طوفان الأقصى بين السنن الإلهية والنواميس الشرعية

بقلم أ.د. عطية عدلان(*)

يحدث بسبب الخلط بين التكاليف الشرعية والسنن الإلهية اضطراب في الرؤية، وقد تجلى هذا في النظر من قبل كثير من المثقفين والمنظرين إلى أحداث غزة، والعجيب أنّ البسطاء لم يقعوا غالبًا في دائرة الارتباك هذه؛ ربما لانحيازهم إلى العاطفة أكثر، وهي في كثير من الأحيان تكون سالمة من الاضطراب؛ لأنّها من الفطرة، وهذا لا يعني أنّ العاطفة وحدها يعول عليها في فهم طبائع الأحداث، فلابد للفهم والعقل والشرع، وهذا الاضطراب وهذا الخلط هو الذي دعانا لكتابة هذا البحث الذي نميز فيه بين نوعين النواميس الإلهية والسنن الربانية، فلندلف – إِذَنْ – إلى صلب الموضوع مباشرة.

   السُّنَّةُ (لغةً)([1]): الطَّرِيقَةُ والسِّيرَةُ حَمِيدَةً كَانَتْ أَوْ ذَمِيمَةً وَالْجَمْعُ سُنَنٌ، والسُّنةُ الطَّبيعَةُ وسُنَّةُ اللهِ أحكامُه وأَمْرهُ ونَهْيُه، وسَنَّها اللهُ للناس بَيَّنَها، وامْضِ على سُنَّتِكَ أي وجْهِك وقصْدِك وسَنَنُ الطَّريقِ وسُنَنُهُ: نَهْجُه، وسن سنّة حسنة: طرق طريقة حسنة، واستن بسنته، ويُقَالُ: اسْتَقَامَ فُلَانٌ عَلَى سَنَنٍ وَاحِدٍ، ومما مضى يتبين لنا أنّ لفظ السنّة تستعمل في التعبير عن معاني يجمع بينها سمات مشتركة: الطريقة، والمنهج، والسيرة، والطبيعة، والسمات التي تجمع بينها هي: الثبات، والاطراد، والديمومة، والتجرد، والحيادية.

    أمّا اصطلاحًا فيمكن أنْ نعرف “السنن الإلهية” بأنّها: قوانين وقواعد قانونية تتسم بالثبات والاطراد والديمومة الحيادية والتجرد، وضعها الله تبارك وتعالى لتحكم الوجود الذي خلقه وأوجده، هذا هو التعريف الذي يوصفها ويكيفها ويكشف عمّا تنضوي عليه من خصائص وما تختص به من سمات.

    هذه السنن الإلهية أنواع متشعبة ومترتبة ومنقسمة بشكل منظم ومحكم، فهي تنقسم أولًا إلى سنن شرعية وسنن قدرية، فأمّا السنن الإلهية الشرعية فهي النواميس الشرعية، أو القوانين الشرعية، التي تقوم الأحكام الشرعية بهيكلتها، والتي تتبع الأمر والنهي، وتنبثق من الوحي والتنزيل، وتناط بإرادة الإنسان واختيارة، ويقع بها الابتلاء بالتكليف ويترتب عليها المسئولية والحساب والجزاء، فالأحكام الشرعية سنن إلهية وقوانين ربانية، ونواميس تنظم المجتمع الإنساني، تدور كلها بين أحكام الإيجاب والاستحباب والإباحة والكراهة والتحريم، هذا هو القسم الأول من القوانين أو النواميس أو السنن الإلهية، فالشريعة التي كلفنا بها قوانين وأحكام سنّها الله تبارك وتعالى لنا، فيجب أن نمضي في حياتنا على سَنَنِها.

   أمّا القسم الثاني فهو السنن الإلهية القدرية، وهي نواميس وقوانين إلهية لا تتوقف على إرادة الإنسان واختياره، وهذه أنواع، منها السنن الكونية، التي تنظم الكون وتضبط حركة الأفلاك وحياة المخلوقات، كقوانين الفيزياء والفلك والرياضيات وغيرها، ومنها سنن العمران البشري، وهي التي تقصد غالبًا عندما يطلق مصطلح السنن الإلهية، كسنة التدافع وسنة التداول وسنة الإملاء والإمهال وسنة التمحيص وغيرها، وهذه بدورها تنقسم إلى سنن عامة تعم الكافرين والمؤمنين، وتشمل الصالحين المصلحين كما تشمل الفاسدين المفسدين، كسنة التدافع وسنة التداول، وسنن خاصة، بعضها يخص المؤمنين الصالحين، كسنة التمحيص، وسنة التمييز، وبعضها يخص الكافرين المجرمين الظالمين، كسنة الإمهال والإملاء والأخذ، كما تنقسم إلى سنة جارية وأخرى خارقة، فالجارية هي الماضية المطردة على سنن واضح، مثل: (إن تنصرواالله ينصركم)، والخارقة مثل: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة).

