خصائص السُّنَن الإلهية وأبعادها العلمية والحضارية (2-2) – دراسة

بقلم أ.د. راشد سعيد يوسف شهوان(*)

ثانياً: السُّنَن الاجتماعية طريق إلى بناء الأُمم وارتقاء الحضارات

  1. 1. تعريف السُّنَن الاجتماعية، وأهميتها:

 هي وقائع الله جَلَّ جلاله التي جرت عاداته أنْ يُنـزِّلها على عباده وَفقاً لأعمالهم الاختيارية؛ فتكون ثواباً لمَنْ أطاعوا منهجه تعالى، ووافقوا أوامره، وتجنَّبوا نواهيه، أو عقاباً لمَنْ خالفوا شرائعه سبحانه، وشاقّوا رُسُله ودعاته (شهوان، 2009، ج2، ص273).

والسُّنَن الاجتماعية سُنَن عامة نجدها في كل المجتمعات الإنسانية، وهي تَتَّسِم بالثبات؛ فلا تتبدَّل، ولا تتحوَّل أبد الدهر. وسورة آل عمران هي أوَّل سورة تحدَّثت عن السُّنَن، ووردت فيها ثلاثون سُنَّة اجتماعية، فضلاً عمّا يُمكِن أنْ نُسمِّيه سُنَناً نفسيةً، وغير ذلك من السُّنَن، وكانت بلاغة القرآن الكريم في التعقيب عليها بصيغة الجمع، مثل قوله تعالى: ﴿قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَنࣱ فَسِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُوا۟ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِینَ﴾ [آل عمران ١٣٧]. فهي سُنَن أُمم، لا سُنَن أفراد.

وكثير من الباحثين لم يُفرِّقوا في دراستهم للسُّنَن الاجتماعية بينها وبين السُّنَن التاريخية، فتناولوها في نطاق واحد. وهذا هو منهج القرآن الكريم، وطريقته بصفة عامة. وقد تمثّل ذلك الإمام العَلّامة ابن خلدون في “مُقدِّمته”؛ فقد انصبَّت دراسته للسُّنَن الاجتماعية على الظواهر التاريخية التي تمثَّلت في آثار القرب من الله، وآثار البُعْد عنه سبحانه، وأثر الذنوب في هدم الأُمم والشعوب، وأنَّ الظلم نذير بخراب العمران … وهذا ما أراد أنْ يُؤكِّده حقّاً في “مُقدِّمته”، وأنْ يُخبِر الناس به؛ فمعظم مقاصده في “الـمُقدِّمة” تدور حول هذا الهدف (خليل، 1405ﻫ، ص64 وما بعدها)؛ أيْ تعريف الناس بعِبَر التاريخ، ودروسه وعظاته، وأسباب التغيير والاستبدال؛ لأنَّ التاريخ -في نظره- يُمثِّل حركة الإنسان، وتذبذبه بين الهداية والضلالة. فالخط البياني الذي أراد ابن خلدون أنْ يرسمه لمسيرة الإنسان، من آدم عليه السلام إلى نهاية الدهر، يتمثَّل في قوله تعالى: ﴿وَأَلَّوِ ٱسۡتَقَـٰمُوا۟ عَلَى ٱلطَّرِیقَةِ لَأَسۡقَیۡنَـٰهُم مَّاۤءً غَدَقࣰا﴾ [الجن ١٦] ، وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَ ٰ⁠طِی مُسۡتَقِیمࣰا فَٱتَّبِعُوهُۖ﴾ [الأنعام ١٥٣]، وقوله سبحانه: ﭐ ﴿وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِی فَإِنَّ لَهُۥ مَعِیشَةࣰ ضَنكࣰا﴾ [طه ١٢٤].

وكثير من الباحثين والعلماء المعاصرين، الذين درسوا التغيير الاجتماعي، والنهوض الحضاري، وتقصَّوا أسباب التقدُّم وطرائق علاج أسباب التأخُّر في معاشهم وحاضرهم؛ ربطوا ذلك كله بحديث القرآن الكريم عن السُّنَن الاجتماعية الـمُتعلِّقة بالسُّنَن الأخلاقية، وقِيَم الإيمان وأخلاق النفوس، التي تُشكِّل وحدة موضوعية مُتكامِلة من حيث الأثر والتأثير في حياة المجتمعات ونهضة الحضارات واندثارها. ومن هؤلاء: الإمام محمد عبده، وتلميذه جمال الدين الأفغاني، والكواكبي، والطاهر بن عاشور، ومالك بن نبي، وأنور الجندي، والشيخ أبو الحسن الندوي، وجعفر السبحاني، والسيِّد محمد توفيق البكري، وخير الدين التونسي، وشكيب أرسلان، ومَنْ سبقهم من طلائع العلماء والـمُجدِّدين، من أمثال: إمام الحرمين الجويني، والماوردي، …، وغيرهم من أصحاب التفكير السُّنَني الذين تأثَّروا بالمنهج السُّنَني في القرآن الكريم والسُّنَّة الـمُطهَّرة.

فالعلاقة بين السُّنَن الاجتماعية والقِيَم الأخلاقية في الإسلام هي علاقة وثيقة ومُتكامِلة ومُتلازِمة. ولهذا، فقد يكون من المناسب والمفيد أنْ نُعرِّف القِيَم؛ لتوضيح العلاقة بين السُّنَن الاجتماعية والقِيَم، فيَتَّضِح المقصود بهذا التصوُّر.

  1. 2. تعريف القِيَم:

مصطلح “القِيَم” هو من المصطلحات الحديثة الوافدة، بالرغم من أنَّ معناه وأصل مدلوله موجود في العربية. أمّا المصطلح الـمُقابِل له في الإسلام فهو “الأخلاق”. وقد استُعمِل لفظ “القِيَم” في العربية بمعنى الاستقامة والاعتدال. قال تعالى: ﴿ذَ ٰ⁠لِكَ ٱلدِّینُ ٱلۡقَیِّمُۚ﴾ [التوبة ٣٦] ؛ أي المستقيم الـمُعتدِل، والـمُقوِّم لأمور الناس. وقال جَلَّ جلاله: ﴿رَسُولࣱ مِّنَ ٱللَّهِ یَتۡلُوا۟ صُحُفࣰا مُّطَهَّرَةࣰ﴾ [البينة ٢]؛ أي ذات قيمة رفيعة؛ لأنَّها جامعة لِما ذُكِر في كتب الله جميعها.

تُعرَّف القِيَم بأنَّها مجموعة القوانين والمقاييس التي تنبثق عن دين أو جماعة ما، وتكون أشبه بمُوجِّهات للممارسات المادِّية والمعنوية، ويكون لها قوَّة التأثير والالتزام والعمومية، ويُعَدُّ الخروج عليها خروجاً عن أهداف الجماعة ومُثُلها العُليا. وبمعنى آخر قريب من هذا، القِيَم: هي الـمُرشِد إلى سُبُل الحقِّ، والخير، والحرية، والعدل، والجمال، والتطوُّر، والتقدُّم، والنهضة أو العكس.

ولكنَّ معظم الذين تحدَّثوا عن السُّنَن الاجتماعية أو القِيَم الأخلاقية التي تتعلَّق بواقع المجتمعات المعاصرة، لم يضبطوا حديثهم بالشرع، ولم يُفرِّقوا بين القِيَم الوضعية والقِيَم الشرعية، فجاءت كثير من تصوُّراتهم نسبيّة ومشحونة بالتصوُّرات العلمانية والمادِّية.

ومن الأمثلة على السُّنَن الاجتماعية التي ترتبط بالقِيَم الأخلاقية:

– قوله تعالى: ﱡﭐ ﴿وَٱعۡتَصِمُوا۟ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِیعࣰا وَلَا تَفَرَّقُوا۟ۚ وَٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ﴾ [آل عمران ١٠٣]. فهذه سُنَّة اجتماعية تُبيِّن أهمية الوحدة بين أبناء الأُمَّة، والاعتصام بحبل الله تعالى؛ فمَنْ أخذ بها تحقَّقت له نتائج الفلاح، والنجاح، والنصر، والنهضة، والارتقاء الحضاري.

