جهود المنار في بيان سنة الله في إهلاك الأمم

بقلم أ.د. رمضان خميس الغريب(*)

الناظر في تفسير المنار لأول وهلة يدرك عناية المنار وجهده في بيان السنن الربانية بصفة عامة وسنة الله في إهلاك الأمم بصفة خاصة، ونظرة عجلى – فضلا عن المتأنية – إلى فهارس تفسير المنار تريك بوضوح وجلاء جهود صاحب المنار في بيان هذه القضية، ويمكننا أن نرصد أدلة تلك الدعوى في نقاط نوجزها فيما يلي:

1- تعريف السنن لدى تفسير المنار

    من جهود صاحب تفسير المنار في بيان السنن وأهميتها تعريفه لها تعريفا يكشف عن وعيه بهذه القوانين الحاكمة والنواميس الماضية التي يخضع لها البشر كافة من غير محاباة ولا استثناء، فيقول:” السنن: جمع سنة، وهي الطريقة المعبدة، والسيرة المتبعة، أو المثال المتبع، قيل إنها من سن الماء إذا والى صبه، فشبهت العرب الطريقة المتبعة بالماء المصبوب؛ فإنه لتوالى أجزائه على نهج واحد يكون كالشيء الواحد، وقد جاء ذكر السنن في مواضع من الكتاب العزيز كقوله في سياق أحكام القتال وما كان في وقعة بدر: ” قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ ” ([1])، وقوله في سياق أحوال الأمم مع أنبيائهم: “وقد خلت سنة الأولين “([2])،  وقوله في سياق دعوة الإسلام: “سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا “([3])، وقوله في مثل هذا السياق: “فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا “([4])، وصرح في سور أخرى كما صرح هنا بأن سننه لا تتبدل ولا تتحول، كسورة بني إسرائيل، وسورة الأحزاب، وسورة الفتح( [5])” ، ويعقب -رحمه الله -على هذا الاهتمام القرآني بالسنن وورودها فيقول: هذا إرشاد إلهي لم يعهد في كتاب سماوي، ولعله أرجئ إلى أن يبلغ الإنسان كمال استعداده الاجتماعي، فلم يرد إلا في القرآن الذي ختم الله به الأديان “([6]

جوانب تطبيقية من علم السنن عند صاحب المنار

وقد تناول السيد رشيد رضا جانبا تطبيقيا لهذا الاهتمام  وظهر ذلك في عددً من السنن نبه عليها وتناول الحديث عنها ومن ذلك ما يلي:

1-سنة الله في إيتاء الملك ونزعه 3/222.

2-سنة الله فيمن اتبع هواه وأخلد إلى شهواته 9/341.

3- سنة الله فيما يغفره ومالا يغفره 5/122.

 4-سنة الله في الانتخاب الطبيعي 8/6.

5-سنة الله في جعل العاقبة للمتقين  12/200.

6-سنة الله في عاقبة الجهل 9/377.

7-سنة الله في وارثي الأمم وحالهم اليوم 9/483.

8-سنة الله في إهلاك الأمم 12/204.

9-سنة الله في مكر أكابر المجرمين 8/29.

10سنة الله في النصر 2/393.

11–سنة الله في التدافع 2/394.

12-سنة الله في تمييز الخبيث من الطيب 4/208.

13-سنة الله في اختلاف الأمم 12/205.

14-سنة الله في تنازع رجال المال ودعاة الإصلاح 12/20.

15-سنة الله في ضلال الفاسقين 1/199.

16-سنة الله في إصلاح النفوس 3/56.

17-سنة الله في عاقبة الظلم 3/17.

18-سنة الله في الهداية 3/299.

19-سنة الله فيمن لا تقبل توبتهم 4/367.

20-سنة الله في الإملاء للكافرين 4/237.

21-سنة الله في التداول الحضاري 4/121.

22-سنة الله في الأسباب والمسببات 5/179.

23-سنة الله في الجزاء 5/343.

 25-سنة الله في عقاب معاندي الرسل 7/257.

26-سنة الله في المقلدين 7/290.

27-سنة الله في السعادة والشقاوة 8/223.

28-سنة الله في أكابر المجرمين مع المصلحين 8/4.

29-سنة الله في السابقين إلى الإصلاح 8/449.

30-سنة الله في سوء عاقبة الماكرين 8/30.