    والخلط الذي وقع بين السنن غالبًا ما يكون سببه هو النظر إلى السنن التي يجريها الله في العمران البشريّ والتي نقصدها دائما بمصطلح السنن الإلهية، ولاسيما ما يخص المؤمنين منها، كسنة (إن تنصروا الله ينصركم)، دون النظر – في المقابل – إلى السنن الإلهية الشرعية أي الشريعة، كسنة: (كونوا أنصار الله)، وهذا عين ما وقع فيه المنظرون أنصاف المثقفين، فمنهم من يقع في لوم المقاومة ومنهم من ينتظر.

    فلننظر كيف مضت السنن الإلهية على أهل غزة وكيف تعانقت مع السنن الشرعية (الشريعة)، فلقد انضبطت المقاومة في غزة بالناموس الشرعيّ في باب الجهاد، وانطلقت من الحكم القائل بأنّ جهاد الدفع فرض عين، وأنّ هذا الفرض يبدأ بأهل البلاد التي تتعرض للاحتلال والعدوان والاستيطان، ثم تنتقل منه إلى من وراء هذه البلاد شيئًا فشيئًا إلى أن يعم الأمة كلها في حال ما لم يقدر القائمون بهذا الجهاد على دفع غائلة العدوان، وعملوا بقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (التوبة: 123)، وبقوله عزّ وجل: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة: 190)، فلما انضبطوا مع السنن الشرعية والناموس الشرعي اتسق فعلهم مع السنة الإلهية الجارية الخاصة بالمؤمنين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: 7)؛ فلما وقع هذا منهم تحقق لهم النصر ووقعت لهم السنن الخارقة.

   فلقد رأينا بأعيننا الآيات ورأينا كذلك السنن الإلهية الخارقة، رأيناها تعمل وتحدث أثرها، رأينا رأي العين كيف يتحقق على أرض الواقع مثل هذه السنن: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ) (البقرة: 249) (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) (الأنفال: 17) (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ) (المائدة: 23) (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ) (آل عمران: 160) (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) (الحج: 38)، وغيرها من السنن الإلهية الخارقة التي لا تقع إلا بالانضباط على السنن الشرعية والاتساق مع السنن الإلهية الجارية؛ فهل وعينا هذا الدرس الفقهي المهم؟ إنّه درس فقهيّ قبل أن يكون موعظة.

    هذا وقع عندما كان الواجب متعلقًا بأهل غزة وفلسطين وقاموا به على أكمل وجه، لكنّ واجب الدفع هذا انتقل بعد ذلك ليناط بالدائرة الأوسع، دائرة الأمة الإسلامية؛ فجهاد الدفع فرض عين يتعلق أولا بأهل البلد المعتدى عليه، فإن لم يكف جهادهم لدفع العدوان اتسع الواجب وانتشر الفرض في نطاق أوسع ليشمل من جاورهم ثم من بعدهم إلى أن يعم الأمة كلها، فهل قامت الأمة بواجبها الذي فرضه الله تعالى في الآيات القرآنية التي سبق ذكر بعضها، هل تجاوبت مع السنن الشرعية المبينة في القرآن والسنة؟ وهل اتسق أداؤهم بهذا مع السنة الإلهية الجارية في المؤمنين خاصة (إن تنصروا الله ينصركم)؛ حتى تستحقّ النصر الموعود المشروط؟ فسنة الله لا تحابي أحدًا، فالواضح أنّ الأمة خذلت المجاهدين، وقد وضع الله تعالى قوانين للصراعات، لا يتم خرقها بالسنن الخارقة إلا إذا قام المكلفون بما يجب عليهم تجاه السنن الشعرية، واتسقوا بقيامهم هذا مع السنن الإلهية الجارية، وعليه فاحتمال تعرض غزة لمزيد من الإبادة والتهجير، وتعرض المقاومة للتفكيك والتعويق احتمال وارد بقوة، ولا لوم على غزة ولا على المقاومة، فأمّا نصرها فقد وقع وحصل، وأمّا نصر الأمة فما الذي قدمته للنصر؟ وهنا يحدث في عمل السنن نوع من التوزع والتخصص، فتعمل في كل فئة السنن التي تناسبها.

    فأمّا الفئة المجاهدة ففيهم تعمل السنن التي تنطوي عليها هذه الآيات القرآنية: (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143)) (آل عمران: 138-143)، فالتمحيص وتقديم الشهداء مقدمة للنصر القادم.

    وأمّا باقي المسلمين الذين قعدوا عن الواجب الذي أنيط بهم فتجري فيهم سنن أخرى، أشدها ما توعدت به هذه الآية: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمد: 38)، وأمّا الكفرة المجرمون ففيهم تجري سنن، أهمها وأبرزها سنّة الاستدراج والإملاء والأخذ، وهي سنة مطَّردة، ذكرها القرآن في مواضع كثيرة، منها قول الله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)) (الأنعام: 42-45).