– قوله سبحانه وتعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَدۡخُلُوا۟ بُیُوتًا غَیۡرَ بُیُوتِكُمۡ حَتَّىٰ تَسۡتَأۡنِسُوا۟ وَتُسَلِّمُوا۟ عَلَىٰۤ أَهۡلِهَاۚ﴾ [النور ٢٧] . فهذه سُنَّة تُعلِّمنا تنظيم العلاقات بين الناس في زياراتهم والتواصل فيما بينهم.

 ومن الأمثلة على السُّنَن الأُخرى التي تُعلِّمنا أصول التعارف والتعايش الاجتماعي بين الناس، قوله تبارك وتعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَـٰكُم مِّن ذَكَرࣲ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَـٰكُمۡ شُعُوبࣰا وَقَبَاۤىِٕلَ لِتَعَارَفُوۤا۟ۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ﴾ [الحجرات ١٣].

ومن الأمثلة على السُّنَن الأُخرى التي تختصُّ بتنظيم السلوك الأُسري بين الزوجين وطاعة الولد لوالديه، قوله تعالى: ﴿۞ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوۤا۟ إِلَّاۤ إِیَّاهُ وَبِٱلۡوَ ٰ⁠لِدَیۡنِ إِحۡسَـٰنًاۚ إِمَّا یَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَاۤ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَاۤ أُفࣲّ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلࣰا كَرِیمࣰا﴾ [الإسراء ٢٣]. إلى غير ذلك من الأمثلة على السُّنَن الاجتماعية التي أفاض القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية في الحديث عنها (عدد من المُتخصّصين، 1997، ج1، ص54).

فدراسة السُّنَن الاجتماعية في ضوء السُّنَن الأُخرى، وربطها جميعاً ضمن إطار المنهج السُّنَني في القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية؛ كل ذلك كفيل بترقية السلوك الإنساني والحضاري، وإيجاد الإنسان الإيجابي الـمُتفاعِل مع الحياة (الصالح الـمُصلِح).

وتوجد سُنَن تتعلَّق بالتغيير الاجتماعي، وسُنَن أُخرى تتعلَّق ببناء الأُمم ونهضة الحضارات (برغوث، 1995، ص67-100). قال تعالى: ﴿لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡمِیزَانَ لِیَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِیدَ فِیهِ بَأۡسࣱ شَدِیدࣱ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِیَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن یَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلۡغَیۡبِۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِیٌّ عَزِیزࣱ﴾ [الحديد ٢٥]. فهذه الآية الكريمة تتحدَّث عن نوعين أساسيين من السُّنَن في صلاح الاجتماع البشري وصلاح الدنيا والدين: السُّنَن التشريعية الهادية، والسُّنَن الكونية البانية. أمّا السُّنَن التشريعية الهادية فتتمثَّل في قوله تعالى: ﴿لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡمِیزَانَ لِیَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ﴾ [الحديد ٢٥]؛ أيْ بالعدل؛ لأنَّ العدل أساس الـمُلْك.

وأمّا السُّنَن الكونية البانية فتتمثَّل في قوله تعالى: وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِیدَ فِیهِ بَأۡسࣱ شَدِیدࣱ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِیَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن یَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلۡغَیۡبِۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِیٌّ عَزِیزࣱ﴾ [الحديد ٢٥]. فهذه الآية الكريمة تُبيِّن أهمية الحديد في البناء والتعمير، وأهمية القوَّة في إقامة الحقِّ والعدل؛ لأنَّ الضعيف لا يُسمَع له، ولأنَّ الحقَّ لا بُدَّ له من قوَّة تقيمه، وتحرسه، وتحميه، وتنصره.

وقد أشارت الآية أيضاً إلى إحدى خصائص الحديد (البأس الشديد)، وإلى إحدى السُّنَن الكامنة فيه (المنافع الـمُتعدِّدة)، بوصفه أساس التسلُّح والإعداد العسكري والتقنية؛ ليُعلِمنا الله جَلَّ جلاله سُنَن النصر، وإقامة العدل، وحماية الدين، وليُعلِمنا سبحانه وتعالى أنَّ تحقيق النهضة والتقدُّم وبناء الأُمم والإقلاع الحضاري يخضع لقوانين ربّانية وسُنَن اجتماعية، وأنَّه يتعيَّن على الأُمم أنْ تجمع بين السُّنَن التشريعية الهادية والسُّنَن الكونية البانية الشاهدة في الأنفس والآفاق، وأنَّ انفكاك هذه السُّنَن بعضها عن بعض وإغفال إحداها يُفْضي إلى الضعف والانهزام.

ومن ثَمَّ، فإنَّ الأُمم التي تقدَّمت عن طريق الأخذ بالسُّنَن الكونية البانية والقوانين المادِّية بمعزل عن السُّنَن الهادية والتشريع الإلهي، تمكَّنت فقط من بناء حضارة مادِّية خالصة تفتقر إلى التوجيهات الأخلاقية والشرائع السماوية التي تحكم العلاقات بين الناس. أمّا الأُمم التي التزمت بسُنَن التشريع، ولكنَّها غَضَّت الطرف عن السُّنَن الأُخرى، فهي أُمم ضعيفة ذليلة؛ لأنَّ الأُمم التي لا تراعي مسؤوليات ما أمر به الله تعالى، ولا تأخذ بالسُّنَن الاجتماعية وسُنَن التحضُّر والبناء والعمران التي أمر الله بها، لتحقيق الاستخلاف المطلوب والإفادة الـمُثلى من موروث الحضارات الأُخرى؛ فإنَّها -لا محالة- ستُهزَم في معركة الحياة بعد خروجها عن قوانين الله تعالى في الاجتماع البشري؛ لأنَّ مَنْ شَذَّ عن سُنَن الله في هذا الوجود، فهي له بالمرصاد (شهوان، 2009، ص433).

ومن الآيات الدالَّة دلالةً واضحةً على ما تقدَّم، قوله تعالى: ﴿حَتَّىٰۤ إِذَا سَاوَىٰ بَیۡنَ ٱلصَّدَفَیۡنِ قَالَ ٱنفُخُوا۟ۖ حَتَّىٰۤ إِذَا جَعَلَهُۥ نَارࣰا قَالَ ءَاتُونِیۤ أُفۡرِغۡ عَلَیۡهِ قِطۡرࣰا فَمَا ٱسۡطَـٰعُوۤا۟ أَن یَظۡهَرُوهُ وَمَا ٱسۡتَطَـٰعُوا۟ لَهُۥ نَقۡبࣰا﴾ [الكهف ٩٧]. فهذه الآية الكريمة تُعلِّمنا سُنَن القوَّة والضعف، وأسباب النصر والهزيمة، وأنَّ التاريخ لا يُسطَّر بالإيمان وحده، وأنَّ التحلّي بالإيمان والتسلُّح بالقِيَم الأخلاقية هما من أسباب القوَّة؛ فالأمور مُقدَّرة بأسبابها وأقدارها وَفق قانون كلي. ومن ثَمَّ، فإنَّ وجود الإيمان، والحديد والنار، واليد العاملة معاً يُنتِج القوَّة الفاعلة الـمُغيِّرة. فهذه كلها أقدار الله تعالى في تحقيق النصر والبناء والنهضة؛ لأنَّ ما لا يتمُّ الواجب إلّا به فهو واجب.

وثمَّة مُثلَّثان من السُّنَن الربّانية التي تحكم حركة الإنسان الاجتماعية، أشار إليهما القرآن الكريم، وهما:

أ. الـمُثلَّث الذي يرتكز على السُّنَن الآتية:

– سُنَّة التداول. قال تعالى: ﴿وَتِلۡكَ ٱلۡأَیَّامُ نُدَاوِلُهَا بَیۡنَ ٱلنَّاسِ ﴾ [آل عمران ١٤٠].

– سُنَّة التدافع. قال تبارك وتعالى: ﴿وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضࣲ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ ﴾ [البقرة ٢٥١]، وقال سبحانه: ﴿كُلࣰّا نُّمِدُّ هَـٰۤؤُلَاۤءِ وَهَـٰۤؤُلَاۤءِ مِنۡ عَطَاۤءِ رَبِّكَۚ وَمَا كَانَ عَطَاۤءُ رَبِّكَ مَحۡظُورًا﴾ [الإسراء ٢٠].