31-سنة الله في ولاية الظالمين بعضهم لبعض 8/78.

32-سنة الله في عداوة شياطين الإنس والجن للرسل 8/5.

33-سنن الله وحكمه في قصص الأنبياء 9/14.

34-سنة الله في أول من اتبع الأنبياء 10/410.

35-سنن الله في الطبائع والغرائز 12/197.

36- سنة الله في خلقه 2/73.

37- سنة الله في الخير والشر2/225.

38- سنة الله في عزة الأمم2/219.

39- سنة الله في نجاح الأعمال 2/ 30.

40- سنة الله في الرزق2/ 219.

41- سنة الله في إصلاح النفوس3/ 56.

42- سنة الله في الهداية3/ 299.

43- سنن الله في النعم والنقم4/ 134.

44-سنة الله في سعادة الدارين4/126.

45- سنة الله في مداولة الأيام4/ 121.

46- سنة الله في المصائب4/ 28…

47- سنة الله في موت المرء على ما عاش عليه4/ 17.

 48- سنن الله في تولي الصالحين4/145.

49- سنن الله في الجزاء4/178…

50- سنن الله في عقاب الأمم4/ 241.

51- سنة الله في الأفراد والجماعات8/5.

52- سنة الله في سوء عاقبة الماكرين8/ 30.

53- سنة الله في الأعمال والأعمار8/ 51.

54-سنن اله في التمييز بين  الخبيث والطيب9/551.

55- سنن الله في استخلاف الأمم9/ 481.

56- سنن الله في حفظ الأمم من الهلاك بالإصلاح في الأرض 9/ 20.

57- سنن الله في ضياع الممالك 9/ 482.

58- سنة الله في عقاب الأمم 9/ 318…

59- سنة الله فيمن اتبع هواه وأخلد إلى الأرض 9/ 343.

60- سنة الله في تمحيص الشدائد للبشر 10/ 184.

61- سنة الله في فتنة الأموال والأولاد10/ 116.

62- سنن الله في أول من يتبع الأنبياء10/ 410.

63- سنن الله في تغيير أحوال الأمم10/ 33-41.

64- سنن الله في تفاوت استعداد البشر10/121.

65- سنة الله في ترتيب العمل على العلم11/ 164.

66-سنة الله في تربية الأمم والأفراد11/ 164.

67-سنن الله في العمران والاجتماع12/198.

68- سنن الله في تنازع رجال المال ودعاة الإصلاح12/ 200.

69- سنن الله في الطباع والغرائز12/ 197.

70- سنن الله في التقدير والتكوين12/194.

وهذه الرؤوس الموضوعية غيض من فيض، وقل من كثر، مما سجله السيد رشيد رضا حول موضوع السنن، وقد حرصت علي جمع هذا الثبت بهذه الموضوعات لأنها هي التي تصلح لأن تكون ِفكََرا مستقلة، أما حديثه عن السنن ومفهومها فأكثر من أن تحويه هذه الصفحات المعدودة، وتلك الكلمات المحدودة، وأرى في ذلك فرصة لأهيب بالباحثين والدارسين في مجال الدراسات القرآنية وعلوم الاجتماع البشري أن يمعنوا النظر في تفسير المنار والإفادة منه فهوم موسوعة اجتماعية إصلاحية من طراز فريد.

– وصف تفسير المنار وعلاقته بعلم السنن:

ومما يدل على اهتمام الأستاذ الإمام بعلم السنن وصف تفسيره بهذا الوصف الذي يدل على عمق تناوله لعلم السنن، وأنه جانب مهم من جوانب عنايته، إذ يصفه السيد رشيد بقوله: “هذا هو التفسير الوحيد الجامع بين صحيح المأثور، وصريح المعقول، الذي يبين حكم التشريع، وسنن الله في الإنسان، وكون القرآن هداية للبشر في كل زمان ومكان، ويوازن بين هدايته وما عليه المسلمون في هذا العصر وقد أعرضوا عنها، وما كان عليه سلفهم المعتصمون بحبلها، وهذه هي الطريقة التي جرى عليها في دروسه في الأزهر حكيم الإسلام الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده”([7]) والذي ينظر في هذا الوصف لتناول الأستاذ الإمام للتفسير يجد اهتمامه بعلم السنن، وتطبيقها علي المسلمين كان جانبا كبيرا من جوانب تفسيره، أخذ قدرا من دعوته الإصلاحية المرتكزة على القرآن الكريم  وهداياته ويرى بحق صدق هذا الوصف الدقيق لعناية المنار وصاحبه بعلم السنن وتطبيقاتها على الواقع المعيش للأمة المسلمة.

