واستفتح الندوة د. وصفي عاشور أبو زيد، رئيس مركز الشهود الحضاري، بالحديث حول واقع الأمة خلال قرن من الزمان وأكثر؛ حيث تاهت الأمة في أنظمة حكمها – سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتعليميا – بين برامج الشرق والغرب التي سقطت وهاجمها أهلها وواضعوها والمؤمنون بها، رغم أن عندنا من أصول هذه الأنظمة وأحكامها ما تؤسس له العقيدة الإيمانية، وتنظمه الشريعة الإسلامية، وترقى به الأخلاق الربانية.

هل الإسلام فيه نظم للحكم والاجتماع؟

وقال: إن هناك فئة من العلمانيين ومن يسلك مسلكهم من بعض الإسلاميين يقولون إن الإسلام لا يملك نظاما سياسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا، وإنما هي مجموعة من القيم العامة والمبادئ الكبرى التي يحققها الناس بأي نظام وبأي طريقة، في الوقت الذي نجد فيه أصولا وتفصيلات ذكرتها الشريعة الإسلامية من خلال القرآن والسنة في هذه النظم جميعا.

وكان المتحدث الرئيس في الندوة فضيلة أ.د. عطية عدلان، رئيس مركز محكمات للبحوث والدراسات، الذي استفتح محاضرته بتأسفه على بعض الإسلاميين الذين ذهبوا مذاهب العلمانيين في تجريد الإسلام حسب فهمهم من نظام سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، في حين أن الإسلام جاء بنظام لكل مجال: سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي أو تعليمي تربوي، وله أحكامه الواضحة كل الوضوح في ذلك.

وقال: إن الشريعة الإسلامية جاءت بأحكام قطعية محكمة لا تقبل التغيير ولا المرونة، وجاءت بأحكام أخرى ظنية مرنة تستوعب الاختلاف في المكان والزمان والإنسان، بما يراعي نقاصد الشرع ويحقق مصالح الخلق.

ماهية القيم العليا الحاكمة بيننا وبين الغرب

وذكر أن المبادئ أو القيم، هي: الأسس والقواعد العامة الحاكمة لما تحتها، والضابطة أو الموجهة لها، والمقومة والمقيمة للتصرفات في ضوئها وتحت سلطانها، فالحرية والعدالة والكرامة قيم موجودة عند الغرب وعندنا، لكن لها في الإسلام أحكام تفصيلية تفصل بيننا وبين الغرب في مضمونها وتطبيقها بما يجعلها عندنا أقرب إلى الواقعية وحفظ كرامة الإنسان وتمتعه بهذه القيم في أبهى صورة وأكمل نصيب.

فالحرية عند الغرب أن يملك الإنسان حرية التصرف في بدنه يفعل فيه ما يشاء، فيحول نفسه أنثى، وتحول نفسها ذكرا، وتتزوج امرأة ويتزوج رجلا، فهذه هي الحرية عندهم، والعدل عندهم أن تتساوى المرأة بالرجل في كل شيء مساواة مطلقة، وهذه النظرة الغربية لهذه القيم نختلف معها اختلافا جذريا، فهناك أحكام شرعية عندنا تنظم هذه القيم وتحكمها بما في ذلك القيم العليا المعيارية الحاكمة التي سيأتي الحديث عنها.

وتساءل: ما الذي يحكم هذه القيم، وما الذي يحكم النظم في الإسلام؟ ليقرر أنها القيم العليا الحاكمة المعيارية؛ فهي عليا لأنها أعلى من القيم السالفة وليس فوقها قيم أخرى، وهي حاكمة لأنها تحكم ما تحتها، ومعيارية لأن ما سواها يعاير بها ويُحاكَم إليها.

وذكر أن هذه القيم – حسب اجتهاده – هي: “الإيمان بالغيب، والتوحيد، والإسلام، والإحسان، والاتباع، والاستخلاف، والأمانة، والإنسانية”.

وتناول كل قيمة من هذه القيم مبينا معناها، وما تقتضيه، وتجلياتها في حاكميتها على ما يليها من قيم، ومن مجالات، ومن نشاط إنساني.

القيم العليا الحاكمة وتجلياتها في نظم الحكم والنشاط الإنساني

فالإيمان بالغيب يقتضي وضع اليوم الآخر في حسابات الأمم والأفراد والحكام والمحكومين داخل النشاط الإنساني جميعا، ولا شك أن لهذا الاستحضار أثرَه الكبير في الضبط العملي، وحسن التطبيق، والإتقان والإحسان.

والتوحيد يقتضي إفراد الله تعالى بالتشريع والمصدرية في جميع النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وغيرها، والأخذ عن شرع الله دون سواه، وهذا هو التوحيد المقصود هنا، وليس توحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات.

وأما قيمة الإسلام فلا نعني بها هنا الإسلام بوصفه دينا، وإنما نعني بها أن يُسلم الإنسان نفسه وتصرفاته لشريعة الإسلام، ويحكم على تصرفاته من خلال أحكامها، مثل قول الله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا یُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ یُحَكِّمُوكَ فِیمَا شَجَرَ بَیۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا یَجِدُوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ حَرَجࣰا مِّمَّا قَضَیۡتَ وَیُسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمࣰا﴾ [النساء ٦٥]، وقول القرآن على لسان ملكة سبأ: ﴿رَبِّ إِنِّی ظَلَمۡتُ نَفۡسِی وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَیۡمَـٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [النمل ٤٤]، وقوله تعالى: ﴿إِذۡ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥۤ أَسۡلِمۡۖ قَالَ أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [البقرة ١٣١]. والمعنى الذي تشير إليه هذه الآيات الكريمة هو الانقياد والتسليم لله رب العالمين.