– سُنَّة التغاير والاختلاف. قال تعالى: ﴿وَلَوۡ شَاۤءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةࣰ وَ ٰ⁠حِدَةࣰۖ وَلَا یَزَالُونَ مُخۡتَلِفِینَ﴾ [هود ١١٨].

ب. الـمُثلَّث الذي يرتكز على السُّنَن الآتية:

– سُنَّة الابتلاء والتمحيص. قال تعالى:ﭐ ﴿وَلَنَبۡلُوَنَّكُمۡ حَتَّىٰ نَعۡلَمَ ٱلۡمُجَـٰهِدِینَ مِنكُمۡ وَٱلصَّـٰبِرِینَ وَنَبۡلُوَا۟ أَخۡبَارَكُمۡ﴾ [محمد ٣١]

– سُنَّة الإهلاك وإزهاق الباطل. قال سبحانه وتعالى: ﴿وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هَلۡ تُحِسُّ مِنۡهُم مِّنۡ أَحَدٍ أَوۡ تَسۡمَعُ لَهُمۡ رِكۡزَۢا﴾ [مريم ٩٨]، وقال تعالى: ﴿وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَحۡسَنُ أَثَـٰثࣰا وَرِءۡیࣰا﴾ [مريم ٧٤].

ت. سُنَّة الآجال، والأعمار المحتومة، والحَدِّ الزمني. وهذه السُّنَّة تُؤكِّد النهاية، والفناء، والتآكل، والانحسار لكل شيء. قال عَزَّ من قائل: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلࣱۖ﴾ [الأعراف ٣٤].

وسُنَن الله الاجتماعية في الإهلاك تتجاوز مُعوِّقات القوَّة والعُدَّة؛ فالله تعالى غالب على أمره، ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون، وهو الحاكم سبحانه، لا مُعقِّب لحُكْمه، ولا يُعجِزه شيء في الأرض ولا في السماء. فهذا المِقَصُّ الإلهي أتى على الأُمم الظالمة، فأخرجها من سِيَر التاريخ، وطواها بعد أنْ قصمها بضربات موجِعة غير مسبوقة. قال تعالى: ﴿وَكَمۡ قَصَمۡنَا مِن قَرۡیَةࣲ كَانَتۡ ظَالِمَةࣰ﴾ [الأنبياء ١١]، وقال سبحانه: ﴿وَفِرۡعَوۡنَ ذِی ٱلۡأَوۡتَادِ ٱلَّذِینَ طَغَوۡا۟ فِی ٱلۡبِلَـٰدِ فَأَكۡثَرُوا۟ فِیهَا ٱلۡفَسَادَ فَصَبَّ عَلَیۡهِمۡ رَبُّكَ سَوۡطَ عَذَابٍ  إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ﴾ [الفجر ١٤].

فحَرِيٌّ بنا أنْ نتعلَّم كيف نصغي إلى الخطاب القرآني وهو يُعلِّمنا كيفية التعامل مع هذه السُّنَن الاجتماعية والتاريخية؛ لأنَّنا كثيراً ما نصاب بانفصام وجداني عن الخطاب القرآني، ونغفل عن مقاصده.

وهو يُعلِّمنا أيضاً كيف نصنع المستقبل والحياة السعيدة الطيبة. قال تعالى: ﴿وَلَا تُفۡسِدُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَـٰحِهَا﴾ [الأعراف ٥٦] . وكذلك يُعلِّمنا كيف نعود إلى الوراء؛ لنَفْقَه مسيرة الحضارات وحركة التاريخ، فيضعنا في نبض التاريخ ونهجه الصحيح؛ لنستفيد من خبراته، ودروسه، وقوانين الله تعالى وسُنَنه في خَلْقه. ويُعلِّمنا كذلك كيف نعيش الواقع في أمن، وأمان، وسعادة، واستقرار (خليل، 1403ﻫ، ص7-9). قال تعالى: ﴿ فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَایَ فَلَا یَضِلُّ وَلَا یَشۡقَىٰ وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِی فَإِنَّ لَهُۥ مَعِیشَةࣰ ضَنكࣰا﴾ [طه ١٢٤].

ومن الواجب في هذا المقام ملاحظة أنَّ بعض السُّنَن والقِيَم الاجتماعية تُفْضي إلى نتائج غير محمودة وانحرافات خطيرة إذا تعامل الناس معها وَفق معايير غير صحيحة ومعادلات معكوسة ومُختَلَّة، ومن ذلك -مثلاً- قيمة العِلْم وقيمة الجهل. فالجهل مع التديُّن يُنتِج الإرهاب، والجهل مع الغنى يُنتِج الفساد، والجهل مع السُّلْطة يُنتِج الاستبداد، والجهل مع الفقر يُنتِج الجرائم، والجهل مع الحرية يُنتِج الفوضى. ولكنْ، ما إنْ تُستبدَل قيمة العِلْم بقيمة الجهل، حتى تستقيم المعادلات والقِيَم الاجتماعية، ويوضَع كل شيء في مكانه الصحيح. فالعِلْم مع الفقر يُنتِج القناعة، والعِلْم مع الغنى يُنتِج الحضارة، والعِلْم مع الحرية يُنتِج الإبداع، والعِلْم مع السُّلْطة يُنتِج العدل، والعِلْم مع الدين يُنتِج الاستقامة، وهكذا.

  1. 3. الأبعاد المنهجية للسُّنَن الاجتماعية وعلاقتها بغيرها من السُّنَن:

وجَّه القرآن الكريم الفكر البشري إلى التقاط “الحوادث” بوصفها “عِبَراً”. وهذا من أعظم النقلات المعرفية التي نُقِل بها العقل؛ فتجديد النظرة إلى ما يدور في الزمن يُخرِج العقل من إِلْف العادة التي تُنسي ما تنطوي عليه الأحداث والقوانين والظواهر؛ من: سُنَن، وآيات، ومعادلات، وأقدار، ودروس، وعِبَر. قال تعالى: ﴿یُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱلَّیۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَعِبۡرَةࣰ لِّأُو۟لِی ٱلۡأَبۡصَـٰرِ﴾ [النور ٤٤]. ويُفهَم من هذه الآية الكريمة، في إطار فهم السُّنَن الاجتماعية، ما يأتي:

أ. ارتكاز التقليب الكوني والتغيير الاجتماعي على حركة واعية مدروسة، وليس على المصادفة والعشوائية.

ب. انقسام التقليب قسمين: تقليب كوني يتعلَّق بالسُّنَن الكونية (الليل والنهار، البَرْد والحَر، الشتاء والصيف)، وتقليب يتعلَّق بالسُّنَن الاجتماعية أو السُّنَن التاريخية (النصر أو الهزيمة، الاستبدال أو التمكين والاستخلاف).

ت. التفريق بين العِبْرة والاعتبار؛ فالعِبْرة هي العِظة والدرس. والاعتبار هو الترجمة العملية والتوظيف الفعلي والعملي لهذه الدروس والعِبَر والاستفادة منها؛ ما يُقلِّل من احتمالية الأخطار أو الوقوع فيها مَرَّةً أُخرى.

ث. الوصف القرآني للذين يفهمون المعادلات الربّانية في تقليب الليل والنهار، وما ينطوي عليهما، بتسميتهم أُولي الأبصار. وهذا يعني أنَّ أُولي النُّهى، أو أُولي الألباب، أو الـمُتوسِّمين، أو ذوي الحجر، مِمَّنْ ورد ذكرهم في نهاية كثير من الآيات التي تتحدَّث عن السُّنَن الربّانية، إنَّما يُمثِّلون تصنيفاتٍ علميةً قرآنيةً، ومصطلحاتٍ منهجيةً مقصودةً، وأوصافاً ومراتبَ علميةً مُحدَّدةً، لها أبعادها المعرفية التي تُقدِّم تصوُّرات جديدة لتخصُّصات مُتنوِّعة، فمثلاً الفقيه غير الـمُحدِّث، وأُولو النُّهى غير الـمُتوسِّمين، والـمُؤرِّخ غير عالِـم التاريخ أو فيلسوف التاريخ، وهكذا.

