مقدمات لمستقبل الإسلام (1)

بقلم فضيلة الشيخ المربي عبد السلام ياسين، رحمه الله تعالى

(يبدأ موقع مركز الشهود الحضاري في نشر سلسلة مقالات عن مقدمات لمستقبل الإسلام، الذي هو إحدى الكتيبات التي كتبها فضيلة الشيخ الإمام عبد السلام ياسين، لما له من أهمية للعاملين للإسلام والدعاة إليه، يركز فيه على أهمية الأخذ بالأسباب، والاتساق مع السنن لتشكيل مستقبل أفضل للإسلام).

المحرر

 

خطبة الكتاب

الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يكن يعلم. أبرز الخلق لوجود من عدم، وجعلهم شعوبا وقبائل وأصناف أمم. وفضل على العالمين أمة محمد ﷺ خير من سعى على قدم. أشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو الولي الحميد، يورث الأرض الصالحين من العبيد، ويقصم كل جبار عنيد. تسبح له السماوات السبع والأرض والأفلاك، يعز من يشاء من المستضعفين ويذل من يشاء من الجبارين والأملاك. تفنى الآثار وهو باق، حتى يجمعنا يوم الحساب والتلاق. يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا، يخزى يومئذ من طغى هنا أشرا وبطرا، ويفوز من جاهد في الله مصطبرا. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله جاء بالرسالة، وأدى أمانته حتى خرج الناس من جاهلية الجهالة. صلى الله عليه وسلم ما تلي القرآن، وانتضيت أسلحة الحديد في الحق وأسلحة البرهان

الله أكبر كبيرا لواء جهاد، حمله رسل الله مبشرين ومنذرين، وتَعَاوَرَهُ من بعدهم أهل الخلافة والرشاد، يدلون على الله هادين مهتدين. ثم ذبلت الكلمة على شفاه أجيال الغثاء، تحت قهر الجبارين والزعماء. وتعطلت سنة أبي القاسم الذي أخبرنا أنه بعث بالسيف بين يدي الساعة(1)، فرضيت بعده النفوس بالذلة والخناعة.

وها قد آن أن تقوم دولة القرآن، يؤذن بذلك ما يُجدّدهُ الله في قلوب هذه الأجيال الصالحة من إيمان، وما وعد به سبحانه لهذا الدين من الظهور كما يجزم بذلك أهل الإحسان. فكلمة الله حق، ووعده صدق. خاب وخسر من في دُجْنَة الارتياب نام، ومن مَنَعه عادة القعود وخوف الناس من الهبة والقيام.

من على عينيه غشاوة الشك أنَّى يبصر تباشير الصباح، ومن في آذانهم وقر لا يغني فيهم النداء والصياح. شمس الإسلام در شعاعها، وقافلة الجهاد يتوالى سيرها وإسراعها. وعلى الطريق لا بد من رفيق. في كتاب الله الهدى، وفي سنة رسوله ﷺ نفسي له الفداء. وإنما رُفقة الجهاد لرسم المنهاج، ثم لتذليل العقبات وخرق كل سياج.

وهذا كتاب لرسم المعالم، وخط الطريق لجند الله القائم. فإن العلم إمام العمل، والعلم النافع ما أخرجك من ظل الكسل، ونهض بك لتسلك إلى الله تحت ظل القنابل والأسَل. وإنما هو القرآن جاء به حياة للقلوب من بعث بالسيف، ودليلا إلى ذرى العزة لأمة نعست دهورا على الظلم والإلحاد والجبر والحَيف.

نفعنا الله بسنة المصطفى، وجعلنا ممن عض عليها بالنواجذ واقتفى. وجنبنا سبل الغواية والتوهين، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِي حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبعَكَ مِنَ المُؤمِنِين﴾ (الأنفال، 64). وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مقدمة

هذا الكتاب له مطمح أول هو أن يصبر القارئ عليه حتى ينسجم مع الخط الذي يرجع إليه الفكر بعد تموجات تدعو إليها معاناة واقع نريد تغييره، وأمل نرجو أن يتحقق، وهو قيام دولة القرآن، دولة الخلافة على منهاج النبوة. الخط الذي يعود إليه الفكر ويأوي إليه عبر تعرجات البحث والاستدلال والتخطيط هو ذلك المستقيم الصاعد بالعبد المؤمن إلى معارج الإيمان والإحسان. هو الصراط المستقيم الذي بلغ الله سبحانه عليه من اصطفاهم من عباده النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين. وحسن أولئك رفيقا. فمهما نكتب أو نقرأ منبسطين في أكوان الأرض والسماء، وعوالم السياسة والاقتصاد والصراع مع الباطل، فإنما نهيِّئ الفهم لجهاد عملي فيه الخبط والضراب والمعارك. فإن لم يكن لنا مع الله عز وجل ساعة لا يسعنا فيها غير ذكره، بل إن لم يكن شِغاف قلبنا مخدعا للحنين الدائم إليه سبحانه، ولم يَكن مَحْيانا ومماتنا وصلاتنا ونسكنا لله حقا وحده لا شريك له، فقد أوشكنا أن تذرونا الرياح، ونذْهب بددا مع الحركة، فتقتطفنا يد الهوى ونصبح من الخاسرين.

مطمح هذا الكتاب الأول أن نحافظ في هذه الرفقة على ذكر الله وما يقربنا إليه، بل أن يوقظ في أنفسنا هَمَّ الله ولقائه، لكيلا يَغلب جسم الحركة والفكر على روح طلب رضى الله عز وجل.

