المسجد الأقصى في رمضان 1445هـ في ضوء طوفان الأقصى

بقلم د. وصفي عاشور أبو زيد (*)

شهد المسجد الأقصى على مدى الرمضانات الماضية انتهاكات متصاعدة قام بها الاحتلال الصهيوني ضد المسجد الأقصى، ومارس فيها طقوسا تعبدية يقودها الحاخامات الذين أصروا أن يكونوا في طليعة هذه الاعتداءات تشجيعا للآخرين؛ وذلك لما للحاخامات من مكانة مركزية في نفوس اليهود يستتبعون بها جماهيرهم خلفهم، ولا أدل على ذلك من الفتاوى الحاخامية التي تتصدر كل فعل صهيوني يصدر عنها ويرجع إليها.

انتهاكات منذ عام 1967م

وانتهاكات الصهاينة للمسجد الأقصى ليست وليدة عشر سنوات مضت أو خمسة عشر عاما بل تعود – بحسب تقرير لوكالة الأناضول نشر في 21-07-2017م – إلى عام 1967م في المئة سنة الأخيرة على الأقل، ولكن هذه الانتهاكات بلغت قمة عالية في العام 2016م؛ حيث وصل عدد المقتحمين من المستوطنين منهم للمسجد الأقصى المبارك ما يقارب الـ 14 ألف؛ حيث كانوا في العام 2009م 5600 مستوطن!

أما عام 2016م فقد تبنى مشاريع اقتحامات المسجد الأقصى وزراء في الحكومة الصهيونية، وأعضاء في الكنيست، وشارك منهم الكثيرون، وقام الكنيست باستضافة مؤتمر برعاية جمعية الهيكل الإسرائيلية!

وفي يوليو 2017م أغلق المسجد ومنعت الصلاة فيه، وهي سابقة تعتبر الأولى من نوعها، في 14 و15 يوليو المشار إليه، بذريعة وقوع عملية إطلاق نار نفذها 3 فلسطينيين، وأسفرت عن مقتلهم، ومقتل شرطيين إسرائيليين اثنين، ثم جاء بعد ذلك قرار الحكومة الصهيونية بوضع بوابات إليكترونية على مداخل المساجد رفضتها القيادات الدينية، لكن الحكومة دعت المواطنين إلى عدم المرور عبرها، وأداء الصلوات في الشوارع المحيطة بالمسجد لحين إزالتها.

وظلت هذه الانتهاكات تتصاعد مع محاولات التهويد والتقسيم الزماني والمكاني حتى كان انتصار المقاومة الفلسطينية التي تصدرتها كتائب عز الدين القسام للمسجد الأقصى، وذلك فيما عرف بمعركة “سيف القدس” عام 2021م.

انتهاكات عام 2022م

ولم يتوقف الصهاينة عن اقتحاجات الأقصى ولن يتوقفوا حتى زوالهم؛ فقد وصل مجموع عدد المقتحمين في الأعياد اليهودية عام 2022م إلى 53201 مقتحما – بحسب شبكة القدس البوصلة – هذا فضلا عن اعتداءات الشرطة الصهيونية على المصلين والتضييق على المرابطات.

ولقد طالت اعتداءات المتطرفين أيضا مقبرة باب الرحمة الإسلامية الملاصقة لسور المسجد الأقصى من الناحية الشرقية، حيث تعمدوا اقتحامها والدوس على القبور مرارا، ولتحقيق مكاسب سياسية لجأت شخصيات بارزة من بينها الحاخام المتطرف “يهودا غليك” لاقتحام المقبرة، ونفخ البوق بين قبورها وتعمد هو وغيره تكرار النفخ في البوق داخلها بعد قرار محكمة الصلح الاحتلالية بالسماح بممارسة هذا الطقس في هذا المكان.

وفي العام نفسه اعتقل الاحتلال 2996 فلسطينيا، منهم: 108 من النساء، و260 من الأطفال، وتم صدور 808 قرار بالإبعاد عن القدس، و217 حالة حبس منزلي، و176 حالة هدم بينها 69 حالة هدم ذاتي قسري.

انتهاكات عام 2023م

أما في العام 2023م فقد شهدت القدس انتهاكات كثيرة ، منها: 41 شهيدا مقدسيا، واعتقال 2615 بينهم 310 من الأطفال و130 من النساء.، كما صدر في القدس 145 أمر اعتقال إداري للمقدسيين، وصدر في القدس 728 قرار إبعاد كان منها 577 إبعاد عن المسجد الأقصى، أما عدد المقتحمين في هذا العام فقد وصل إلى 52000 مقتحما مستوطنا، و298 عملية هدم لبيوت شهداء عقابا لهذه الأسر، ولتكون عبرة لغيرها!