غير أنَّنا نغفل كثيراً عن هذه الأبعاد المنهجية والتصنيفات العلمية في الخطاب القرآني؛ فالسُّنَن الاجتماعية أو السُّنَن التاريخية مَخْزن للخبرات، ومُعلِّم كبير لبناء الأُمم ونهضة العِلْم والحضارات. والقرآن بهذا يُعلِّمنا المنهجية العلمية في احترام التخصُّصات والمهارات والمشارب.

وممّا يُؤسَف له أنَّ الأُمَّة الإسلامية لم تعقل ذلك كله؛ فحاقت بها قارعة الصليبيين، ثمَّ قارعة التتار، ثمَّ قارعة الأندلس، وها هي قد حلَّت بها نكبة فلسطين، واحتلال بيت الـمَقْدس، ونكبة العراق جمجمة الإسلام، ولا تزال هذه الأُمَّة تعيش في غياهب التخبُّط والانحراف، ونسأل الله تعالى أنْ يستخدمنا ولا يستبدلنا.

فالأُمَّة الإسلامية لم تدرس أسباب ما أصابها من كوارث ومِحَن، ولم تضع “الحلول الصحيحة” لمعالجتها، ولم “تدرس” طرائق العلاج، ولا “أساليب الوقاية”؛ فاجتاحها النظام الدولي الجديد، ومزَّق خصوصياتها، ومن ثَمَّ أخفقت في مواجهة مُصابها الجَلَل، ولم تتمكَّن من التعامل معه بصورة علمية صحيحة؛ ولم تستقرئ السُّنَن والعِلَل والأدواء على هدى وبصيرة من سُنَن الله تعالى في التغيير والاستبدال، مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُغَیِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ یُغَیِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ ﴾ [الرعد ١١].

  1. 4. أثر السُّنَن الاجتماعية في ترسيخ القِيَم الإنسانية الفاضلة بين الأُمم والحضارات:

لا شَكَّ في أنَّ الأخذ بالسُّنَن الاجتماعية، والاعتبار بها وَفق المنهج السُّنَني في القرآن الكريم، له ضرورة بشرية ووظيفية، ودور عظيم في ترسيخ القِيَم الإنسانية التي تضبط سَيْر المجتمعات، وتنشر الرحمة والأمن والأمان والمحبة والوئام بين الناس أجمعين. فالحضارات البشرية سلسلة مُتماسِكة الحلقات، يُؤثِّر السابق منها في اللاحق، ويجمعها ميراث واحد من القِيَم المشتركة.

ومع ذلك، فقد انطبعت كل حضارة بطابعها الـمُتميِّز الـمُستمَدِّ من تصوُّر أهلها للكون والحياة، وهو تصوُّر يجعل لكل حضارة خصائصها وذاتيتها الـمُتفرِّدة عن غيرها من الحضارات.

ومن الـمُسلَّم به أنَّ الحضارة الإسلامية مثَّلت حلقة من أهمِّ حلقات هذه السلسلة الحضارية، وتميَّزت من غيرها من الحضارات بمُميِّزات وخصائص فريدة، في سُنَنها الاجتماعية، وقِيَمها الإنسانية، وأُسسها وقواعدها الأخلاقية التي قامت عليها، فكانت دافعة إلى التقدُّم والنهوض الحضاري؛ فهي لم تقم على الصراع والعِداء، ولم تعرف العنصرية والشعوبية والطبقية والعِرْقية، وإنَّما قامت على سُنَن اجتماعية تروم تحقيق كرامة الإنسان، ومراعاة مصالحه، ونشر الحقِّ والخير والهداية بين الناس كافةً (البوطي، 1402ﻫ، ص15).

والحديث عن هذه القواعد والسُّنَن الاجتماعية والأخلاقية يطول، وحَسْبُنا هنا أنْ نشير إلى بعضها، ثمَّ نعود إلى استكمالها في بحث آخر إنْ شاء الله تعالى.

فمن هذه السُّنَن الاجتماعية التي تُعَدَّ طريقاً إلى تقدُّم الأُمم وارتقاء الحضارات:

أ. سُنَن الاختلاف والتدافع بين الحضارات (اختلاف تنوُّع وتكامل، لا اختلاف تضادٍّ):

إنَّ الاختلاف والتنوُّع بين الناس، والتدافع بين الحضارات، سُنَّة من سُنَن الله الاجتماعية التي أقام الله تعالى عليها عمارة الكون، وصلاح الحياة وغناها، وتقدُّم الأُمم، وتكامل الحضارات. ومن ثَمَّ، فلا يُمكِن لهذا القانون الربّاني أنْ يزول، أو ينتهي. قال تعالى: ﴿وَلَوۡ شَاۤءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةࣰ وَ ٰ⁠حِدَةࣰۖ وَلَا یَزَالُونَ مُخۡتَلِفِینَ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ وَلِذَ ٰ⁠لِكَ خَلَقَهُمۡۗ﴾ [هود ١١٩].

غير أنَّ هذا الاختلاف هو اختلاف تنوُّع وتكامل، لا اختلاف تنافر وتنازع وتحدٍّ وصراع وتخاصم وتضادٍّ؛ فهو لا يهدف إلى فرض السيطرة، والبغي في الأرض، والاستكبار العالمي؛ لأنَّ الصراع والخصام والعِداء لا يكون إلَّا بين الحقّ والباطل، وبين الإنسان والشيطان، وبين الخير والشَّرِّ، ولذلك قال تعالى: ﴿قَالَ ٱهۡبِطُوا۟ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوࣱّۖ﴾ [الأعراف ٢٤] ، وقال سبحانه: ﴿بَلۡ نَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَى ٱلۡبَـٰطِلِ فَیَدۡمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقࣱۚ﴾ [الأنبياء ١٨] ، وقال سبحانه: ﴿وَقُلۡ جَاۤءَ ٱلۡحَقُّ وَزَهَقَ ٱلۡبَـٰطِلُۚ إِنَّ ٱلۡبَـٰطِلَ كَانَ زَهُوقࣰا﴾ [الإسراء ٨١].

وتأسيساً على ذلك، فإنَّ التعايش والتعارف والتقارب والتعدُّدية والتنوُّع والاختلاف والحوار بين الشعوب المختلفة، هو وسيلة البقاء للجنس البشري، وليس الصراع والقتال والتناحر والتحدّي. ومن ثَمَّ، فلا ينبغي النظر إلى الآخر بوصفه عدوّاً يجب قهره، وإنَّما يتعيَّن النظر إليه بوصفه إنساناً مُكرَّماً، والتعامل معه بمحبة ورحمة، ودعوته بصورة تُحقِّق له حريته وكرامته وهدايته (الحضري، 1436ﻫ، ص113).

ومن السُّنَن الكبرى التي ركَّز القرآن الكريم عليها في هذا المقام بين الأُمم والحضارات، سُنَّة المدافعة (الخطيب، 2004، ج2، ص5، 107)،[1] وقد جعلها القرآن الكريم عامةً بين جميع الناس، سواء أكانوا مسلمين، أم غير مسلمين. قال تعالى: ﴿ٱلَّذِینَ أُخۡرِجُوا۟ مِن دِیَـٰرِهِم بِغَیۡرِ حَقٍّ إِلَّاۤ أَن یَقُولُوا۟ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضࣲ لَّهُدِّمَتۡ صَوَ ٰ⁠مِعُ وَبِیَعࣱ وَصَلَوَ ٰ⁠تࣱ وَمَسَـٰجِدُ یُذۡكَرُ فِیهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِیرࣰاۗ وَلَیَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن یَنصُرُهُۥۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ﴾ [الحج ٤٠]، وقال تعالى: ﴿وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضࣲ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [البقرة ٢٥١]. وهي سُنَّة اجتماعية تختصُّ بأُسس العمران البشري، وصلاح المجتمعات الإنسانية؛ لأنَّها تقوم على التنوُّع والتعدُّد واستباق الخيرات. قال تعالى: ﴿وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَـٰفُ أَلۡسِنَتِكُمۡ وَأَلۡوَ ٰ⁠نِكُمۡۚ إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّلۡعَـٰلِمِینَ﴾ [الروم ٢٢] ، وقال سبحانه: ﴿لِكُلࣲّ جَعَلۡنَا مِنكُمۡ شِرۡعَةࣰ وَمِنۡهَاجࣰاۚ وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةࣰ وَ ٰ⁠حِدَةࣰ وَلَـٰكِن لِّیَبۡلُوَكُمۡ فِی مَاۤ ءَاتَىٰكُمۡۖ فَٱسۡتَبِقُوا۟ ٱلۡخَیۡرَ ٰ⁠تِۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِیعࣰا فَیُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِیهِ تَخۡتَلِفُونَ﴾ [المائدة ٤٨] .