والمطمح الثاني التابع هو أن نرسم في هذه الفصول والأبواب منهاج عمل يتجاوز هَمَّ الساعة إلى التطلع لغد الإسلام. وإنَّ من بيننا من يرى، وله رأيه، أن الحركة الإسلامية ينبغي لها ألا تفكر لغد لا يزال في طي الغيب. ينبغي لها أن تركز الجهد على الحاضر، تاركة فضول الترقب لمراحل تأتي. بل الأدهى من ذلك أن منا من يكتب هذا الكلام المذهل الذي مؤداه أن الحركة الإسلامية غير مسؤولة عما آل إليه أمر المسلمين، ومن ثم فلا داعي لحمل همه. وتبقى الفجوة واسعة في الفكر الإسلامي بين مثالية النموذج النبوي والنداء القرآني الخالدين وبين ما تعانيه الأمة من بأساء على أرض الواقع، أرض الغثائية والاستضعاف والفقر والجهل والعبودية للطاغوت.

 كأن بعضنا يتصور أن جند الله يوم يصلون إلى الحكم يكفيهم أن يكنسوا الواقع البغيض بجرة قلم أو ضربة سيف كما كان، ولا يزال، يسمع عامتنا عن خرافات البطل الذي يطرح الآلاف من أعدائه بحركة حسامه.

مطمحنا الثاني التابع هو أن نقدم تصورنا لمنهاج عمل ينطلق بنا مما نحن عليه من علل، ويجمع من أطراف الحكمة لوصف الكيف: كيف كان النموذج النبوي في التربية والجهاد والحكم فذّاً وبم كان ؟ كيف تحول المجتمع الجاهلي مجتمعا إسلاميا ؟ كيف تطور التاريخ بالأمة على عهد الخلفاء الراشدين انحدارا إلى زوابع الفتنة، ثم بعد ذلك إلى الملك العاض فالجبري ؟ ثم كيف العمل اليوم وغدا لإتمام اليقظة الإسلامية المباركة، فانتزاع إمامة الأمة من يد ذرارينا المغربين، فقيادة الزحف الإسلامي إلى مسك زمام الحكم، فإقامة دولة القرآن بتربية الرجال، وتجنيد الشباب، واكتساب العلم، وتوجيه الجهاد، وبناء المؤسسات السياسية، وإحياء الاقتصاد، وتحرير الأمة من الاستعباد والتبعية حتى توحيد دار الإسلام، ونصب الخلافة على منهاج النبوة ؟

لا يغني الوصف لولا صحوة الأمة على عتبة هذا القرن الخامس عشر قرن الإسلام. فهي تزداد تلهفا لمعرفة دينها، وتزداد استعدادا

لتحمل أعباء الجهاد، وتزداد، بتردي أوضاعنا وفشل ساسة الطاغوت، تلهفا وترقبا ليوم تخفق فيه راية الإسلام على ربوعنا.

نداءات كثيرة تسمع في ديارنا فيما يرجع لمذاهب الفكر وأساليب التنظيم والحكم. كل ينادي على بضاعته، ويزين، ويلهج بالمديح. لكن صوت الإسلام وحده يُطرب هذه الأجيال المباركة، وبضاعة الإسلام وحدها تَنْفُق.

ما قَضَّ ويقُض مضاجع الجبارين إلا هذا النداء وهذه الاستجابة.

لأن الدعوة حق، ولأن الأمة، خاصة شبابها، أُشْرِبَتْ هذا الدين في سُوَيداءِ القلوب.

في عصر الأقمار الصناعية، والهول النووي، والتسارع الآلي، والثورة الإعلامية، تعاني الإنسانية من ضراوة الحضارة الجاهلية المستعبدة للشعوب، المبذرة لثروات الأرض، المحاربة لكل ما يرفع شأن المستضعفين، ويحررهم من أوهاق الاستعمار. ويضج المستضعفون، والمسلمون أشدهم آلاما، من وطأة الاستكبار العالمي. ينتظر المستضعفون في الأرض خلاصا من غزو التفقير والنهب، ومن الاحتلال العسكري والاقتصادي والثقافي. وقد بدأ المسلمون، مع العالم، يدركون أية قوة احتفظت بها عقيدة التوحيد، وأية طاقة يستطيع الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر تفجيرها في وجه الاستكبار وأعوانه. رأى العالم بدهشة تنم عما هنالك من ازدراء تقليدي بالمسلمين كيف هب إخوتنا الشيعة في إيران وكيف صال أسْدُ الله في أفغانستان. وكان درسا تعلموه فازدادوا خوفا من العملاق الإسلامي النائم. وتصدر اهتماماتهم جميعا رصد المؤمنين وملاحقتهم وسفك دمائهم إشفاقا أن تسري روح الجهاد في الأمة فتعصف بالظالمين.

برز جهاد المسلمين العزل في أفغانستان وانتصاراتهم برهانا على أن هذا الدين قوة المستقبل، قوة لا تقهر، قوة تتحدى بالإيمان أعتى طواغيت الأرض.


(1) روى الإمام أحمد رحمه الله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: «بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له. وجعل رزقي تحت ظل رمحي. وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري. ومن تشبه بقوم فهو منهم».

اترك تعليق

  1. يقول محماد رفيع:

    شكر الله لمركز الشهود حسن انتقائه لمثل هذه النصوص النفيسة التي تستجيب لحاجات اللحظة الزمنية التي تعيشها الأمة، من أعلام الأمة المعاصرين

  2. يقول 🌍 Hello World! https://national-team.top/go/hezwgobsmq5dinbw?hs=f6ddc272ddecaf0f7a6c45d3820fd4e7 🌍:

    53tzsx