2- تفسير المنار وتناوله للسنن:

من المعلوم أن تفسير المنار الذي دونه السيد رشيد رضا يقوم في لحمته وسداه على فكر الأستاذ الإمام، وهو ما جرى عليه في تفسيره الذي كان يلقيه دروسا في الأزهر، ويدونها السيد رشيد، ويعرضها في جملتها وتفصيلها على الأستاذ الإمام، يقول السيد رشيد- مبينا صلة تفسير المنار بالأستاذ الإمام ودوره في هذا التفسير: “كنت أكتب أثناء الدرس مذكرات أودعها ما أراه أهم ما قاله، وأحفظ ما أكتب لأجل أن أبيضه، وأمده بكل ما أتذكره في وقت الفراغ، وكنت أولا أطلع الأستاذ الإمام على كل ما أعده للطبع كلما تيسر ذلك، بعد جمع حروفه في المطبعة وقبل طبعه، وكان ربما ينقح فيه بزيادة قليلة، أو حذف كلمة أو كلمات، ولا أذكر أنه انتقد شيئا مما لم يره قبل الطبع، بل كان راضيا بالمكتوب، بل معجبا به، على أنه لم يكن كله نقلا عنه معزوا إليه، بل كان تفسيرا للكاتب من إنشائه اقتبس فيه من تلك الدروس العالية  جل ما (استفاده) منها، ولما كان- رحمه الله- يقرأ كل ما أكتبه، إما قبل طبعه وهو الغالب، وإما بعده وهو الأقل، لم أكن أرى حرجا فيما أعزوه إليه مما فهمته، وإن لم أكن كتبته في الدرس؛ لأن إقراره إياه يؤكد صحة الفهم وصدق العزو”([8]).

 وإذا ثبت لنا هذا وتأكد لدينا فإن خلاصة تفسير المنار هي فكر الأستاذ الإمام، والناظر لأول وهلة لفهارس المنار يجد إلى أي مدى اعتنى الأستاذ الإمام وتلميذه بعلم السنن، فما نجد جزءا إلا وفيه قضية من قضايا السنن: شرحا لها، أو إرشادا إلى كيفية التعامل معها، أو إلماحا إلى إحسان توظيفها، بل لا أكون مبالغا إذا قلت: إنه لا تمر صفحة من صفحات المنار إلا وفيها حديث عن السنن، طويل أو قصير، إن دل هذا على شيء فإنما يدل على عناية الأستاذ الإمام بعلم السنن، ولفت أنظار المسلين إليه، وسنرى في هذه الدراسة ثبتا بأهم السنن التي استخرجها الأستاذ الإمام عند تناوله لتفسير آيات القرآن الكريم.

 1-  منهاج العروة الوثقى وعلاقته بالحديث عن السنن وأثر ذلك في المنار:

لقد انتحى الأستاذ الإمام مع السيد جمال الدين الأفغاني في كتابة مقالات العروة الوثقى منحى يؤكد وجهتهما في الإصلاح ووقوفهما على كثير من سنن الله تعالى في كونه ونواميسه في عباده فقد أيقظت العروة الوثقى كما وصف السيد رشيد رضا هذه المقالات بأنها كالماس الكهربائي الذي تضاء به عقول قارئيها إنها تؤثر في نفسه وشخصه حتى يخرج من طور إلى طور ، ويصف السيد رشيد رضا العروة الوثقى([9]) ومقالاتها وكيف نقلته من حال الانعزال والانطواء إلى حركة هادرة وعمل موار بقوله: ( كنت من قبل اشتغالي بطلب العلم في طرابلس الشام، مشتغلا بالعبادة، ميالا إلى التصوف، وكنت أنوى بقراءة القرآن الاتعاظ بمواعظه؛ لأجل الرغبة في الآخرة، والزهد في الدنيا، ولما رأيت نفسي أهلا لنفع الناس بما حصلت من العلم –على قلته صرت أجلس إلى العوام في بلدنا، أعظهم بالقرآن، مغلبا الترهيب على الترغيب، والخوف على الرجاء، والإنذار على التبشير، والزهد في الدنيا على القصد والاعتدال فيها،حتى ظفرت بنسخ من جريدة العروة الوثقى في أوراق والدي، فأثرت في قلبي تأثيرا شديدا، ودخلت بها في طور جديد من حياتي، وأعجبت جد الإعجاب بمنهج تلك المقالات، في الاستشهاد والاستدلال على قضاياها بآيات الكتاب، وما تضمنه من تفسيرها، مما لم يحوم حوله أحد من المفسرين على اختلاف أساليبهم في الكتابة، ومدارهم في الفهم ([10])،  ويوضح السيد رشيد رضا أن منهج العروة الوثقى انفرد بأشياء لم يحم حولها أحد من المفسرين السابقين ولخص ذلك في ثلاثة أمور هي :