وفحوى هذا التنوُّع والتعدُّد من سُنَن الله الاجتماعية في خَلْقه، إثارة التنافس. قال تعالى: ﴿وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمۡ عَلَى ٱلۡهُدَىٰۚ﴾ [الأنعام ٣٥] ؛ لأنَّ التسابق في الخيرات هو الذي يُحقِّق لأُمَّة من الأُمم السَّبْق والتفوُّق والتميُّز، وليس القهر والتحدّي والغطرسة والاستعلاء ونهاية التاريخ أو صدام الحضارات. قال سبحانه: ﴿وَتَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَ ٰ⁠نِۚ﴾ [المائدة ٢]. وسُنَّة الاختلاف يجب ألّا تَحول دون البِرِّ، والتواصل، وتبادل المنافع، والتعايش مع الآخرين. قال تعالى: ﴿وَلِكُلࣲّ وِجۡهَةٌ هُوَ مُوَلِّیهَاۖ فَٱسۡتَبِقُوا۟ ٱلۡخَیۡرَ ٰ⁠تِۚ﴾ [البقرة ١٤٨]، وقال سبحانه: ﴿ٱلَّذِینَ یَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥۤ﴾ [الزمر ١٨]، وقال سبحانه: ﴿ٱلۡیَوۡمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّیِّبَـٰتُۖ وَطَعَامُ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ حِلࣱّ لَّكُمۡ وَطَعَامُكُمۡ حِلࣱّ لَّهُمۡۖ وَٱلۡمُحۡصَنَـٰتُ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ وَٱلۡمُحۡصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ﴾ [المائدة ٥]، وقال عَزَّ من قائل: ﴿۞ وَلَا تُجَـٰدِلُوۤا۟ أَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ إِلَّا بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُ﴾ [العنكبوت ٤٦]، وقال تبارك وتعالى: ﴿وَلَا تَسُبُّوا۟ ٱلَّذِینَ یَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَیَسُبُّوا۟ ٱللَّهَ عَدۡوَۢا بِغَیۡرِ عِلۡمࣲۗ﴾ [الأنعام ١٠٨].

إنَّ الإسلام لم يعرف في تاريخه مفهوم “التخاصم” ومفهوم “التصادم الحضاري”، أو المقاطعات الاقتصادية، وحصار الشعوب والمجتمعات، وقصف الأطفال والنساء، وتدمير دور العبادة، وقتل العُزَّل، وتجويع البشر، وحرقهم واعتقالهم. ومن ثَمَّ، فلا بُدَّ من إعادة النظر في مصطلح “صراع الحضارات” ومصطلح “نهاية التاريخ”، وفي مقولة أنَّ الحضارة الأمريكية قد نسخت الحضارات السابقة عليها، وأنَّها خلاصة التطوُّر البشري الذي يتعيَّن على جميع الأُمم أنْ تقتدي به، وأنْ تحذو حذوه (النجار، 1999 أ، ص12 وما بعدها؛ النجار، 1999 ب، ص15 وما بعدها).

ب. سُنَّة تحمُّل الأمانة والمسؤولية، وتكريم الإنسان وتشريفه، والشهود الحضاري (الشهادة على الناس).

ت. سُنَّة الإصلاح والتعمير، والاستخلاف والتمكين.

ث. فِقْه السُّنَن التشريعية الهادية والسُّنَن الكونية البانية.

وقد جاء ذكر هذه السُّنَن الاجتماعية في آيات كثيرة من القرآن الكريم، من مثل: قوله تعالى: ﴿۞ وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِیۤ ءَادَمَ﴾ [الإسراء ٧٠] ، وقوله سبحانه: ﴿وَكَذَ ٰ⁠لِكَ جَعَلۡنَـٰكُمۡ أُمَّةࣰ وَسَطࣰا لِّتَكُونُوا۟ شُهَدَاۤءَ عَلَى ٱلنَّاسِ﴾ [البقرة ١٤٣] ، وقوله جَلَّ جلاله: ﴿كُنتُمۡ خَیۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ﴾ [آل عمران ١١٠]﴾ [البقرة ١٤٣]، وقوله سبحانه: ﴿وَإِنَّهُۥ لَذِكۡرࣱ لَّكَ وَلِقَوۡمِكَۖ وَسَوۡفَ تُسۡـَٔلُونَ﴾ [الزخرف ٤٤]، وقوله تبارك وتعالى:  ﴿وَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضٍۚ إِلَّا تَفۡعَلُوهُ تَكُن فِتۡنَةࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَفَسَادࣱ كَبِیرࣱ﴾ [الأنفال ٧٣]. فسُنَّة تحمُّل الأمانة والمسؤولية التي تكفَّل الإنسان بحملها هي التي تُجدِّد طاقاته، وتُولِّد لديه الإرادة اللازمة للفعل الحضاري والحراك والنهوض. وكذلك الحال بالنسبة إلى الاستجابة لنداءات الله تعالى في تحمُّل هذه الأمانة، واستكشاف الإنسان نفسه. “نحن قوم ابتعثنا الله لنُخرِج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله ربِّ العباد …” (ابن كثير، 1997، ج7، ص46)،[2] والاستبصار بذاته، ومعرفته الخصائص التي اختصَّه الله تعالى بها، وكرَّمه بها؛ فذلك كله بمنـزلة الطاقات والسُّنَن الكامنة والقوى الـمُتجدِّدة التي تبعث في الإنسان الـمُسلِم القوَّة والحياة، وتعمل على تشريف الأُمَّة بالانتماء إلى الإسلام، ومنحها الشعور بالخيرية، والاعتزاز بما لديها من دين يدفعها إلى العمل والإصلاح والبناء (إنلو، 2009، ص28).

وبالمثل، فإنَّ سُنَن الاستخلاف والتمكين والتسخير -على اختلاف أنواعها ومجالاتها التي ذكرها القرآن الكريم- تُعَدُّ من أهم السُّنَن والطاقات والأسباب التي تدفع بالأُمَّة الـمُسلِمة إلى التقدُّم والنهوض الحضاري؛ إذا أخذت هذه الأُمَّة بمُتطلَّباتها، وعملت بأسبابها حقيقةً وواقعاً. وهي أيضاً من أهمِّ الـمُحرِّكات لاستنهاض العزائم، وإثارة الطاقات والقدرات الفاعلة اللازمة؛ لتحقيق الشروط الحضارية للنهضة، والبعث، والإحياء، والتجديد للإنسان والحياة والحضارة.

والسُّنَن الاجتماعية في تطبيقها، ومراعاتها الـمُتوازِنة في الحياة، وعدم الإخلال بها، تقوم على بُعْدين أساسيين، هما: الإيمان، والعمران. أمّا الإيمان فهو الترقّي الروحي والخُلُقي الذي يُثمِر تهذيب النفس الإنسانية، وتزكيتها، وتأهيلها لعمل الخير وتحمُّل الشدائد ومقاومة الأزمات؛ لأنَّ تربية الناس على الأخلاق والقِيَم وترسيخها في حياتهم أفضل من تربيتهم على حُبِّ الشهوات، والاعتماد على ما يُقدَّم لهم من خدمات، وربط حياتهم بالحاجيات فحسب.

ومن الموازين الـمُهِمَّة للسُّنَن الاجتماعية الأخذُ بالشورى، والعدل، والحرية، والمساواة؛ لأنَّها من أهمِّ الـمُقوِّمات والأُسس والأركان التي تمنح الأُمم الاستقرار، والأمن، والأمان، والقوَّة، والبقاء.

