هكذا تقف الحرب على غزة

بقلم/ د. وليد عبد الحي(*)

هل حقا تريد الدول العربية والولايات المتحدة وقف الحرب  الإسرائيلية على غزة؟

وهل تعتقد الدبلوماسية العربية أن الواقع الدولي يمكن تغييره أو التأثير فيه من خلال “النزق اللغوي” عبر الشجب والادانة؟

وهل تُبنى الدبلوماسية العربية على أساس أولوية مصالح النظام أم أولوية مصالح الدولة والمجتمع؟

وهل تعبر الدبلوماسية العربية والقرارات السياسية العربية عن إرادة الشعوب؟

وهل هناك نقاط تلاقٍ بين إسرائيل والأنظمة العربية؟

[القرار الحاسم وموانعه]

أزعم أن قرار وقف إطلاق النار يمكن إنجازه من خلال إعلان لدول التطبيع العربي بأنها ستلغي كل اتفاقياتها وعلاقاتها مع إسرائيل إذا لم تتوقف الحرب خلال 48 ساعة، وتشرع بالانسحاب من غزة، ولكن ما الذي يمنع هذه الدول من اتخاذ هذا القرار؟

أقول إن الإجابة هي أن المصالح بين هذه الأنظمة وإسرائيل تفوق من منظور الأنظمة مصالحها مع مجتمعاتها أو دولها، ويكفي تأمل ما يلي:

1- العداء التام للحركات الإسلامية بخاصة المسلحة منها، فإسرائيل ودول التطبيع أو الأنظمة التي تحوم حول حمى التطبيع لا يوجد فيها أي تمثيل لأي تنظيم من تنظيمات المقاومة في غزة، بل تم تصنيف المقاومة الإسلامية في فلسطين ضمن التنظيمات الإرهابية، بينما سفارات إسرائيل ومكاتبها التجارية وسُواحها وموسادها يتجولون في دول التطبيع، أليس ذلك دليلا على النظر للمقاومة “كعدو مشترك” للأنظمة وإسرائيل، وإلا كيف نفسر وجود سفارات إسرائيلية ومنع قيادات المقاومة من فتح مجرد مكتب دعاية مثلا؟ بل إن البعض اعتقل وشرد هذه القيادات، إنهم ينتظرون هزيمة المقاومة بل واجتثاثها بنفس حرقة إسرائيل على تحقيق هذا الهدف؛ لأن الأنظمة وإسرائيل والولايات المتحدة ترى في النزعة الجهادية الواعية خطرا عليها، بخاصة أن جمهور هذه النزعة هو الأقوى في الشارع العربي، وهو ما اتضح في كل الانتخابات البرلمانية العربية حتى ما تم تزويره.

2- تلتقي هذه الأنظمة مع إسرائيل في العداء الواضح لمحور المقاومة، فالتحريض على إيران وحزب الله وأنصار الله والحشد الشعبي  بل والسخرية أحيانا من عمليات المساندة للمقاومة هو موقف يقف فيه الإعلام والدبلوماسية لدول التطبيع صفا واحدا مع الإعلام الإسرائيلي، وتغذي الولايات المتحدة هذا التوجه المشترك لأنظمة التطبيع وإسرائيل، ووصل الأمر الى منع امرأة من رفع علم فلسطين في دولة عربية من دول الحائمين حول التطبيع، ورغم صراخ قيادات المقاومة في غزة فإن أحدا لم ينصت لهم إلا رجال محور المقاومة، وما يقلق الأنظمة العربية أن شعبية محور المقاومة تضاعفت في الشارع العربي بعد طوفان الأقصى طبقا لاستطلاعات الرأي التي أشرف عليها خصوم محور المقاومة، وفي أحد هذه الاستطلاعات حول موقف القوى الدولية والإقليمية احتلت إيران الموقف الأول في التقييم الإيجابي لموقفها، كما أن 7% فقط اعتبرها عامل تهديد للأمن العربي، وهو أمر يقلق الأنظمة العربية وإسرائيل وأمريكا معا، مما سيدفع المطبعين وإسرائيل إلى تبني استراتيجة جديدة لتطويق محور المقاومة بأدوات إعلامية (وهو أمر بدأت ملامحه تلوح)، واقتصادية (بخاصة الابتزاز القادم للمقاومة لإعادة إعمار غزة)، وسياسية (بالعمل على تعميم سياسات سلطة التنسيق الأمني من الضفة إلى غزة، والدفع باتجاه تعميم المبادرة العربية والشرعية الدولية والتغيير لاحقا في المناهج التعليمية، بل واعتبار أي خصم لإسرائيل ضمن قوائم الإرهاب.

3- أن العلاقات الأمريكية مع أنظمة التطبيع وإسرائيل هي علاقة استراتيجية، وهذا المحور تقوده الولايات المتحدة، ولو رصدنا درجة التوافق بين المواقف الأمريكية والإسرائيلية “العملية لا النظرية” مع دول التطبيع فإن النسبة لن تقل عن 90% بخاصة في التوجهات الاستراتيجية، ويكفي الإشارة الى أن النظام الإقليمي العربي هو أكثر النظم الإقليمية  في العالم اختراقا من القوى المساندة لإسرائيل تحديدا.