1- بيان سنن الله تعالى في الخلق، ونظام الاجتماع البشري، وأسباب ترقي الأمم وتدليها، وقوتها وضعفها.

2- بيان أن الإسلام دين سيادة وسلطان، وجمع بين سعادة الدنيا وسعادة الآخرة، ومقتضى ذلك أنه دين روحاني، و اجتماعي،  ومدني وعسكري وأن القوة الحربية فيه لأجل المحافظة على الشريعة العادلة، و الهداية العامة، وعزة الملة، لا لأجل الإكراه على الدين بالقوة.

3- بيان أن المسلمين ليس لهم جنسية إلا دينهم، فهم إخوة، لا يجوز أن يفرقهم نسب ولا لغة ولا حكومة “([11]).

ويؤكد هذا المعنى في موطن آخر فيقول :”إن مسلك جريدة العروة الوثقى في الدعوة إلى الإصلاح الإسلامي  من طريق إرشاد القرآن وبيان سنن الله تعالى في الإنسان والأكوان قد فتح لي في فهم القرآن بابا لم يأخذ بحلقته أحد من المفسرين المتقدمين فهناك فرق بين فهم الأستاذ الإمام وأستاذه الحكيم للقرآن وبين أفهام المتقدمين الذين كانت حظوظهم من تفسير الآية كتابة سطرين أو بضعة أسطر أكثرها في غير سبيل هدايتها”([12]) ويسوق السيد رشيد رضا تفسير الأستاذ الإمام لقوله تعالي” إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”([13])، مؤكدا بها ما يذهب إليه من جودة فهم الأستاذ الإمام واعتنائه بعلم السنن، ذاكراً أن هذا التفسير نشر في جريدة العروة الوثقى العدد السابع عشر ذى الحجة 1301 بعنوان سنن الله في الأمم وتطبيقها على المسلمين.

وشاهد القول: أن الأستاذ الإمام منذ بدايات دعوته في الإصلاح يضع سنن الله تعالى في ذهنه، فإن الإصلاح والتغيير بني على نواميس ثابتة، وسنن ماضية، لا تتخلف ولا تتأجل، وهذه النظرة السننية إلى الحياة وضوابطها هي النظرة الحية التي تنقل سامعها وقارئها من طور إلى طور، كما صنعت في السيد رشيد رضا فجعلته ينظر إلى القرآن وهداياته نظرة جديدة، بدل أن يكون القرآن كتاب وعظ وترهيب فحسب، أصبح في نظره كتاب هداية ومنهج إصلاح وبناء حياة دينية ومدنية وعسكرية واجتماعية.

دعوة المنار إلى فقه السنن وتدوينها وإحسان التعامل معها:

    ومن جهود المنار في بيان السنن وإرشاد المسلمين إليها دعوته إلى التعامل معها وفقهها إلى درجة الوجوب فيقول: (إن إرشاد الله إيانا إلى أن له في خلقه سننا يوجب علينا أن نجعل هذه السنن علما من العلوم المدونة؛ لنستديم ما فيها من الهداية والموعظة على أكمل وجه، فيجب على الأمة في مجموعها أن يكون فيها قوم يبينون لها سنن الله في خلقه كما فعلوا في غير هذا العلم من العلوم والفنون التي أرشد إليها القرآن بالإجمال وقد بينها العلماء بالتفصيل عملا بإرشاده كالتوحيد والأصول والفقه. والعلم بسنن الله- تعالى- من أهم العلوم وأنفعها، والقرآن يحيل عليه في مواضع كثيرة،) ([14])

الصحابة وعلم السنن في نظر صاحب المنار:

ويرد صاحب المنار اعتراضا قد يرد بأن الصحابة لم يدونوا هذا العلم فيذكر أنهم لم يدونوه كما لم يدونوا باقي العلوم، ولكنهم كانوا يدركونه ويحسنون توظيفه في النصر والحرب والتجارب، وإن لم يسموه باسمه، فليسمه الناس علم السنن، أو علم الاجتماع أو علم السياسة الدينية، فلا حرج في التسمية .وعندما يتحدث -رحمه الله- عن أقسام التفسير يذكر أن لها مراتب أعلاها لا تتم إلا بأمور، ومن أبرز هذه الأمور وتلك الوسائل: “العلم بأحوال البشر” “فقد أنزل الله هذا الكتاب وجعله آخر الكتب، وبين فيه كثيراً من أحوال الخلق وطبائعهم، والسنن الإلهية في البشر، وقص علينا أحسن القصص عن الأمم وسيرها الموافقة لسنته فيها، فلابد للناظر في هذا الكتاب من النظر في أحوال البشر، في أطوارهم وأدوارهم، ومناشيء اختلافهم من قوة وضعف، وعز وذل، وعلم وجهل، وإيمان وكفر، ويذكر أن القرآن نفسه دعا إلى هذا العلم والانتفاع به بقوله: ” لقد أجمل القرآن الكلام عن الأمم ، والسنن الإلهية وعن آياته في السماوات والأرض وفي الآفاق والأنفس وهو إجمال صادر عمن أحاط بكل شيء علماً “([15])، ويؤكد –رحمه الله- على أن العلم بالسنن أعظم العلوم وأعظم الوسائل لكمال العلم بالله تعالى وصفاته وموصل إليه فيقول: ” إن علم السنن أعظم الوسائل لكمال العلم بالله –تعالى- وصفاته ومن أقرب الطرق إليه، وأقوى الآيات الدالة عليه، وهو أعظم العلوم التي يرتقي بها البشر في الحياة الاجتماعية المدنية، فيكونون بها أعزاء أقوياء سعداء، وإنما يرجى الاستفادة منه إذا نظر فيه إلى الوجه الرباني والوجه الإنساني جميعاً وهو ما كان عمر ينظر فيه بنور الله في نظرته وهداية كتابه … وإن في سياسة عمر وفي كلامه لدلائل كثيرة على بصيرته في هذا العلم “([16]).

مظان السنن ومواطن وجودها في نظر صاحب المنار:

ويبين مظان إدراك السنن ومواطن وجودها بقوله: (دلنا القرآن على مأخذه- علم السنن- من أحوال الأمم، إذ أمرنا بالسير في الأرض لأجل  اجتلائها، ومعرفة حقيقتها” ([17])، وفي موطن آخر يقول: (والسير في الأرض والبحث عن أحوال الماضين وتعرف ما حل بهم هو الذي يوصل إلى معرفة تلك السنن والاعتبار بها كما ينبغي. نعم إن النظر في التاريخ الذي يشرح ما عرفه الذين ساروا في الأرض ورأوا آثار الذين خلوا يعطي الإنسان من المعرفة ما يهديه إلى تلك السنن ويفيده عظة واعتبارا ولكن دون اعتبار الذي يسير في الأرض بنفسه ويرى الآثار بعينه ولذلك أمر بالسير والنظر)([18])

العلم بأحوال البشر وعلاقته بعلم السنن في نظر صاحب المنار:

وعندما يتحدث -رحمه الله- عن أقسام التفسير يذكر أن لها مراتب أعلاها لا تتم إلا بأمور، ومن أبرز هذه الأمور وتلك الوسائل: “العلم بأحوال البشر” “فقد أنزل الله هذا الكتاب وجعله آخر الكتب، وبين فيه كثيراً من أحوال الخلق وطبائعهم، والسنن الإلهية في البشر، وقص علينا أحسن القصص عن الأمم وسيرها الموافقة لسنته فيها، فلابد للناظر في هذا الكتاب من النظر في أحوال البشر، في أطوارهم وأدوارهم، ومناشيء اختلافهم من قوة وضعف، وعز وذل، وعلم وجهل، وإيمان وكفر، ويذكر أن القرآن نفسه دعا إلى هذا العلم والانتفاع به بقوله: ” لقد أجمل القرآن الكلام عن الأمم ، والسنن الإلهية وعن آياته في السماوات والأرض وفي الآفاق والأنفس وهو إجمال صادر عمن أحاط بكل شيء علماً “([19])، ويؤكد –رحمه الله- على أن العلم بالسنن أعظم العلوم وأعظم الوسائل لكمال العلم بالله تعالى وصفاته وموصل إليه فيقول: ” إن علم السنن أعظم الوسائل لكمال العلم بالله –تعالى- وصفاته ومن أقرب الطرق إليه، وأقوى الآيات الدالة عليه، وهو أعظم العلوم التي يرتقي بها البشر في الحياة الاجتماعية المدنية، فيكونون بها أعزاء أقوياء سعداء، وإنما يرجى الاستفادة منه إذا نظر فيه إلى الوجه الرباني والوجه الإنساني جميعاً وهو ما كان عمر ينظر فيه بنور الله في نظرته وهداية كتابه … وإن في سياسة عمر وفي كلامه لدلائل كثيرة على بصيرته في هذا العلم “([20])