وأمّا العمران فهو الترقّي المادي والمدني الذي يتمثَّل في الجهود التي يقوم بها الإنسان لاستثمار مُسخَّرات الكون ومنافعه؛ خدمةً للحياة، وعمارة الأرض وإصلاحها. ومن السُّنَن الاجتماعية الأُخرى التي تُسهِم في بناء الأُمم، وتُكسِبها القوَّة والمناعة والثبات وعدم الذوبان في الآخر، ما يأتي:

أ. الاستناد إلى مُخطَّط فاعل وهادف ومُحكَم في نشر السُّنَن، والالتزام بها (نظرياً وعملياً) (ابن نبي، 1986، ص44-59)، ولا سيما بين الحُكّام والعلماء. قال ابن عباس t: “صنفان من الناس إذا صَلُحا صَلُح الناس: العلماء، والأمراء” (الأصبهاني، 1405ﻫ، ج4، ص96؛ ابن عبد البر، 1398ﻫ، ج1، ص184). فهذا هو الذي يُكسِب الأُمم والدول القوَّة والـمَنَاعة؛ إذ لا قيمة لمُخطَّط نظري وفكرة مُجرَّدة بعيدينِ كل البُعْد عن أرض الواقع، لا سيَّما أنَّ الأفكار الـمُجرَّدة مُؤشِّر على الذوبان وعدم الثبات أو الرسوخ، وضعف المناعة الحضارية، ولا بُدَّ للحقِّ من قوَّة تحميه، وإنَّ الله ليَزَعُ بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن.

ب. الثقة بالذات، والشعور العميق بالإرادة؛ ذلك أنَّ الحضارة لا تُفرَض على الناس، وإنَّما تنبع من مكنوناتهم ومن دواخلهم، وأنَّ الارتقاء بها لمواكبة غيرها من الحضارات يُمثِّل ولادةً داخليةً ومخاضاً عسيراً، يبدأ بالاستبصار بالذات، كما قال الصحابي الجليل ربعي بن عامر لرستم مَلِك الفُرْس حين سأله: ما الذي أتى بكم؟، فقال: نحن قوم ابتعثنا الله لنُخرِج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله ربِّ العباد كما تقدَّم ذكره.

فهذه السُّنَن الاجتماعية القرآنية هي الإرث الجنيني للأُمَّة الـمُسلِمة الذي يُشكِّل الوعي الأوَّل لشخصيتها، وهي القراءة التي يجب أنْ تظلَّ حاضرة ومُؤثِّرة في تشكيل أفكارها وأفعالها؛ لكي تتمكَّن من تحقيق رسالتها الإنسانية والحضارية والشهادة على الناس. والله غالب على أمره، ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون.

خاتمة

بعد دراسة الخصائص العامة للسُّنَن الإلهية وأبعادها العلمية والحضارية، خرجنا بجُمْلة من الحقائق والنتائج المهمة التي تميّزت بها هذه الخصائص، وما تنطوي عليه من وظائف عديدة، وأهداف علمية، وأبعاد حضارية، وهي:

1. اتّصاف السُّنَن الإلهية -على اختلاف أنواعها- بخصائص عِدَّة، أهمُّها:

أ. السُّنَن الإلهية طاقات، وقوى، وتقادير ربّانية، وقوانين كامنة في ماهيَّة الأشياء وطبائعها.

ب. بعض هذه السُّنَن تختصُّ بالتشريعات أو الوقائع التي جَرَتْ عادات الله تعالى أنْ تُنـزَّل على عباده بحسب أعمالهم الاختيارية ثواباً أو عقاباً، على مقتضى عِلْمه وإرادته وعنايته وعدله، بوصفه جَلَّ جلاله ربَّ كلِّ شيءٍ ومليكه.

ت. السُّنَن الإلهية مُسخَّرة وقابلة للكشف، ولو لم تكن كذلك ما استطاع الإنسان -بإمكان عقله وحِسِّه- أنْ يصل إلى شيء من كشفها، أو الاستفادة منها البتة.

ث. السُّنَن الإلهية تَتَّسِم بالثبات؛ فلا تتبدَّل، ولا تتحوَّل.

ج. السُّنَن الإلهية مُطّرِدة ومُنتظِمة، ولا تتخلَّف.

ح. السُّنَن الإلهية مُحايِدة، وقابلة للاستجابة لكل مَنْ يتعقَّلها، ويأخذ بأسبابها الصحيحة.

خ. السُّنَن الإلهية يتداخل بعضها في بعض، وتشترك معاً في رؤية شمولية مُتكامِلة.

2. تأكيد البحث أنَّ الكون بطبيعته السماوية والأرضية، وبكل عناصره وظواهره وعلاقاته، يتّصف بكل معاني الخير والنعمة والبركة، وأنه مخلوق مسخَّر وطائع وقانت ومُسبِّح لله تعالى، وكذلك تأكيد البحث أنّ الكون بعيد كل البعد عن جميع مظاهر الشرك والألوهية ومعاني التقديس والعبادة، وأنّ السنن الإلهية تتجاوز التفكير الخرافي الأسطوري، ومعاني الإلحاد والحلول والصدفة والعبثية والعشوائية، فضلاً عن إقصائها مفاهيم “التحدي” و”قهر الطبيعة” و”الصراع” و”التناقض” وغير ذلك من التصورات المادِّية.3. بيان البحث أنّ الإسهام الفاعل للإيمان في فهم السُّنَن، واكتشافها، واستثمارها، هو مَربط القراءة الصحيحة والموضوعية للكون والإنسان والحياة، وهو العامل الإيجابي للمُحرِّكات الفاعلة لكل أنشطة الحياة.

3. تمثيل السُّنَن الربّانية المفاتيح اللازمة للارتقاء الحضاري، والشرارة التي ينطلق منها الإنسان في البحث، وتدفعه إلى التجريب، وتُيسِّر له سُبُل الحياة، وتمنحه مَنَعةً ونشاطاً وروحاً تسري في قطاعات الحياة كلها، وهي -بالجُمْلة- حجر الزاوية للتقدُّم والنهضة، والبناء والتعمير.

4. اتّصاف المنهج السُّنَني في القرآن الكريم والسُّنَّة الـمُطهَّرة بأنَّه أوَّل مَنْ وضع البذرة الأولى لعِلْم السُّنَن، الذي يُعَدُّ من أهمِّ العلوم اللازمة لدراسة سُنَن الله تعالى في الأنفس والآفاق، التي تشمل السُّنَن الهادية، والسُّنَن البانية، بما في ذلك السُّنَن الكونية، والتشريعية، والإنسانية، والنفسية، والاجتماعية، والتاريخية، والحضارية. وقد قدَّم في ذلك منهجاً مُتكامِلاً مُيسَّراً، كشف فيه عن دور الإنسان في صناعة الحضارة، وإسهامه في إغناء المعرفة وبناء المستقبل.

5. تأكيد البحث أنَّ للسُّنَن الربّانية علاقةً وثيقةً بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسُّنَّة الـمُطهَّرة، وأثراً كبيراً في الفكر الإنساني العالمي بوجه عام. ولهذا، دعا إلى إطلاق مُسمّى الإعجاز السُّنَني في القرآن والسُّنَّة، بوصفه بُعْداً غائباً عن الدراسات القرآنية.

6. تأكيد البحث أهمية القِيَم الإيمانية والأخلاق الشرعية، ومراعاة السُّنَن الاجتماعية ودورها في التغيير والإصلاح وتعزيز القِيَم الإنسانية الفاضلة، وبيان أنَّ عدم الالتزام بها يُفْضي إلى ضعف كلٍّ من المناعة الأخلاقية والقِيَم الإنسانية والحضارية، وأنَّ لهذه القيم دوراً في عمارة الأرض والنهوض بالأُمَّة وبناء المشروع الحضاري، والعاقبة لا تكون إلّا للمتقين.

