ماذا حققت المقاومة الفلسطينية بهجماتها الاستراتيجية الأخيرة من انتصارات؟

بقلم د. إنعام الله مسيح الدين (*)

هذه تساؤلات تخطر على بال كثير من الناس والذين لا يكادون ينسون تاريخ النضال وأجيال يئست بما تسميها قياداتهم بمبادرات سلام وحلول سياسية مبنية على مصالح مشتركة ما بين قوى إقليمية وقوى دولية!

فالسؤال الأول هو هل المقاومة فاجأت الكيان الصهيوني بحملات استفزازية؟ فالجواب لا شك أنه “لا” بحيث إن الهجمات الأخيرة ليست إلا رد فعل لاستمرار الكيان الصهيوني في سياسة القمع وتنفيذ مشاريعها الاستبدادية والاضطهادية والاستيطانية والحفرية بل بتسريعها خلال بضع سنوات مضت!

وأما ما حققته المقاومة من نصر له أبعاد سياسية وجيوسياسية على الصعيدين الإقليمي والدولي بجانب أبعاد روحية ومعنوية بينة، فالأبعاد الروحية والمعنوية معلومة من الدين بالضرورة وهي تحريك الشعوب العربية والإسلامية تجاه قضيتهم الأولى وتوعية الأجيال الناشئة بتاريخ فلسطين المحتلة وثالث الحرمين الشريفين والمقدسات الإسلامية وواجب الدفاع عنها.

وبالنسبة إلى الأبعاد السياسية إقليميا هي إفاقة القيادات السياسية والتي باتت في سباتها في أحضان قوى تحسبها راعية وحامية إياها، متورطة في أجندة سياسية اقليمية ودولية، متخلية عن قضية القدس وفلسطين، باعتبارها هامشية ليتم تسوية المصالح المشتركة على حسابها.

فإن المخططات على الساحة السياسية الإقليمية والمعادلات لم تكن ترضي الشعب الفلسطيني ولا الأمة الإسلامية؛ من حيث التنازلات المستمرة والاستهانة بكل المساعي والتضحيات التاريخية لاستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والمقدسات الإسلامية، بل كانت تدعم الكيان الصهيوني والتطبيع المطلق معه!

فالضربة الاستراتيجية جاءت في وقت تم إعلان مشاريع اقتصادية وأمنية لبعض دول المنطقة، وفتح ممرات تخرق الديار العربية والمسلمة، تمتد من جنوب شرق آسيا إلى أوروبا؛ بغض النظر عن تداعيات مصيرية تلحق بملف القضية الفلسطينية والقدس، كما أن الضربة الاستراتيجية جاءت صاعقة للعالم الإسلامي والعربي الرسمي المتهاون أمام ما كان يسمونه صفقة القرن أو تهجير الشعب الفلسطيني لدولة بديلة خارج حدود فلسطين المحتلة.

والجدير بالذكر أن المعادلات الجيوسياسية المتعلقة بالحرب الدائرة ما بين روسيا وأوكرانيا والتحالفات التي كانت تتشكل كانت لها أبعاد مؤثرة في ملف القضية الفلسطينية قصيرة وطويلة الأم، فالضربة الاستراتيجية قلبت الموازين على الصعيدين الإقليمي والدولي بتحريك الشارع العربي والإسلامي، وتمكنت من استخراج مواقف موحدة على وجه الطغيان الصهيوني الفاشي والوحشي المعتدي، والقوى التي تحميه بالدعم المادي والمعنوي.

ولا شك أن التطورات الأخيرة في الساحة الفلسطينية لها ردود فعل لم يسبق لها مثال في التاريخ بين جماهير الشعوب عالميا في مشارق الأرض ومغاربها، والتي تؤمن بالقيم الإنسانية؛ فضلا عن القيم الروحية والإيمانية، وذلك بفضل التكنولوجيا الإعلامية الرقمية ووسائل التواصل الإجتماعي؛ حيث أصبح كل فرد إعلاميا ينقل الأحداث والوقائع بدون تكتيم ولا تزييف!