ومن جهود المنار في تبصير المسلمين بعلم السنن والإفادة منه أنه لا تمر به آية من القرآن يفسرها ولها بعلم السنن صلة إلا وينادي المسلمين بتفهمها ويلفت نظرهم إليها، ومن ذلك كلامه عند تناوله قوله -تعالى-: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب)([21])، إذ يقول:(الخطاب موجه إلى الذين هداهم الله إلى السلم والخرج من ظلمة الخلاف إلى نور الكتاب الذي أنزل لإزالته في زمن النزول وفي كل زمن يأتي بعده وتوجيهه أولا وبالذات إلى أهل الصدر الأول من المسلمين الذين كانوا خير أمة أخرجت للناس أكبر عبرة وموعظة لمن يأتي بعدهم ويحسبون أنهم بمجرد الانتماء للإسلام يكونون أهلا لدخول الجنة جاهلين سنة الله -تعالى- في أهل الهدى منذ خلقهم وهي تحمل الشدائد والمصائب والضرر والإيذاء في طريق الحق وهداية الخلق، وعجيب من أمة ينطق كتابها بالآيات البينات على أن سنة الله في خلقه واحدة لا تحويل لها ولا تبديل ويحثها دائما على الاعتبار بها والسير في الأرض لمعرفة آثارها في الأمم البائدة والأمم الحاضرة ثم هم يحولون هذه السنة عنهم ويفشو فيهم الإنكار على من يعظهم بما حكى الله -تعالى- عن حال تلك الأمم التي كفرت بنعمة الله -تعالى- بالسلم والهداية، قائلين: إنه يقيس المسلمين على الكافرين )([22]).


الهوامش:

 -[1]  الأنفال: 38.

[2] – الحجر: 13.

– [3] الإسراء: 77 .

– [4] فاطر: 45

[5]  – تفسير المنار: ج4 ص/116,115 ,8/30.

 -[6] السابق ج4 ص116.

[7] صفحة الغلاف من كل أجزاء المنار.

-[8] المنارج1 ص14،15 ،وانظر ج2 ص395 .

-[9] العروة الوثقى أنشأها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده في باريس 1310 هـ، عقب الاحتلال الإنجليزي لمصر.

– [10] تفسير المنار 1/11

 -[11] المنار 1/11

[12] انظر تفسير المنارج10 ص36

[13] -الرعد: آية 11

[14] – المنار جـ 4 ، ص 114 – 115 .

1- المنار جـ 1 , ص 20 – 21 .

– [16] المنار جـ 7 ، ص 417 بتصرف كبير .

3-  المنار: 4/114، بتصرف يسير..

[18] –  السابق:1/117.

1- المنار جـ 1 ، ص 20 – 21 .

– [20] المنار جـ 7 ، ص 417 بتصرف كبير .

[21] – البقرة:213.

[22] – المنار:2/ 238.


(*) أستاذ التفسير وعلوم القرآن في جامعتي الأزهر الشريف وقطر.

اترك تعليق

  1. يقول Mohamed A Elsayed:

    كلام دقيق. يعبر عن طريق قويم ومستنير. ما أحوج المسلم إليه.

  2. يقول Rosemarie:

    You are in point of fact a excellent webmaster. This
    web site loading velocity is incredible. It kind of feels that you are doing any unique trick.
    In addition, the contents are masterwork. you have done a great process in this subject!
    Similar here: e-commerce and also here: Najlepszy sklep