وفي ما يأتي أهمُّ التوصيات التي انتهى إليها البحث:

1.الاهتمام بالمنهج السُّنَني في القرآن الكريم والسُّنَّة الـمُطهَّرة، وإحياء موضوعاته، وتناوله في الدراسات العُليا في رسائل الماجستير والدكتوراه، وبيان أثره في إحياء الثقافة السُّنَنية، وأهميته في بعث التفكير السُّنَني، وتدعيم اتجاهات النهضة والتجديد والإصلاح، وإحداث التغيير المطلوب.
2.إيلاء العلماء والباحثين عامةً موضوع السُّنَن الربّانية مزيداً من الاهتمام؛ لِما ينطوي عليه ذلك من فوائد علمية جَمَّة، ومعطيات حضارية كبيرة.
3.إطلاق مُسمّى عِلْم السُّنَن الربّانية، والإعلان عنه بوصفه عِلْماً جديداً، له مفهومه الـمُحدَّد، وموضوعاته الـمُتميِّزة، وخصائصه، وأنواعه، ومجالاته، وميادينه، ووظائفه، وتأصيله تأصيلاً إسلامياً وعلمياً صحيحاً، واشتراك لجنة علمية مُتخصِّصة مع فريق من مختلف التخصُّصات في وضع كتاب مُمنهَج؛ ليكون مُقرَّراً للدراسات الجامعية.
4.إنشاء قناة فضائية تُعرِّف الناس بالصوت والصورة بأنواع السُّنَن الإلهية وصور الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية، وعرض نماذج من الاكتشافات العلمية الحديثة التي تُؤكِّد صدق ما يُذاع من حقائق ونبوءات وسَبْق علمي، بوصف ذلك مدخلاً جديداً للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى؛ حتى يسجد العِلْم في محراب الإيمان، وتزول الجفوة الـمُفتعَلة بينهما.
5.التوجُّه صوب السُّنَن البانية بالقَدْر الذي تَوجَّهْنا به نحو السُّنَن الهادية، واستنبطْنا من آياتها وأحكامها هذه الكنوز العظيمة في مجال التشريع والأحكام الفقهية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مراجع الدراسة:

الأسدآبادي، عبد الجبار (د.ت). المغني في أبواب التوحيد والعدل، تحقيق: توفيق الطويل، مراجعة: إبراهيم مدكور، إشراف: طه حسين، القاهرة: المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر، الدار المصرية للتأليف والترجمة.

الأصبهاني، أحمد بن عبد الله (1405ﻫ). حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، ط4، بيروت: دار الكتاب العربي.

الأصفهاني. الحسين بن محمد (1412ﻫ). المفردات في غريب القرآن، تحقيق: صفوان عدنان داودي، بيروت-دمشق: دار العلم، الدار الشامية.

إنلو، فرانك (2009). القيادة والتغيير، ترجمة: بشير الجابري، بيروت: د.ن.

برغوث، عبد العزيز (1995). المنهج النبوي والتغيير الحضاري، قطر: كتاب الأمة.

البشتاوي، حاتم فايز (2011). المنهج القرآني والظاهرة العلمية، عمّان: دار الفرقان.

البوطي، محمد سعيد رمضان (1399ﻫ). كبرى اليقينيات الكونية، د.م: دار الفكر.

البوطي، محمد سعيد رمضان (1962). من روائع القرآن، ط2، دمشق: مكتبة الفارابي.

البوطي، محمد سعيد رمضان (1402ﻫ). منهج الحضارة الإنسانية في القرآن الكريم، بيروت: دار الفكر.

الحضري، أنور قاسم (1436ﻫـ). السياسة الشرعية في أزمنة الوهن والاستضعاف، الرياض: دار الوعي.

الخطيب، شريف الشيخ صالح (2004). السُّنَن الإلهية في الحياة الإنسانية وأثر الإيمان بها في العقيدة والسلوك، الأردن: الدار العثمانية.

خليل، عماد الدين (1405هــ). ابن خلدون إسلامياً، بيروت: دار المكتب الإسلامي.

خليل، عماد الدين (1403هـ). العقل المسلم والرؤية الحضارية، قطر: دار الحرمين.

رضا، محمد رشيد (1990). تفسير المنار، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب.

السامرائي، نعمان (1421هـ). نحن والحضارة والشهود، قطر: كتاب الأُمَّة.

أبو السعود، محمود (1975). “المذهبية الاقتصادية الإسلامية”، مجلَّة المسلم المعاصر، عدد4.

أبو سنينة، أشرف (2002). موسوعة عالَم الكون والفضاء، ط2، عمّان: دار أسامة.

شهوان، راشد (2009). السُّنَن الربّانية في التصوُّر الإسلامي، عمّان: دار الأكاديميون للنشر والتوزيع.

صبري، مصطفى (1981). موقف العقل والعلم والعالَم من ربِّ العالمين وعباده المرسلين، ط2، بيروت: دار إحياء التراث العربي.

ابن عاشور، محمد الطاهر (1984). التحرير والتنوير، تونس: الدار التونسية للنشر.

ابن عبد البر، يوسف (1398هـ). جامع بيان العلم وفضله، بيروت: دار الكتب العلمية.

عبد الحميد، محسن (2022). المذهبية الإسلامية والتغيير الحضاري، العراق: دار التفسير للطبع والنشر.

عبد الحميد، محسن (2000). منهج التغيير الاجتماعي في الإسلام، بغداد: شركة الرشد للطباعة والنشر.

عدد من الـمُتخصِّصين (1997). موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم، إشراف: صالح بن عبد الله بن حميد، ط4، جدة: دار الوسيلة للنشر والتوزيع.

عثمان، محمد سيِّد (د.ت). سيكولوجية التعليم، فصل نظريات التعلُّم، القاهرة: جامعة عين شمس.

الفاروقي، إسماعيل راجي (2015). التوحيد جوهر الحضارة الإسلامية، عمّان: المعهد العالمي للفكر الإسلامي.

الفيروزآبادي (د.ت). القاموس المحيط، د.م: مؤسسة الرسالة.

القاسمي، جمال الدين (د.ت). محاسن التأويل، د.ن، د.ت، ج13، ص211.

القرضاوي، يوسف (د.ت). “عوامل المرونة والسعة في الشريعة الإسلامية”، حولية كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، عدد1.

القرضاوي، يوسف (د.ت). الخصائص العامة للإسلام، القاهرة: مكتبة وهبة.

قطب، سيِّد (1399هـ). خصائص التصوُّر الإسلامي، د.م: دار الشروق.

ابن كثير، إسماعيل (1997). البداية والنهاية، عناية وتوثيق: عبد الرحمن اللادقي، ومحمد غازي بيضون، ط2، بيروت: دار المعرفة.

مجمع اللغة العربية (د.ت). المعجم الوسيط، د.م: د.ن.

مريسيون، كريس (د.ت). العلم يدعو للإيمان، ترجمة: محمد صالح الزركلي، د.م: د.ن.

ابن منظور (د.ت). لسان العرب، بيروت: دار صادر.

بن نبي، مالك (1986). شروط النهضة، ترجمة: عمر كامل مسقاوي، وعبد الصبور شاهين، دمشق: دار الفكر للطباعة والنشر.

النجار، عبد المجيد عمر (1999 أ). عوامل الشهود الحضاري، بيروت: دار الغرب الإسلامي.

النجار، عبد المجيد عمر (1999 ب). فِقْه التحضُّر الإسلامي، بيروت: دار الغرب الإسلامي.

نوفل، عبد الرزاق (1998). الله والعلم الحديث، القاهرة: الهيئة العامة المصرية للكتاب، مكتبة الأسرة، مهرجان القراءة للجميع.

References

ʿAbd al-Ḥamīd, M. (2000). Manhaj al-Taghyīr al-Ijtimāʿī fī al-Islām. Baghdad: Sharikat al-Rushd li al-Ṭibāʿah wa al-Nashr.

ʿAbd al-Ḥamīd, M. (2022). Al-Mathhabiyyah al-Islāmiyyah wa al-Taghyīr al-Ḥaḍārī. Iraq: Dār al-Tafsīr li al-Ṭabʿ wa al-Nashr.

Abu al-Suʿūd, M. (1975). Al-Mathhabiyyah al-Iqtiṣādiyyah al-Islāmiyyah. Majallat al-Muslim al-Mu‘āṣir, 4.

Abu Snīnah, A. (2002). Mawsūʿat ʿᾹlam al-Kawn wa al-Faḍā’ (2nd ed.). Amman: Dār Usāmah.