    وعليه فإنّ الأمة الإسلامية يجب أن تقوم بواجب الدفع، الذي أمر الله به في قول الله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة: 190)، ليستقيموا من خلال قيامهم بهذه السنة الشرعية على السنة الإلهية الجارية سنة التدافع: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (البقرة: 251)، (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج: 40)، كما يجب عليها أن تخوض الصراح بشجاعة ولو بتدرج، وأن تستجيب بخوضها هذا الصراع السنن الشرعية الكثيرة التي وردت في القرآن والسنة، لتستقيم من خلال قيامها بهذه السنن الشرعية على السنة الإلهية الجارية سنة التداول: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) (آل عمران: 140).

   ولا ينتظرنّ أحدٌ من المسلمين أن يأخذ الله الكافرين ويكسر شوكتهم قبل أن تقوم الأمة بواجباتها الشرعية، أي: لا يصح أنْ ننتظر أن تعمل فيهم سنة الأخذ بعد الإملاء والإمهال – وهي من السنن الجارية في الكافرين والظالمين – حتى يقوموا أولًا بما عليهم من السنن الشرعية، من الاستجابة لناموس الشريعة الغراء، بإمضاء الجهاد، والحكم بما أنزل الله، وترك مولاة الكفار، وعدم التأسي والتشبه بهم، وغير ذلك من السنن الشرعية، بل إنّ سنة الإملاء والاستدراج والأخذ ذاتها – تلك السنة الإلهية الجارية – تعمل في زمان أمتنا من خلال حركة الأمة الإسلامية، أي أنّ المسلمين ستار قدرة الله في إنفاذها.

  فالذي يغفل عنه كثير من الناس أنّ أخْذَ الله الكافرين المحاربين للإسلام وأهلِهِ وكسرَهُ لشوكتهم واستئصالَهُ لشأفتهم لن يكون بكوارث كونية كتلك التي أخذ الله بها عادًا وثمود وفرعون وقارون، وإنّما بأيدي المؤمنين، فأخْذُ الله لهم آت لا محالة، ولكنَّ هذا سيجريه الله تعالى بأيدي المؤمنين، لذلك لمّا ذكر الله تعالى مصارع الغابرين في سورة القمر، بعضهم بريح صرر عاتية وبعضهم بالصيحة وبعضهم بالحاصب وبعضهم بالغرق، ختم بقوله: (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)) (القمر:43-45)، ولمّا تحقق ذلك في بدر نزل قوله تعالى: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ) (الأنفال: 52)، وهذه نقطة عميقة تلتقي فيه السنن الشرعية مع السنن الإلهية الجارية في العمران البشريّ.

    ولا ريب أنّ من أهم الواجبات الشرعية – التي هي ضمن السنن الشرعية – واجب الإعداد، هذا الواجب ييسر للأمة الإسلامية ويهيء لها سبيل الاستقامة على السنن الإلهية العامة الجارية في الناس عمومًا، كسنة التدافع وسنة التداول؛ مما يترتب عليها عمل السنن الإلهية الخاصة الجارية في المؤمنين أو الكافرين، كسنة الأخذ بعد الاستدراج الجارية في الكافرين، وسنة (إن تنصروا الله ينصركم) الجارية في المؤمنين، وهذا كله يترتب عليه جريان السنن الإلهية الخارقة، مثل تلك التي وقعت للمقاومة.

    فالإعداد واجب محتم لا يتخلف ولا يتأخر، فهو سنة شرعية لازمة، قال الله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (الأنفال: 60)، قال الله تعالى في سورة الأنفال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)) (الأنفال: 65-66)، فهنا أمر الله تعالى بتحريض المؤمنين على القتال، والتحريض والحضُّ من الإعداد النفسيّ العقديّ، ومن الإعداد كذلك استمرار المقاومة للاحتلال الصهيوني واإحياء المقاومة للاحتلال بالوكالة المتمثل في الأنظمة المحاربة لله ورسوله.

    وفي الجملة يجب أن تستقيم الأمة على شرع الله حتى يتحقق لها موعود الله، وهذا من الفقه في الدين، أمّا أن ننتظر تحقيق وعد الله ونحن قاعدون فهذا اضطراب في الرؤية وارتباك في الحركة، وندعو الله تعالى لأمتنا بالنصر على الأعداء، والله غالب على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ . وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).


(*) د. عطية عدلان، أستاذ الفقه وأصوله، ورئيس مركز محكمات للدراسات والبحوث – اسطنبول.

 

الهوامش:

 

([1]) ر: أساس البلاغة (1/ 478) – مختار الصحاح (ص: 155) – المصباح المنير (1/ 292) – المحكم والمحيط الأعظم (8/ 417)

اترك تعليق