4- تقف الولايات المتحدة على رأس قائمة الدول الممولة لإسرائيل وبعض دول التطبيع ، أو هي الحامي عسكريا لدول التطبيع وإسرائيل، سواء بالحماية العسكرية المباشرة أو بالتزويد بالأسلحة، وإلا لماذا يوجد 27 مرفقا عسكريا أمريكيا  في الدول العربية المطبعة  وإسرائيل وفيها أكثر من 40 ألف عسكري أمريكي يتبعون القوات البرية والبحرية والبرية؟ وهو ما يعني أن أمن إسرائيل ليس منفصلا عن أمن المطبعين، فالراعي لهما هي الولايات المتحدة، ولا تملك أية دولة عربية من دول التطبيع أن تطلب مغادرة القوات الأمريكية أراضيها، ومن المؤكد أن إعلان وزارة الدفاع الأمريكية في يناير 2021 عن نقل إسرائيل من منطقة عمليات “القيادة الأمريكية الأوروبية (يوكوم) إلى منطقة عمليات “القيادة المركزية الأمريكية” (سينتكوم) له دلالاته، ورَبَطَ البنتاغون في إعلان النقل بين القرار و” اتفاقيات إبراهام” التي تم توقيعها  بين إسرائيل والعديد من الدول العربية باعتبارها “فرصة استراتيجية لتوحيد الشركاء الرئيسيين للولايات المتحدة في مواجهة التهديدات المشتركة للولايات المتحدة وإسرائيل وأنظمة التطبيع  في الشرق الأوسط، ولا يخفي أن إيران على رأس قائمة هؤلاء الأعداء.

5- أن استشهاد وجرح أكثر من مائة ألف فلسطيني في غزة، وتدمير مؤسسات ومنازل ومستشفيات تدميرا كاملا، وقطع المياه والدواء والغذاء، لم يصل في خطورته لإقناع دول التطبيع لقطع العلاقة مع إسرائيل، وهو ما يعني أن الحبل السري الرابط بين إسرائيل ودول التطبيع هو “أمتن” مما يعتقد الكثيرون.

ولكي نوضح هذا الترابط فإننا نتساءل: منذ عام 1979م (إعلان المعاهدة المصرية الإسرائيلية) أي قبل 45 سنة، قطعت الدول العربية بشكل فردي أو جماعي علاقاتها مع بعضها بما بلغ مجموعه حوالي 84 مرة ، وفي بعض الأحيان كان قطع العلاقات لأسباب تافهة مثل اتهام دولة لأخرى أنها تتآمر عليها أو لمجرد ملاسنة بين حاكم عربي وآخر، أما مع إسرائيل فإن استقرار العلاقات بالمعنى الاستراتيجي للاستقرار هو الأساس، ولم تتجرأ أي دولة عربية على التراجع عن علاقاتها مع إسرائيل خلال ال 45 سنة بل إن التبادل التجاري مع إسرائيل يتزايد وأحيانا يفوق التزايد في التجارة العربية البينية.

والسؤال هنا: لماذا؟!

والجواب: بسبب كل ما أوردناه، فإن إسرائيل لا تعير “النزق الرسمي” العربي أي اهتمام، وتواصل الحرب والقتل لأنها على يقين بأن مواقف الأنظمة السياسية العربية لن تتجاوز هذا النزق اللفظي أو دبلوماسية الدفاع المدني من ناحية، وأن المصالح المشتركة للمطبعين مع إسرائيل تفوق تناقضاتها معها  … وكل هذا يقنع نيتنياهو وبني غينيتس وجالانت، وقبلهما جو بايدن  بعدم استعجال وقف إطلاق النار.. وهو ما يستدعي تمتين العلاقة بين “محور المقاومة” وإرادة الشعوب، ويبدو أن محور المقاومة في طريقه إلى خطوات استراتيجية “تحويلية” ستعزز مكانته في صنع القرار الاستراتيجي للمنطقة.. ربما.


(*) د. وليد عبد الحي، كاتب وباحث أكاديمي أردني، عمل في عدد من الجامعات العربية، وعمل رئيسًا لقسم العلوم السياسية في جامعة اليرموك، ومستشارا للمجلس الأعلى للإعلام، ويمتاز ببروزه في كتابات الاستشراف المستقبلي.

** ترى سياسة الموقع أن ما يسمى “محور الممانعة أو المقاومة” مجرد اسم وعنوان، حقيقة الواقع منه مخزية، ولا أدل على ذلك من وقوف إيران متفرجة على مجازر إسرائيل في غزة، وأن النظام السوري الدموي لا يملك من أمر نفسه شيئا، وما يقوم به حزب الله في لبنان مجرد مناوشات!

اترك تعليق

  1. يقول Extended Opportunity:

    A.I Create & Sell Unlimited Audiobooks to 2.3 Million Users – https://ext-opp.com/ECCO

  2. يقول Extended Opportunity:

    A.I Create & Sell Unlimited Audiobooks to 2.3 Million Users – https://ext-opp.com/ECCO

  3. يقول Extended Opportunity:

    A.I Create & Sell Unlimited Audiobooks to 2.3 Million Users – https://ext-opp.com/ECCO

  4. يقول Extended Opportunity:

    A.I Create & Sell Unlimited Audiobooks to 2.3 Million Users – https://ext-opp.com/ECCO

  5. يقول Extended Opportunity:

    A.I Create & Sell Unlimited Audiobooks to 2.3 Million Users – https://ext-opp.com/ECCO

  6. يقول Extended Opportunity:

    A.I Create & Sell Unlimited Audiobooks to 2.3 Million Users – https://ext-opp.com/ECCO

  7. يقول Extended Opportunity:

    A.I Create & Sell Unlimited Audiobooks to 2.3 Million Users – https://ext-opp.com/ECCO

  8. يقول Extended Opportunity:

    A.I Create & Sell Unlimited Audiobooks to 2.3 Million Users – https://ext-opp.com/ECCO

  9. يقول Extended Opportunity:

    A.I Create & Sell Unlimited Audiobooks to 2.3 Million Users – https://ext-opp.com/ECCO