وأما قيمة الإحسان، فهو الجودة والإتقان للعبادة كي نصل بها إلى هذا المستوى: “أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك”، والعبادة ليست الشعائر فقط، وإنما هي اسم جامع لكل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأعمال الظاهرة والباطنة.

وأما قيمة الاتباع، فتعني اتباع الوحي عامة، قال تعالى: ﴿ٱتَّبِعۡ مَاۤ أُوحِیَ إِلَیۡكَ مِن رَّبِّكَۖ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِینَ﴾ [الأنعام ١٠٦]، وقال تعالى: ﴿وَٱتَّبِعۡ مَا یُوحَىٰۤ إِلَیۡكَ وَٱصۡبِرۡ حَتَّىٰ یَحۡكُمَ ٱللَّهُۚ وَهُوَ خَیۡرُ ٱلۡحَـٰكِمِینَ﴾ [يونس ١٠٩]، وقال عز شأنه: ﴿وَٱتَّبِعۡ مَا یُوحَىٰۤ إِلَیۡكَ مِن رَّبِّكَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣰا﴾ [الأحزاب ٢].

ولا نعني بالاتباع هنا الاصطلاح المتأخر الذي جعله البعض في مواجهة البدعة، وإنما معناه أشمل وأعلى وأكبر من ذلك، يقابله في الغرب مصطلح “العقلانية” بمعنى جعل العقل إلها وحاكما ومصدرا للتشريع وكل شيء في الحياة.

وأما قيمة الاستخلاف، وهي من القيم الحكامة المعيارية العليا، فالإنسان في الإسلام خليفة الله في أرضه وفق شرعه، يقوم بمهمة العمارة والعبادة مع الاستخلاف، ويعمل جاهدا على تحكيم شرع الله في كل مجال.

أما في الغرب فالإنسان هو سيد على كل هذه الطبيعة، وبنوا على هذه النظرة تصوراتهم للكون والحياة والإنسان، ولا ضابط له إلا مصلحته هو، والتي قد تكون عنصرية في كثير من الأحيان.

وأما قيمة الأمانة، فهي أمانة الحكم الشرعي، ولله حكمان: حكم كوني لا يخرج عنه الناس، كل الناس، وهم مقهورون عليه ، وحكم شرعي، وللإنسان فيه حرية الاحتيار وإرادة الفعل أو الترك، والحكم الكوني يختل باختلال الحكم الشرعي، يشير إلى ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا ضُيِّعَتِ الأمانَةُ فانْتَظِرِ السّاعَةَ قالَ: كيفَ إضاعَتُها يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: إذا أُسْنِدَ الأمْرُ إلى غيرِ أهْلِهِ فانْتَظِرِ السّاعَةَ” [البخاري عن أبي هريرة (٦٤٩٦)].

أما قيمة الإنسانية، فلا نعني بها المعنى المطلق الذي يعطي للإنسان حريته المطلقة دون قيود، وإنما نعني بالإنسانية أن هذا الدين جاء لمصلحة الإنسان دون تفرقة بين الأجناس والألوان والأوطان، فالمسلمون أصحاب رسالة عالمية.

القيم العليا المعيارية حاكمة على الدول والأفراد والمجتمعات

وعقب د. وصفي أبو زيد بأن هذه القيم المهمة والتأسيسية حاكمة على كل مجال وكل نشاط وكل حراك، حاكمة على الدول، وعلى الحكومات، وعلى القوانين والدساتير، وعلى الحركات العاملة لاستعادة مجد الإسلام ووحدة المسلمين، وحاكمة على كل تصرف بشري أو نشاط إنساني، ففي ضوئها تُقيم التصرفات، وتُحكم الحكومات، وعلى أساسها نقيم حال الأمة وحال حركاتها وأحزابها قربا أو بعدا من الإسلام عقيدة وأخلاقا وشريعة.

وقد شهدت الندوة حضورا أدلى بأسئلة مهمة وقام د. عطية عدلان بالإجابة عنها.

يذكر أن مركز الشهود الحضاري للدراسات الشرعية والمستقبلية مقره في اسطنبول، ويعمل على تقديم نموذج رائد في الدراسات الشرعية لتلبية حاجات الواقع ومستجداته واستبصار المستقبل من خلال بحوث ودراسات منهجية متخصصة، وأنشطة إعلامية مدروسة؛ لخدمة الجهات المهتمة والمستفيدة؛ وفق القيم الحاكمة للمؤسسة.

وأن مركز محكمات للبحوث والدراسات، في اسطنبول، مركز علمي يعرف بمحكمات الإسلام، ويسهم بقدر كبير ومؤثر وفعال في ترسيخها في الأمّة؛ كثوابت تحفظ الدّين، وتهيِّئ لوحدة المسلمين.

اترك رداً على عطية عدلان الغاء التعليق

  1. يقول عطية عدلان:

    بارك الله فيك أخي الكريم سعادة الدكتور وصفي

  2. يقول محمدلوح أبو مصطفى:

    محاضرة قيمة في موضوع مهم جداً ينبغي نشرها
    جزى الله القائمين عليها خيرا وكثر أمثالهم