مقدمات لمستقبل الإسلام (3)

بقلم فضيلة الشيخ المربي عبد السلام ياسين، رحمه الله تعالى

ابتداء من الحاضر

ما نريده ونحدث به أنفسنا من جهاد يكلله الله بالنصر غيب في غيب. ثم إن تلك الإرادة الإيمانية هي الطاقة المحركة. فيكون تجديد الإيمان وتربيته وتقويته وتعميمه وتكوين جند الله المقاتلين عن الإسلام الخطوة الحاسمة.

وجند الله بعد أن يتألقوا صفا مجاهدا، وخلال ائتلافهم، جزء من الأمة يعايشونها وينالهم ما ينالها. لا معنى للجهاد إن نفض جند الله أيديهم من الحاضر المكروه ولم يُعْنَوْا العنايةَ التامة بتركيبه ودقائقه وحركته والقوى المهيمنة عليه.

من هذا الواقع الحاضر تبدأ الحركة، وإياه تقصد بالتغيير.

زماننا تتوالى فيه النكبات علينا. نحن فيه الضحية السهلة والغنيمة السائغة لشيع الصراع العالمي. في ميزان التكتلات نحن الأخف وزنا، وتطوق أجهزة القمع المحلية والعالمية تحركاتنا لتَخنُق الوليد الإسلامي، لا سيما وهو يعبر عن حيويته بكل وسيلة، وتبلغ قوته أن يُسْقط عروشا تسندها الجاهلية بكل قوتها.

وعلى من يريد فتح باب مستقبل الدولة القرآنية أن يزاحم ويصابر ويتصدى لكل التحديات. ولن تترك الجاهلية ربائبها بيننا تتحطم مراكبهم وتغرق في أمواج المد الإسلامي إلا عن يأس نهائي. ولا ييأس الذين كفروا ولا يرضون دون تكفيرنا وإخضاعنا المستمر.

الحاضر ثِقْلُه علينا كُلُّه، ودعاة الباطل ورعاته بيننا تخطب الجاهليةُ وُدَّهُمْ، إن كان الأذناب يحتاجون السيد أن يتزلف إليهم.

والأمة مُنَوّمة بالتخدير الكلي الذي ما ترك مجالا من مجالات الحياة إلا أنسى فيها تعاليم الإسلام وأهداف الإسلام ومعنى الإسلام. غزوٌ شامل، وقبضة باطشة، وتهديد ووعيد لزجر كل نَأْمَةٍ إسلامية تحررية وتمييعها وقتلها.

الأمة منوّمةٌ مقهورة، وعلى السطح طبقة حاكمة منشقة على نفسها -متفاهمة ضد الإسلام- تتعاقب على كرسي الزعامة، وتنوع علينا أساليب البطش. تحتكر هذه الطبقة علوم العصر، ونظرية الإصلاح والثورة، ومناهج التغيير، وخبرة السياسة. وتكتشف هذه الطبقة على مر التجارب أن محيطها لا يتعدى «نخبة» شمت ريح الجاهلية، ثم أُشْرِبَتْ روحها، وتقمصت حضارتها. وتكتشف أن «خط الجماهير» لا يلتقي بخطها لأن أمتنا مسلمة لا تزال. وعندما تُعْلِمُ أحداثُ القومة الإسلامية العالم أن الإسلام حي في الأمة، وأن طاقته لا تُغالب، يلفق مُنظِّرو الثورة الجماهيرية شعارا بديلا عن شعاراتهم بالأمس، يسمونه «القومية» التي تكن للتراث أجمل الذكر وأفخم التقدير… ليبقى في الرف بعد أن تفعل شعارات احترام الدين فعلها المخدر. وهيهات بعد اليوم !

إمامة الأمة محورُ الصراع بين عُصبة الإيمان وعِصابة الوُكلاء عن الجاهلية. نحن بلُحمة الإيمان الواصلة بيننا وبين العامَّة أقرب لقلوب الأمة، وهم أحَدُّ وَعْياً لعامل الالتصاق بالشعب وأعلى ادعاء له. ويبقى التصاقاً من خارج بجسم الأمة الذي لا يقبل الدخيل. وكما يكون لصيق القوم الدخيل فيهم أحرص الناس على إثبات نسبه فيهم لينفي التهمة عنه، فأدعياء الجماهيرية يزعمون أنهم المعبرون عن إرادة الشعب، القادرون وحدهم على تفجير طاقاته، وقيادته في مسار الثورة المحررة، واسترجاع الكرامة، ومحاربة الصهاينة.

لا يتخلى اللبراليون، وهم أتباع الغرب الجاهلي، عن تبني «خط الجماهير» لإخوانهم «التقدميين» الثوريين أتباع وأذناب الشرق الجاهلي. من وراء هؤلاء وأولئك دعم روسيا وأمريكا ومن في دائرة المعسكرين.

وفي سوق التزييف يقدم مشروع كل فريق على أنه الإسلام، فما شئت من اشتراكية إسلامية وإسلام إصلاحي. والأمة متعطشة لعدل هو عندها مرادف «إسلام»، محتاجة لحكم عادل هو في ضميرها شورى الإسلام، منتظرة ليوم مشرق تسود فيه الكرامة والرخاء والقوة تحت راية الإسلام.

وقد مكنت عملية الإرث التي تسلم بمقتضاها المغربون زمام الحكم من يد الاستعمار أقدام الاستعمار الجديد على يد أبناء جلدتنا. فيسخرون وسائل العلوم والمال والسلطة للإقناع بمنهاجهم وفرضه.

اترك تعليق