وفي هذا العام 2023م في شهر يوليو قدم عضو الكنيست عن حزب الليكود “عاميت هاليفي” مشروع خطة تفصيلية لتقسيم المسجد الأقصى المبارك مكانيا، كما نادت هذه الحكومة الأشد تطرفا بالدخول إلى المسجد الأقصى المبارك وبمنع دخول المسلمين إليه، ومنع كل من يقل عمره عن 75 عاما، حتى شهدت جمعتان من شهر أكتوبر أقل من 5000 مصلٍّ فقط، كما زاد عدد المستوطنين في الضفة الغربية عن 750000 مستوطن!

ولا ننسى مشاهد الإهانات المستمرة التي قامت بها شرطة الاحتلال ضد أخواتنا في المسجد الأقصى من المرابطات الطاهرات اللائي يدافعن عن شرف الأمة ويرابطن على مقدساتها، بما جعل العام 2023 الأكثر انتهاكا واستيطانا وتطرفا صهيونيا، حتى كانت معركة “طوفان الأقصى” التي جاءت تسميتها تلبية لنداء النساء والرجال والولدان، وحرصا على المسجد الأقصى، ووقفا لحركة التطبيع الصهيوعربي.

انتهاكات رمضان القادم 1445هـ وواجب المسلمين

استمرارا لهذا المسلسل التاريخي من الانتهاكات أعلن الكيان الصهيوني أنه سيمنع المسلمين من الصلاة في المسجد الأقصى في رمضان القادم، مع وعد بمزيد من الانتهاكات المستمرة، لا سميا بعد ما جرى ويجري في معركة “طوفان الأقصى” التي تمرغت كرامة الصهاينة فيها بالأرض، وخسرت خسائر بشرية لم يعلن عنها بعد، وسيكشف المستقبل القريب عن مداها الواسع وحجمها المذهل؛ حيث  ورطت إسرائيل نفسها في وحل غزة بين أبطالها من الكتائب المقاوِمة، في ظل خيانة عربية، وصمت – بل تآمر – عالمي لصالح الاحتلال الغاشم، في محاولة للانتقام الشخصي والتعويض النفسي بعد تكبيد إسرائيل خسائر فادحة في هذه الحرب!

وأمام هذه الانتهاكات السابقة، والانتهاكات المتوقعة، والتي أعلن عنها الاحتلال لا يسع مسلما أن يقف مكتوف الأيدي، كل في مكانه وموقعه، فالحكام لهم دورهم المؤدي لمنع هذه الانتهاكات ومنع المفاسد المترتبة عليها، وعلى رأسهم: حكام الأردن والمغرب وتركيا، وعلى المؤسسات الحقوقية دور كبير يجب أن تقوم به، وعلى العلماء دور مهم في بيان الأحكام الشرعية والواجبات الدينية، وحشد طاقات الأمة وتحشيد صفوفها، فالنصوص الشرعية الواردة في التكافل والتضامن بين المسلمين لا تُحصى كثرة، وهي تمثل مدونة يفخر بها المسلمون؛ حيث لو قاموا بها لما بقي مسلم مضطهد أو مظلوم على وجه الأرض.

إننا في مرحلة فاصلة من تاريخ فلسطين وتاريخ احتلالها، وبمعركتي “سيف القدس” و”طوفان الأقصى” يتم التدشين لهذه المرحلة التي بدأت تلوح بها في الأفق بشائر التحرير واندحار هذا العدو الجاثم على أرضنا ومقدساتنا، وفي ظل هذا الخذلان والإسلام يتضاعف الواجب على كل مسلم، ومن نصر فلسطين وأهلها فإنما ينصر نفسه أمام الله في الدنيا والآخرة، ومن خذلها فإنما يخذل نفسه ﴿یَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡسࣲ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَیۡرࣲ مُّحۡضَرࣰا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوۤءࣲ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَیۡنَهَا وَبَیۡنَهُۥۤ أَمَدَۢا بَعِیدࣰاۗ وَیُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ﴾ [آل عمران ٣٠].


(*) أستاذ مقاصد الشريعة الإسلامية، ورئيس مركز الشهود الحضاري للدراسات الشرعية والمستقبلية.

اترك تعليق

  1. يقول أبو إقبال الجزائري:

    جزاكم الله خيرا دكتور على ما تبذلون من جهد.
    يقيننا أن المسجد الأقصى سيعود لأمة الطهارة ورثة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، وما يحز في أنفسنا حملة التثبيطات الكثيفة وخاصة بعد انطلاق معركة الطوفان التي كشفت العورات وكشفت مدى هوان دولة الاحتلال.