إن غالبية وسائل الإعلام الرئيسة في العالم كانت تروج كل ما يخدم مصالح القوي المتنافسة في بسط نفوذها عالميا وإقليميا، كما أن الشعوب العربية والإسلامية كانت لا ترى إلا ما كانت تملي عليها قياداتها ذات الأجندة السياسية لها حسبما يتم من تسويات ومعادلات في المنطقة، فالرأي العام في الشارع العربي والإسلامي، والرأي العام العالمي على السواء يشكل ضغطًا غير مسبوق على  قرارات ومواقف الحكومات والقيادات والمحافل الدولية، وبالأخص ضد ما يقوم به الكيان الصهيوني من جرائم حرب، وانتهاك حقوق الإنسان، وعدم احترام الاتفاقيات والقوانين الدولية، وذلك تحت حماية أسيادها في الغرب!

ولا شك أن الضربة الإسترتيجية للمقاومة نجحت في استعادة ملف قضية القدس فلسطين المحتلة الى مكانتها في الصدارة في العالم العربي والإسلامي، وفي منصة المجتمع الدولي أو المحافل الدولية بمشيئة الله !

علما بأن الضربة الاستراتيجية خلقت توازنا سياسيا وجيوسياسيا جديدا من حيث الشركاء في أية مبادرة سلمية كانت أوحربية بعد أن طال أمد اليأس لعقود مضت، وذلك بعد أن تبينت عدم مصداقية هؤلاء الشركاء المنصوبين أو المأجورين لخدمة مصالح قوى الاستعمار الحديث والكيان الصهيوني المعتدي على كل القيم الإنسانية والأعراف الدولية.

والضربة الاستراتيجية جردت نتنياهو  في تحمل مسؤولية سياساته العنصرية الوحشية والفاشية في معالجة المقاومة الفلسطينية، وسياسة القمع المستمر لأهل غزة والضفة الغربية، وعدم احترام نظامه للقوانين والقرارات الدولية!

كما أن اليهود الأصليين والنصارى من أهل الكتاب أعلنوا إدانة جرائم الحرب وانتهاك حقوق الإنسان، وإبادة جماعية وتهجير قسري تقوم بها أجهزة حرب صهيونية في حق أهل غزة!

وبالضربة الاستراتجية الأخيرة حققت المقاومة انتصارات ونجاحات لتمكين الأمة الإسلامية لاستعادة مكانها على منصة التفاوض والتساوم بعد الخذلان الطويل أمام الطغيان وعقدة النفس بالفشل والعجز بثمن دماء الشهداء ودموع الشعوب، وليس بثمن بخس يمكن الاستهانة به لأية قوة جبارة كانت في المنطقة موالية لأوليائها في الغرب أو في الشرق، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت!

فأما بالنسبة للأنظمة العربية والإسلامية فأمامها خياران فقط لا غير: إما الانصياغ لصوت وتطلعات شعوبها أو الانخراط في اتجاه السقوط مع أوليائهم الذين وصلوا إلى مرحلة بداية النهاية في غضون قرن من الزمن، فالقرن الجديد من سقوط الخلافة العثمانية تكون له صفقة غير صفقة القرن بإذن الله تعالى!

إن الضربة الأخيرة كشفت القناع عن وجوه كثير من المتصهينين المأجورين من العلمانين والمنافقين، والذين باتوا في تقييم المقاومة على منظور أوليائهم الخائنين والفاسدين وبعضهم على كراسي الإفتاء والفكر والسياسة جميعًا!

ومنهم من تصف ألسنتهم الكذب بأن فصائل المقاومة بسعيها لاستعادة حقوقها المشروعة هي تنظيمات إرهابية خاضت معركة دون تقييم ردة فعل الكيان الصهيوني ومن يحميه، وعدم تكافؤ القوى (وذلك في حالة خذلان العرب) فلا بد أن تتجرد بتحمل المسؤولية على صمودها ومآلات الحرب الدائرة من سقوط شهداء والدمار!

أخيرا وليس آخرا، إن من سنن الله في الكون أن يسود الحق وأهله، ويزهق الباطل وأهله؛ فالصراع في الأصل صراع ما بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ولتعلمن نبأه بعد حين!


(*) رئيس المركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية، كولومبو، سريلانكا.

اترك تعليق