Al-Asad Ᾱbādī, ʿA. (n. d.). Al-Mughnī fī Abwāb al-Tawḥīd wa al-ʿAdl (T. Al-Ṭawīl, Ed.; I. Madkūr, Rev.; Ṭ. Ḥusayn, Sup.). Cairo: Al-Mu’assasah al-Maṣriyyah al-ʿᾹmmah li al-Ta’līf wa al-Anbā’ wa al-Nashr, Al-Dār al-Maṣriyyah li al-Ta’līf wa al-Tarjamah.

Al-Aṣbahānī, A. (1405 AH/ 1985 CE). Ḥilyat al-Awliyā’ wa Ṭabaqāt al-Aṣfiyā’ (4th ed.). Beirut: Dār al-Kitāb al-ʿArabī.

Al-Aṣfahānī, A. (1412 AH/ 1992 CE). Al-Mufradāt fī Gharīb al-Qur’ān (Ṣ. Dāwūdī, Ed.). Beirut-Damascus: Dār al-ʿIlm, Al-Dār al-Shāmiyyah.

Al-Bishtāwī, Ḥ. (2011). Al-Manhaj al-Qur’ānī wa al-Ẓāhirah al-ʿIlmiyyah. Amman: Dār al-Furqān.

Al-Būṭī, M. (1399 AH/ 1979 CE). Kubrā al-Yaqīniyyāt al-Kawniyyah. Dār al-Fikr.

Al-Būṭī, M. (1402 AH/ 1982 CE). Manhaj al-Ḥaḍārah al-Insāniyyah fī al-Qur’ān al-Karīm. Beirut: Dār al-Fikr.

Al-Būṭī, M. (1962). Min Rawā’iʿ al-Qur’ān (2nd ed.). Damascus: Maktabat al-Fārābī.

Al-Fārūqī, I. (2015). Al-Tawḥīd Jawhar al-Ḥaḍārah al-Islāmiyyah. Amman: Al-Maʿhad al-ʿᾹlamī li al-Fikr al-Islāmī.

Al-Fayrūz ᾹbādĪ (n. d.). Al-Qāmūs al-Muḥīṭ. Mu’assasat al-Risālah.

Al-Ḥaḍarī, A. (1436 AH/ 2015 CE). Al-Siyāsah al-Sharʿiyyah fī Azminat al-Wahn wa al-Istiḍʿāf. Riyadh: Dār al-Waʿy.

Al-Khaṭīb, Sh. (2004). Al-Sunan al-Ilāhiyyah fī al-Ḥayāt al-Insāniyyah wa Athar al-Īmān bihā fī al-ʿAqīdah wa al-Sulūk. Jordan: Al-Dār al-ʿUthmāniyyah.

Al-Najjār, ʿA. (1999 a). ʿAwāmil al-Shuhūd al-Ḥaḍārī. Beirut: Dār al-Gharb al-Islāmī.

Al-Najjār, ʿA. (1999 b). Fiqh al-Taḥaḍḍur al-Islāmī. Beirut: Dār al-Gharb al-Islāmī.

Al-Qaraḍāwī, Y. (n. d.). ʿAwāmil al-Murūnah wa al-Saʿah fī al-Sharīʿah al-Islāmiyyah. Ḥawliyyat Kulliyyat al-Sharīʿah wa al-Dirāsāt al-Islāmiyyah, Jāmiʿat Qatar, 1.

Al-Qaraḍāwī, Y. (n. d.). Al-Khaṣā’iṣ al-ʿᾹmmah li al-Islām. Cairo: Maktabat Wahbah.

Al-Qāsimī, J. (n. d.). Maḥāsin al-Ta’wīl (13), p. 211.

Al-Sāmirrā’ī, N. (1421 AH/ 2001 CE). Naḥnu wa al-Ḥaḍārah wa al-Shuhūd. Qatar: Kitāb al-Ummah.

Barghūth, ʿA. (1995). Al-Manhaj Al-Nabawī wa al-Taghyīr al-Ḥaḍārī. Qatar: Kitāb al-Ummah.

Bin Ḥamīd, Ṣ. (Ed.). (1997). Mawsūʿat Naḍrat al-Naʿīm fī Makārim Akhlāq al-Rasūl al-Karīm (4th ed.).  Jeddah: Dār al-Wasīlah li al-Nashr wa al-Tawzīʿ.

Bin Nabī, M. (1986). Shurūṭ al-Nahḍah (ʿU. Masqāwī & ʿA. Shāhīn, Translators). Damascus: Dār al-Fikr li al-Ṭibāʿah wa al-Nashr.

Ibn ʿAbd al-Barr, Y. (1398 AH/ 1978 CE). Jāmiʿ Bayān al-ʿIlm wa Faḍlih. Beirut: Dār al-Kutub al-ʿIlmiyyah.

Ibn ʿᾹshūr, M. (1984). Al-Taḥrīr wa al-Tanwīr. Tunisia: Al-Dār al-Tūnisiyyah li al-Nashr.

Ibn KathĪr, I. (1997). Al-Bidāyah wa al-Nihāyah (2nd ed.) (ʿA. Al-Lādiqī, & M. Bayḍūn, Eds.). Beirut: Dār al-Maʿrifah.

Ibn Manẓūr (n. d.). Lisān al-ʿArab. Beirut: Dār Ṣādir.

Inlū, F. (2009). Al-Qiyādah wa al-Taghyīr (B. Al-Jābirī, Translator). n.p.

Khalīl, ʿI. (1403 AH/ 1983 CE). Al-ʿAql al-Muslim wa al-Ru’yah al-Ḥaḍāriyyah. Qatar: Dār al-Ḥaramayn.

Khalīl, ʿI. (1405 AH/ 1985 CE). Ibn Khaldūn Islāmiyyan. Beirut: Dār al-Maktab al-Islāmī.

Majmaʿ al-Lughah al-ʿArabiyyah (n. d.). Al-Muʿjam al-Wasīṭ. n. p.

Mrīsyūn, K. (n. d.). Al-ʿIlm Yadʿū li al-Īmān (M. Al-Zarkalī, Translator), n. p.

Nawfal, ʿA. (1998). Allāh wa al-ʿIlm al-Ḥadīth. Cairo: Al-Hay’ah al-ʿᾹmmah al-Maṣriyyah li al-Kitāb, Maktabat al-Usrah, Mahrajān al-Qirā’ah li al-Jamīʿ.

Quṭub, S. (1399 AH/ 1979 CE). Khaṣā’iṣ al-Taṣawwur al-Islāmī. Dār al-Shurūq.

Riḍā, M. (1990). Tafsīr al-Manār. Cairo: Al-Hay’ah al-Maṣriyyah al-ʿᾹmmah li al-Kitāb.

Ṣabrī, M. (1981). Mawqif al-ʿAql wa al-ʿIlm wa al-ʿᾹlam min Rab al-ʿᾹlamĪn wa ʿIbādih al-Mursalīn (2nd ed.). Beirut: Dār Iḥyā’ al-Turāth al-ʿArabī.

Shahwān, R. (2ī009). Al-Sunan al-Rabbāniyyah fī al-Taṣawwur al-Islāmī. Amman: Dār al-Akādimiyūn li al-Nashr wa al-Tawzīʿ.

ʿUthmān, M. (n. d.). Saykulūjiyyat al-Taʿlīm, Faṣl Naẓariyyāt al-Taʿallum. Cairo: Jāmiʿat ʿAyn Shams.


(*) دكتوراه في الشريعة الإسلامية من المملكة العربية السعودية، أستاذ الثقافة الإسلامية في جامعة العلوم الإسلامية العالمية/ الأردن. البريد اللأكتروني: [email protected]

شهوان، راشد سعيد يوسف (2023). خصائص السُّنَن الإلهية وأبعادها العلمية والحضارية، مجلة “الفكر الإسلامي المعاصر”، مجلد 29، العدد 105، 213-251. DOI: 10.35632/citj.v29i105.7727

[1] أورد الـمُؤلِّف في هذا الكتاب نماذج من السُّنَن الاجتماعية على نحوٍ مُوسَّع.

[2] قول الصحابي الجليل ربعي بن عامر لرستم مَلِك الفُرْس.

اترك تعليق